السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المضمون الحضاري للأمة

المضمون الحضاري للأمة
8 أكتوبر 2007 01:18
قد يكون واضحاً أنه يمكن النظر الى العطاء على انه وعاء لمحتوى إيجابي في التفاعل يكون أداة للتغيير وإعادة الإمساك بضوابط الحضور الفاعل، وصولاً لإعادة الحياة إلى مشروع نهضوي يداعب آمال المجتمعات في التجديد والانطلاق· واذا كانت الأمة تمتلك فلسفة حياتية وحضوراً مشروعاً في العمل الثقافي يمكنها من تنمية الوعي الهادف·· فإنها ما فتئت تحمل الكثير من نبضها وتملك كل إمكانات التوقد والنهوض والقيام والحركة نحو مستقبل مشرق· ومما هو مدرك أن الانسان صاحب العطاء يحيا في حركة فكرية فاعلة؛ لأن الإسلام يبني في الإنسان المعطى: الروح الايجابية التي تؤهله للعطاء وتنمي فيه القدرة على الإبداع بما تفتح له من آفاق التفكير والممارسة، وبما تزوده به من بناء ذاتي ليصبح الإنسان ناضجاً في ظل عقلانية واعية؛ لأن الحياة في المنظور الفلسفي: عمل وبناء وعطاء وتنافس في الخيرات قال تعالى: (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) (البقرة: 148)· ونحن ندرك في فلسفة فاعلة أن الانسان الايجابي ترى له قوة في دين وحزماً في لين وإيماناً في يقين وحرصاً في علم وعلماً في حلم وخشوعاً في عبادة وصبراً في شدة وطلباً في حلال ونشاطاً في عقلانية· ومما ينبغي أن يشار إليه أن العطاء يتمثل في تصور الإنسان لقيم الخير والجمال والكمال· والشخصية المعطاءة تنزع دائماً إلى المستقبل وتبرمج مسيرتها على القيم النبيلة· وبهذا تصبح الشخصية المعطاءة شخصية عقلانية متزنة لا يطغى على مواقفها الانفعال ولا يسيطر عليها التفكير المتأتي من سيولة العقل وامتداد اللا معقول· ومما يحسن أن نقف عليه أن العطاء والعمل حقيقتان متلازمتان في حياة الإنسان الفاعل· وهما أبرز مظهر من مظاهر إنسانيته وأعمق سبب من أسباب الرقي والسمو؛ لأن الحياة الإنسانية بكل ما فيها من مظاهر الثقافة وحسن العلاقات ما هي الا نتيجة عملية للمعرفة القائمة على العطاء والعمل ولقدرة الإنسان على الإسهام في البناء· ولولا وجود ظاهرة الارتباط بين العمل والعطاء في حياة الإنسان لما عرفت المجتمعات الإنسانية النشاط الإنساني الذي يشكل صيغة المدنية والحضارة· وما هذه المعارف والفلسفات والحضارات الا نتائج ضرورية ملموسة للعطاء والعمل· والعطاء والعمل يشعران الإنسان دوماً أن على عاتقه مسؤولية رسالة كبرى ودورا مهما في الحياة ينبغي ان ينهض به بعيداً عن الجمود والتحجر· وقد يكون من السهل أن يعيش الإنسان لذاته وهي أبسط أنواع الحياة· لكن من المجد والرفعة أن يعيش الإنسان لأمته ويعمل في سبيل نهضتها وتقدمها؛ لأن فلسفة وجود الإنسان أن يكون فاعلاً ومبدعاً ومجدداً ومسؤولاً عن العطاء ونشر الوعي· هذا الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه وعلمه الأسماء كلها وجعله خليفة في الأرض؛ لكي يحمل الأمانة فيها ويعد نفسه لتحملها (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان)، فما أثقل الأمانة على الإنسان ولا يستطيع ان يتحملها الإنسان إلا بالعطاء· إنها أمانة الإنماء والحضارة لهذه الحياة· لقد تخرج من مدرسة العطاء رجال عظماء ونساء عظيمات عملوا من أجل مجتمعاتهم وأمتهم والإنسانية، فكانت أمتهم والإنسانية قضيتهم ورسالتهم في الحياة، بذلوا من أجل كل ذلك العطاء المفيد· لهذا كان من واجب الأمة في هيئاتها ونواديها أن تذكر من رجالها من عملوا لأمتهم وأعطوا المجتمع كل ما من شأنه ان يأخذ بيد الإنسان· ومن هؤلاء: أصحاب العطاء الذين أفادوا مجتمعهم ودعوا الى التسامح في مواجهة التعصب والجمود والإقرار بالآخر في مواجهة الإلغاء والإقصاء· ومما هو واضح انه من خلال التعرف على عطاء المعطين تستطيع الأمة ان تصحح المسيرة وترقى الى خير ما قدر لها· وإن مجتمعاً يبحث في معطيات المعطين ويحاول الكشف عن البعد الحضاري ضرورة لا بد ان يرقى؛ لأن هذا الكشف يجسد المضمون الحضاري للأمة، ويبلور استراتيجية متكاملة للاستفادة من العطاء· ومن المعروف أن الشخصية الإنسانية تتحدد هويتها وتتضح ماهيتها عن طريق الحقائق الداخلية، وعندما تتفاعل الحقائق الداخلية -كالفكر والثقافة- مع العالم الخارجي، بما فيه من مثيرات ومحفزات ترتسم أبعاد الذات وتبرز هوية الإنسان· ولذلك فإن هوية الشخصية وطبيعتها الذاتية هي التي تصنع الحدود والفواصل المميزة لأي إنسان ومجتمع وأمة، وهي التي تجعل هذا معطاء أكثر من غيره· فلكل مجتمع سمات كلية يصنعها أفراده بشكل يميزه عن غيره·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©