الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رواية زينــة الملكة .. رؤية شعرية تنتصر لقيم الحياة الأصيلة

رواية زينــة الملكة .. رؤية شعرية تنتصر لقيم الحياة الأصيلة
8 أكتوبر 2007 00:48
على خلاف التجارب الروائية الأخرى في المشهد الثقافي الإماراتي استطاع الروائي علي أبو الريش أن يؤكد حضوره الإبداعي من خلال مواصلة تجربته في الكتابة الروائية وتعميق صلتها بالواقع الذي تحاول أن تتمثل أبعاده الاجتماعية والوجودية والثقافية سواء على صعيد القضايا التي تطرحها تلك التجربة، أو على مستوى بنية السرد الروائي وتوظيف الحكاية أو القصص الديني في الرواية، ما يمنح تلك التجربة خصوصيتها النابعة من خصوصية الوعي والرؤية الفكرية والجمالية التي تقدمها تلك الأعمال للواقع والعالم والحياة· في روايته الثامنة-زينة الملكة- يفصح العنوان للمتلقي عن الدور المحوري الرئيس الذي يلعبه على المستوى الدلالي وإكساب المتلقي معرفة بالعمل، وبالبعد الإيديولوجي الذي ينطوي عليه من خلال الصفة التي تتصف بها زينة في العنوان وهي صفة الملكة· ويتضح هذا البعد أكثر في جملة الاستهلال التي تؤسس للمعاني الخاصة التي تتسم بها بطلة الرواية زينة بحيث يظهر دور تلك الجملة في التأثير في وعي المتلقي عبر ما تضفيه من السمات التي تتسم بها شخصية بطلة الرواية، وما تكشف عنه معاناتها من أبعاد إنسانية ووجودية( زينة البهية الزهية في زرقة الموت، انتعلت خسارتها، ووضعت جسدها المنهك عند ناحية الفجيعة وانتظرت زيارة الصباح··)· رواية الشخصية غالبا ما تفصح رواية الشخصية عن نفسها من خلال العنوان الذي يحمل اسم تلك الشخصية المحورية، وكما هو واضح من العنوان فإن الرواية لا تكتفي بإشهار اسم الشخصية بل تقدمها مقرونة بصفتها المجازية التي يمنحها إياها الكاتب نظرا للقيمة الخاصة التي تمثلها تلك الشخصية· وتلعب جملة الاستهلال التي تعمل على تقديم تلك الشخصية ورسم فضاء التجربة التي تعيشها على تأكيد هذه القيمة ومنحها أبعادها الإنسانية والوجودية والروحية في عالم تعيش فيه غربتها النابعة من اختلال القيم والمعايير الاجتماعية في حياة محكومة بسلطة القوة والمنفعة والمال، فهي لا تكتفي بالتأسيس للقول بل ترتبط ارتباطا قويا بصاحب القول أو ضمير المتكلم/ السارد في المتن السردي الحكائي، وهي تشكل بؤرة مركزية سوف تتولد عنها بؤر جديدة تحمل نفس السمات التي سنجد الروائي يستحضرها في المتن الحكائي للرواية· يتمحور السرد حول شخصية البطلة زينة وحياتها التي تعيشها مع حيواناتها التي حاولت من خلالها أن تعوض عن إحساسها بالأمومة المفقودة من جهة ومن جهة أخرى عن غربتها النابعة من شعورها بالخيبة المرة من البشر الذين سيطرت عليهم قيم الحياة المادية· تبدأ الرواية بتقديم شخصية بطلة الرواية والمكان الذي ستجري فيه الأحداث وسنلاحظ أن هذا التقديم للمكان على الصورة التي ظهر فيها يراد منه أن يدل على حقيقة ساكنته بطلة الرواية إذ ثمة تناظر بين الشخصية والمكان الذي تقيم فيه ( عند باب البيت المغمس بالتراب وعفونة براز القطط والكلاب تجلس زينة· تختلط الدمعة بالابتسامة البلهاء· لا أحد يعرف لماذا تفرج زينة عن أسنان صفراء محطمة، برز الناب من بين فتحة الفم كشاهد على المأساة)· شعرية اللغة وتعدد الرؤية تفصح لغة الرواية منذ البداية عن شعرية الرؤية التي تقدم من خلالها الأحداث والشخصيات، كما يكشف السرد الروائي عن مستويين من مستويات الرؤية هما مستوى الراوي المحايد والراوي المشارك وفي المستوى الثاني نستطيع معرفة الشخصية المحورية/ زينة من الداخل ومعرفة طبيعة سلوكها كما نجد نوعا من التطابق بين رؤية الراوي المشارك ورؤية الشخصية المحورية، ونتعرف إلى حقيقة الشخصيات الأخرى من خلالهما كما نعيش معهما الأحداث المروية· ولعل ما يميز وجهة نظر تلك الشخصية المحورية هو ثباتها لاسيما على صعيد علاقتها بالعالم الذي تعيش فيه · وإذا كانت معاناة زينة الحقيقية تبدأ بعد رحيل زوجها يوسف الراوي الذي كان يملأ عالمها بالحب والدفء واللذة والمعاني الإنسانية بسبب ما تتميز به شخصيته من دماثة وانبساط وفحولة على الرغم من فقره الشديد، فإن غياب هذا العزاء يجعلها تنسحب من العالم الخارجي إلى عالمها الداخلي الذي يمور بذكريات الماضي الدافئ والأحلام والمشاعر الحزينة التي تكشف عن علاقة غربة وانقطاع وعداء متبادلة مع المكان الذي فقد ملامحه القديمة مع نشوء العمارات الإسمنتية الجديدة فيه( نظرت زينة إلى الخيمة· قالت متبرمة: إنها أضيق من صدور الناس المكتنزين بالأنانية·· لا تبدو الخيمة مسرورة كثيرا بوجودي، أو حتى وجودها على هذه الأرض المنبسطة المزروعة بغابات الإسمنت الوغدة· كل شيء هنا ينم عن حزن غريب)· شخصيات الرواية تتجلى القيمة الخاصة للشخصية الروائية من خلال ما تمثله من وعي اجتماعي ثقافي يعكس قلق تلك الشخصية في علاقتها مع العالم الذي تعيش فيه، ومع الشخصيات الأخرى في الرواية التي تبني عالمها التخيلي على أساس من الاختلاف النابع من موقف الشخصية المحورية/ زينة والمدعومة من وجهة نظر الراوي الذي يتخذ نفس الموقع من المكان والشخصيات الأخرى وهو ما نجده واضحا عبر الصفات والنعوت التي يطلقها على المكان والشخصيات الأخرى في الرواية ما يدل على أهمية الموقع الذي يتخذه الراوي في هذه الرواية القائمة على التقابل بين الشخصيات، فشخصية يوسف الراوي تقابلها شخصية النوخذة المستغل لجهد وحياة عماله،وزينة تقابلها شخصية مهرة التي تستغل معرفتها بقراءة القرآن لتحقيق مصالحها الشخصية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©