الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تزفيتان تودوروف في (روح الأنوار)

تزفيتان تودوروف في (روح الأنوار)
29 مارس 2008 00:37
''روح الأنوار'' هو أحدث كتاب لواحد من أهم قامات الفكر الأوروبي الحديث، ذلك هو تزفيتان تودوروف· هذا الكتاب المهم الذي عرّبه الأستاذ حافظ فويعه، وأصدرته رابطة الناشرين المستقلين التي تتشكل من دور نشر عربية محترمة من بينها ''توبقال'' و ''الشروق'' و ''الانتشار العربي''، ودور نشر أخرى· يمثل هذا الكتاب ''روح الأنوار'' تواصلا مع نهجه الفكري في صياغة تصورات جديدة ومختلفة بشأن رؤية الفكر الغربي عامة لقضايا الإنسان المعاصر· وتكمن أهمية الكتاب في مراجعة التقبل الغربي لعصر الأنوار في ضوء الراهن الحضاري، حيث لا ينخرط الكتاب في رؤية تأريخية لفكر الأنوار، تعتقله في زمنيته التاريخية بل ينظر تودوروف في الأنوار من زاوية قدرتها الفاعلة في التأثير على حياة المجتمعات، أي أنه يشرّح الأنوار سندان الواقع الغربي الراهن· وهو بذلك يقيّم الاتّهام الذي جعل من الأنوار مولّدة للأنظمة الشمولية وللإيديولوجيا الاستعمارية· فلقد أعلى عصر الأنوار من شأن الإنسان والحرية والمساواة ولا يعقل أن تكون هذه الدعامات مصدرا لسحق الإنسان· يضيف مدخل الكتاب أن تودوروف ينتقد التوظيف الغربي السّيئ للأساس العقلاني والاختلافي الذي قام عليه التنوير، مشخصا الممارسات السياسية الغربية وناعتا إياها بالإساءة إلى فكر الأنوار، وفي ذلك إحراج للسلطة السياسية الغربية، وتضمين لخيانة الممارسة لفكر الأنوار· إن ''روح الأنوار'' مساهمة فكرية شبيهة بالبيان النقدي الذي رفعه تودوروف في وجه واقع حضاري تباينت فيه المواقف السياسية مع المراجع الفكرية، وبدا فيه الموقع الحضاري للغرب مهزوزا أمام محك شعارات التنوير، مشددا على أهمية الكتاب أيضا في تلويحه بضرورة التفكير من جديد في ''روح التنوير'' الذي ليس حكرا على الغرب، بل هو مشاع إنساني، إذ نادى تودوروف باستعادة الإنسية، وهو ما يجعل من الكتاب حافزا لطرح سؤال التنوير العربي من جديد· في البدء يعترف تودوروف بأنه ليس هناك من بيان ما يشتمل عليه بالضبط مشروع الأنوار، ومرد ذلك إلى سببين؛ أولا لأن الأنوار عصر نهاية المطاف، عصر حوصلة وتأليف لا عصر تجديد جذري، فالأفكار الكبرى للأنوار لا تعود إلى القرن السابع عشر، وهي إن لم تنحدر من العصر القديم تحمل على الأقل آثار أواخر العصر الوسيط الأول وعصر النهضة والعصر الكلاسيكي· والأنوار حركة امتصاص ومفْصلة لآراء كانت فيما مضى متناحرة· لذلك يجب تبديد بعض الصور التي ترسخت في الأذهان بنوع من الإجماع· فالأنوار تتسم بالعقلانية والتجريبية في الوقت نفسه، وهي وريثة رينيه ديكارت مثلما هي وريثة الفيلسوف جون لوك، وقد احتضنت القدامى والمحدثين، أصحاب التوجهات الكونية وذوي التوجهات المحلية، وهي شغوفة بالتاريخ شغفها بالخلود وبالتفاصيل شغفها بالتجريد، وبالطبيعة شغفها بالفن، وبالحرية شغفها بالمساواة· وتجدر الملاحظة أن مكونات فكر الأنوار غارقة في القدم لكن عملية تركيبها جديدة، إذ لم يقتصر الأمر على التنسيق فيما بينها بل تجاوزه بخروج الأفكار من مظان الكتب إلى عالم الواقع خلال فترة الأنوار بالذات· معتبرا أن السبب الثاني الذي يعتبر عائقا أمام التحديد الدقيق لمشروع الأنوار فيتمثل في أن فكر الأنوار حمل عبئه عدد كبير جدا من المفكرين، الذين بحكم ما كانوا يدركونه من خلاف فيما بينهم بقوا منخرطين باستمرار في نقاشات مضنية سواء كان ذلك داخل البلد الواحد أو بين بلد وآخر· والحق أن الفترة