الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدالاي لاما والمواجهة السياسية بعيداً عن السينما

الدالاي لاما والمواجهة السياسية بعيداً عن السينما
29 مارس 2008 00:50
قبل ما يقارب العقد من الزمان، وأثناء إقامتي في إقليم التبت النائي بشمال شرقي الصين، توجهت بسؤال إلى ''نامدرب'' -أحد سكان الإقليم الذين شاركوا في حروب المقاومة المناهضة للشيوعية في عقد الخمسينيات- حاولت من خلاله معرفة رأيه في معارضي الإقليم من اللاجئين سياسياً خارج البلاد، وما إذا كانت الحملة التي ينظمونها ضد السلطات الرسمية في بكين، تخدم هدف حرية الإقليم التي ينشدونها أم لا؟ فأجابني بقوله: ''ربما يشعر هؤلاء بنوع من الرضا عن نشاطهم هذا، إلا أنهم في الواقع يتسببون في جعل الأمور أكثر سوءاً بالنسبة لنا هنا، والسبب أن لإقليم التبت أهمية خاصة لدى السلطة الشيوعية في بكين، إلى درجة أن مسؤوليها ليسوا على استعداد لمجرد مناقشة فكرة استقلاله''· يذكر أن المظاهرات الاحتجاجية قد اجتاحت كافة أنحاء هضبة اليبت خلال الأسبوعين الماضيين، بينما بلغ عدد قتلاها نحو 100 على أقل تقدير، وبالنسبة لكل من استغرب نوعاً ما، الزيارة المفاجئة التي سجلتها ''نانسي بيلوسي'' رئيسة مجلس النواب إلى الهند، في مسعى منها لمساندة ''الدالاي لاما'' الزعيم الروحي لإقليم التبت، لن يجد صعوبة في وضع اليد على دور السياسات الأميركية في إشعال مظاهرات الاحتجاج الأخيرة هذه، ولنذكر بهذه المناسبة، أن منح الكونجرس الأميركي الميدالية الذهبية للدالاي لاما في شهر أكتوبر الماضي، قد صاحبته متابعة الكهنة التبتيين لتلك المراسم عبر شبكة الإنترنت واحتفالهم بذلك الحدث بإشعال الألعاب النارية ونثر دقيق الشعير في الهواء، ما دفع السلطات الصينية لاعتقالهم على الفور· وكانت المظاهرات الأخيرة التي شهدها الإقليم قد انتظمت ابتداء بهدف إطلاق سراح هؤلاء الرهبان، غير أن وقفتهم الشجاعة في وجه عسف السلطة المركزية، سرعان ما تحول إلى مطالب اقتصادية رفعها سكان ''لهاسا'' الذين عبروا عن غضبهم من حرمانهم من الكثير من الفوائد الاقتصادية التي حققها صينيو ''هان'' ومسلمو ''هوي'' خلال الفترة الماضية التي تراوحت بين عشرة إلى خمسة عشر عاماً، وحدثني أحد الشباب المهاجرين، ممن لا تزال أسرهم تعيش داخل الإقليم، عن أنه شاع اعتقاد عام بين مواطني الإقليم خلال الأسبوع الذي منح فيه الكونجرس ميداليته الذهبية لـ''لدالاي لاما'' بأن الولايات المتحدة قد وضعت إقليم التبت على جدول أولويات أجندة سياساتها الخارجية· غير أن الحقيقة هي أن منح تلك الميدالية لم يكن سوى تعبير رمزي، أراد به المشرعون الأميركيون أن يشعروا بنوع من الارتياح إزاء موقفهم من قضية حرية الإقليم· وكان سوء فهم مماثل للسلوك الأميركي قد حدث في عام ،1987 الذي تعرض فيه ''الدالاي لاما'' للشجب من قبل الإعلام الرسمي الصيني، بسبب تقديمه لمقترحات حل سلمي للنزاع الدائر بين الإقليم وبكين أمام الكونجرس الأميركي، وكان ذلك السلوك قد بدا لسلطات بكين، بمثابة دليل على مدى قرب ''الدالاي لاما'' من واشنطن ومساندة هذه الأخيرة له· وعندها كانت قد اندلعت مظاهرات شرسة مماثلة في ''لهاسا''، استجابت لها السلطات بإعلان حالة الطوارئ، أما القمع الوحشي للتظاهرات الذي أعقب الإعلان عن حالة الطوارئ مباشرة، فقد تولى تنظيمه وتنسيقه الرئيس الصيني الحالي ''هو جنتاو''، الذي كان يتولى منصب سكرتير الحزب الشيوعي في إقليم التبت حينئذ، وعليه فإنه يرجح لاستجابته للتظاهرات الحالية، أن تكون بالوحشية نفسها وبذات الروح التي لا تقبل المساومة حول تبعية الإقليم للسلطة المركزية الصينية· لا يشك أحد بالطبع في كون ''الدالاي لاما'' شخصية روحية دينية ذات وزن وجاذبية ملحوظتين، غير أنه أبعد ما يكون عن السياسة والتخطيط الاستراتيجي، ولدى هروبه ولجوئه السياسي إلى الهند في عام ،1959 كان قد أعلن عن إعجابه بنهج مقاومة اللاعنف الذي اتبعه المهاتما غاندي، إلا أن هذا الأخير خاض غمار المقاومة، ونظّم مسيرة الملح وعانى ويلات الجوع إلى حد مشارفة الموت تعبيراً عن مقاومته تلك، خلافاً للـ''دالاي لاما'' الذي تبنى نهج اللاعنف وأفرغه من محتوى المقاومة التي جعلها غاندي هدفاً رئيسياً له، وبسبب هذا الموقف، فإنه لم يسبق للـ''دالاي لاما'' قط أن حاول تأكيد سلطته السياسية إلى جانب سلطته الروحية الدينية· يذكر أن الزعيم الروحي للإقليم كان قد تحالف مع مؤسسة هوليوود في نهايات عقد الثمانينيات، وهي الخطوة التي استقطبت دعماً واسعاً لاستقلال الإقليم في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وقد أثمر هذا التحالف نوعاً ما، ففي ذلك الوقت كان الاتحاد السوفييتي قد بدأ بالتصدع والانهيار، وخال للكثيرين أنه ربما تكررت التجربة نفسها في الصين، غير أن الذي حدث في الواقع، أن حملة التأييد الغربي لقضية الإقليم، قد أثارت غضب السلطات الصينية الكارهة للأجانب عموماً، وبدا واضحاً منذ منتصف عقد التسعينيات، أن التدويل الواسع لقضية الإقليم لم يجد له أي صدى يذكر بين قيادات بكين الرافضة لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية أو أخلاقية عليها من خارج حدودها، وهو نهج لن يتغير رغم الضغوط الأولمبية الممارسة عليها حالياً ولا أي ضغوط أخرى مشابهة· وعليه فإنه ينبغي للـ''دالاي لاما'' أن يكون قد وضع حداً لاستراتيجيته ''الهوليوودية'' هذه منذ عقد مضى على الأقل، مقابل تسليط جهوده الدبلوماسية كلها على التفاوض المباشر مع سلطات بكين، طالما أنها لا تصغي لأي نداءات خارجية مهما كانت· باتريك فرينش محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©