الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

زمن الخيول البيضاء

زمن الخيول البيضاء
29 مارس 2008 01:19
رواية تاريخية مؤثرة تصور بصدق وبساطة ملحمة شعب خلال ثلاثة أجيال من تاريخه شبه المنسي، فلم يكد يعرف هذا الشعب كيف يتخلص من ظلم الإقطاع العثماني حتى وقع تحت سيطرة الاستعمار البريطاني الذي هيأ الإجراءات القانونية والغطاء الدولي لتيسير هجرة اليهود إلى فلسطين واغتصاب أرضها وتشريد أبنائها أو تصفيتهم بتهمة تعكير صفو الأمن وخروجهم على القانون· إنها نسيج مطرز بالأحداث الواقعية واللمحات التاريخية والحكايات الصغيرة شبيهة بالمنمنمات الملونة في ملابس الأعراس الريفية· تنطلق أحداث الرواية من قرية (الهادية) وتدور حولها في القرى والمدن الفلسطينية، وتشكل الزغاريد والهناهين المنظومة مساحة واضحة في هذا العمل الروائي الجميل والمؤثر، وهذا الشعر الشعبي الذي صيغت منه الهناهين يتناقله أبناء الريف من جيل إلى جيل ومؤلفه غير معروف، لكنه في الغالب من تأليف النساء لأن الأعراف والتقاليد الاجتماعية لا تسمح بالكشف عن قائله، وربما كان التأليف الجماعي هو السبب· فالمهم هو أنه يؤدي الرسالة ويقوم بتحقيق الهدف· قسم الشاعر إبراهيم نصر الله روايته إلى ثلاثة أقسام، هي: الريح، التراب، البشر· وهو يعتمد بذلك على قول عربي موروث، مفاده أن الله خلق الخيل من الريح·· والإنسان من التراب· ثم يضيف الكاتب أن البيوت من البشر· ومن هذه المقولة تنطلق الملحمة وتتنامى أحداثها متشابكة ومتصاعدة بمكابدات يومية دامية وبطولات شعبية ومساومات ومؤامرات أجنبية وعربية حتى يتم للأعداء اغتصاب فلسطين· تبدأ الرواية بمجيء فرس مسروقة (وسرقة الفرس مثل سرقة الروح) يقول بطل الرواية لسارقها بعد أن يخلصها منه ويطلق عليها اسم الحمامة، وهي فرس أصيلة بيضاء، تبدو وكأنها رمز أسطوري يأخذ دوره في بنية العمل وتشابك أحداثه·· وتنتهي بمنع الأهالي من العودة إلى بيوتهم لأن الخرافة الصهيونية أكلت الأرض ودمرت البيوت وانتصرت على الشهداء والأنقاض وشردت الباقين· لم يحدث أبداً أن ظلت أمة منتصرة إلى الأبد، أنا أخاف شيئاً واحداً: أن ننكسر إلى الأبد، لأن الذي ينكسر إلى الأبد لا يمكن أن ينهض ثانية، قل لهم احرصوا على ألا تنهزموا إلى الأبد· رواية يغوص فيها كاتبها إبراهيم نصر الله إلى أعماق النسيج الشعبي في مجتمع الهادية، قرية أجداده التي تغدو رمزا لكل شبر من أرض فلسطين· ومن أفراح العشق ومباهج الأعراس إلى تقلب المواسم وسطوة الولاة ورجال الدرك تجري الحياة اليومية وتنسج خيوط المأساة، ويبدو هذا العمل رواية مضادة للرواية الصهيونية عن أرض بلا شعب لشعب بلا أرض· وحين كان الكوشان في زمن الولاة دليلا على ملكية الأرض، يجرد صاحب الأرض سيفه ويقول: هذا هو كوشاني· وكما يؤكد الكاتب على لسان أحد أبطال العمل قائلا: (أنا لا أقاتل كي أنتصر بل كي لا يضيع حقي)· فترة زمنية طافحة بالأحداث متعددة الجوانب، والصراع دموي شديد بين الفلاحين الفلسطينيين من جهة وزعامات الريف والمدينة والأتراك والإنجليز والمهاجرين اليهود والقيادات العربية من جهة أخرى· ويبدو جهد الكاتب في هذا العمل كبيرا وقد استغرق منه سنوات، إذ تلتقي في بناء الرواية عناصر عديدة من الملحمة والحكاية الشعبية إلى الشهادة الشفوية ومن الأغنية إلى اللغة السينمائية، وفي هذا السياق تتشكل الحياة اليومية في فلسطين وتتسع من القرى إلى المدن لتستكمل المشهد الإنساني الرحب والحافل بحكايات البطولة والحب، الحياة والموت، والخيانة والصفاء والرحمة والقسوة، في حين تضيء أسطورة الخيل أعمق الزوايا في نفوس الشخصيات والقيم الكبرى لمجتمع بالغ الحيوية في عاداته وحكاياته وأغانيه وتفاصيل مشاغله اليومية· حكاية شعب حقيقي من لحم ودم، بكل أفراحه ومآسيه، كان يحيا منذ مئات الأجيال فوق أرض حقيقية له فيها تراث وتفاصيل أكثر من أن تحصى وأكثر من أن يطمسها الطغيان أو يغيبها النسيان· رواية ملحمية كبيرة تقول: لقد كان الفلسطينيون دائما هنا، ولدوا هنا وعاشوا هنا وماتوا هنا وهم يعيشون هنا·· وستظل جذورهم راسخة في تراب وطنهم تستعصي على الاقتلاع والإبادة·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©