التي تفصلنا عن الأنوار تساعدنا على الفرز، لكن إلى حد معين فقط؛ لأن خلافات الماضي أنتجت مدارس فكرية لا تزال تتصارع إلى اليوم· ثم إن عصر الأنوار كان عصر مناظرة أكثر مما كان عصر إجماع· هي إذن تعددية رهيبة من الأفكار، ورغم ذلك نحن نعترف دون حرج بوجود شيء يمكن أن نسميه مشروعا للأنوار· لقد قام هذا المشروع في الأصل على ثلاثة أفكار ما انفكت تنمو وتتطور أيضا بحكم نتائجها التي لا تحصى وهي الاستقلالية والغائية والإنسانية لأفعالنا والكونية· فماذا ينبغي أن يفهم من قولنا هذا؟· إن أول سمة تكوينية لفكر الأنوار تتمثل في جعلنا نفضل ما نختاره ونقرره بأنفسنا على ما تفرضه علينا سلطة خارجة عن إرادتنا· هو إذن اختيار ذو وجهين: وجه نقدي وآخر تكويني، فمن ناحية يجب عدم الخضوع لكل وصاية مفروضة على البشر من خارج إراداتهم، ومن ناحية أخرى ينبغي الانقياد طوعا للقوانين والقيم والقواعد المرغوب فيها· وعموما يمكن الحديث عن مصطلحين هامين: التحرر والاستقلالية، وهما كلمتان تشيران إلى لحظتين ضروريتين بالتساوي لسيرورة واحدة لا يتسنى الانخراط فيها إلا بتوفر الحرية الكاملة في النظر والمساءلة والنقد والتشكيك، بحيث لن يكون هناك تقديس لأية عقيدة أو أية مؤسسة· وقد أدى هذا الاختيار إلى نتيجة غير مباشرة لكنها حاسمة تمثلت في نوع من القيد المفروض على السلطة، حيث صار لزاما عليها أن تكون متناغمة مع البشر· ويأخذنا تودوروف في الفصل الثاني من هذا الكتاب وهو الفصل المعنون بـ ''رفض وتحريف'' ليعرفنا على الانتقادات التي توجه إلى فكر الأنوار كونها ''وفرت المستندات الإيديولوجية للاستعمار الأوروبي خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ويقوم هذا الانتقاد على المنطق التالي: بما أن الأنوار تقر بوحدة الجنس البشري فهي تقر إذن بكونية القيم· ولما كانت الدول الأوروبية مقتنعة بأنها تحمل قيما أرقى من القيم السائدة عند غيرها من الأمم، اعتقدت أن من حقها حمل حضارتها إلى الذين هم أقل حظا منها· وكي تضمن نجاحها في أداء هذه المهمة كانت مجبرة على احتلال المناطق التي يقطنها سكان تلك الأمم''· معتبرا الفيلسوف الفرنسي كوندورسيه كان يحلم بقيام دولة عالمية متجانسة ويعتقد بأن تدخل الأوروبيين يساعد على الوصول إلى ذلك، والحقيقة أن المنظرين لإيديولوجيا الاستعمار الفرنسي سيلجؤون في غضون مئة سنة بعد ذلك إلى هذا النوع من الحجج لتبرير الاستعمار· فهم يزعمون أن من واجب الأوروبيين مساعدة الشعوب قليلة التحضر مثلما هو من واجبهم تماما تربية أطفالهم· لقد كتب بول لروا بوليو (سنة 1874) وهو أحد المناصرين للاستعمار، ومن المتخصصين في علمي الاقتصاد والاجتماع، وأستاذ بالكوليج دي فرانس يقول ''ما يقتضيه النظام العالمي، ولست أعني النسل فحسب بل أعني التربية كذلك يقتضيه النظام الاجتماعي''· ويضيف بعد سنوات قليلة (سنة 1891) معتبرا الاستعمار استجابة لطلب ملح قائلا: ''أخذنا ننتبه إلى أن حوالي نصف سكان الكرة الأرضية من المتوحشين أو الهمج يناشدون الشعوب المتحضرة التدخل لمساعدتهم بصفة منتظمة ومستمرة''· جاء هذا الكتاب المهم في حوالي 150 صفحة من القطع المتوسط وقد نشر بدعم من المعهد الفرنسي بتونس· عالمية التنوير يشدد تودوروف على ضرورة التفكير من جديد في ''روح التنوير'' الذي هو ليس حكراً على الغرب بل هو مشاع إنساني· التنوير العربي طالب تودوروف باستعادة النزعة الإنسانية وهو ما يجعل من كتابه هذا حافزاً لطرح سؤال التنوير العربي من جديد·
المصدر: المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©