الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحفني شيخ الأزهر والطريقة·· مات مسموماً

الحفني شيخ الأزهر والطريقة·· مات مسموماً
8 أكتوبر 2007 21:23
شهدت مشيخة الأزهر الشريف على مدى تاريخها الطويل أئمة عظماء لم يخشوا في الحق لومة لائم، ووقفوا بكل شجاعة وحسم في وجه المستبدين وكانوا ملء السمع والبصر في عصرهم ومحل تقدير وتبجيل معاصريهم، ولكنهم تاهوا في غياهب النسيان بمرور الزمن، إما لقدم العهد بتوليهم المشيخة، أو لضعف الفترة التي تولوا فيها سياسياً وافتقارها للأحداث المؤثرة، وعلى رأس هؤلاء الأئمة يأتي اسم الإمام الأكبر الشيخ محمد الحفني ثامن شيوخ الأزهر· فقد تولى المشيخة منذ حوالي أربعمائة عام، وفترة توليه التي امتدت عشر سنوات كانت من أشد الفترات ضعفاً وانحطاطاً، فقد كان الاحتلال العثماني يهيمن على مصر وكان ولاته منعزلين في القاهرة ولا يشغلهم إلا إرسال أكبر قدر من الضرائب الى الأستانة عاصمة التاج العثماني، وكانت السلطة الفعلية في أيدي الأمراء المماليك الذين كانوا يعيثون في مصر نهباً وقتلاً دون حسيب أو رقيب، ولكن الشيخ الحفني تصدى لهم ووقف في وجه ظلمهم بكل قوة وحسم، وظل طوال حياته الصوت القوي المدافع عن المظلومين والصامد في معارضته للأمراء والولاة وفي مقاومة ما لا يراه خيراً ولا صواباً من تصرفاتهم وقراراتهم· ونظرا لأن الشيخ الحفني كان مثالاً للعالم الورع الوقور المهاب القوي في الحق فقد هابه الأمراء المماليك وصاروا يستشيرونه في كل كبيرة وصغيرة وخففوا كثيرا من ظلمهم وعسفهم في معاملة الناس طوال فترة مشيخته· سيرة ذاتية الشيخ محمد الحفني ولد في قرية ''حفنا'' التابعة لمحافظة الشرقية شمال القاهرة عام 1100 هـ وهو شريف ينتمي بنسبه من ناحية الأم الى سيدنا الحسين -رضي الله عنه- وفي طفولته التحق بكتاب القرية، وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وانتقل للقاهرة والتحق بالأزهر، وأتم حفظ القرآن الكريم، ودرس علوم الفقه واللغة، واشتغل مدرساً للمجاورين بالأزهر الشريف، وسرعان ما توافد على مجلسه الطلبة من كل حدب وصوب، وذاع صيته كعالم وخطيب لا يشق له غبار، لدرجة انه قيل انه أوحد زمانه علماً وعملاً، ولكنه كان رقيق الحال لا يجد ما يعينه على مواصلة الدروس في الأزهر، واضطر للعمل نساخاً للكتب، وظل فترة ليست هينة يقضي النهار في إلقاء الدروس بالأزهر ويقضي الليل في نسخ كتب الآخرين· وذات يوم بينما هو منصرف من دروسه بالأزهر في طريقه لنسخ أحد الكتب قابله شخص غريب اتضح فيما بعد انه من مريديه واختلى به في المدرسة العينية بالأزهر وأخرج له كيسا مليئا بالأموال، وقال: يا سيدي إن فلانا يسلم عليك وقد بعث لك بهذه الأموال ويريد أن يحظى بقبولها، فأخذها الشيخ الحفني، ومن يومها تفرغ نهائياً للعلم والتدريس بالأزهر لدرجة انه انصرف حتى عن التأليف الذي بدأه في مطلع حياته· الصوفية وكان الشيخ محمد الحفني يلقي دروسه يومياً وأثناء تدريسه بالأزهر تعرف على الطريقة الخلوتية وأخذ عهدها وأسرارها عن صديقه السيد البكري، وسرعان ما صار من أقطابها، وكان يقصده المريدون من شتى أقطار الارض، وتبرك به الأمراء والحكام، وصار له نقيب وخليفة ومريدون وأتباع في معظم قرى مصر، وذاعت له كرامات وبركات بعضها خارق وأسلم كثيرون على يديه· وحينما بلغ الخمسين من عمره سافر الشيخ الحفني الى القدس في صحبة شيخه السيد البكري وأقام في بيت المقدس حيناً، وعندما عاد الى مصر عين عضواً في ديوان الحكم وأظهر قوة وشجاعة في الدفاع عن المظلومين من بسطاء الناس، كما كان قوياً في معارضة الأمراء والولاة وفي مقاومة ما لا يعتقده خيراً ولا صواباً من تصرفاتهم وقراراتهم، معتمداً على ما يتمتع به من قوة ومهابة وجلال فطري، فرغم أن إحدى عينيه كانت مصابة بنقطة وشبه عمياء إلا أن الناس بمن فيهم الأمراء كانوا يهابون مجرد النظر في عينيه وفي نفس الوقت كان يتسم بالكرم والجود والزهد ولا يرى في الدنيا مطمعاً أو قيمة، وحينما كان يسأله سائل عن أي شيء كان يهبه له بكل حب وفرح، وكان بيته قبلة للمساكين والمحتاجين· ومن أوصاف الجبرتي له ولبيته انه كانت له صدقات ظاهرة وخفية وراتب بيته من الخبز في كل يوم نحو اردب وطاحون البيت دائم الطحن ليلا ونهارا وكذلك مدقات البن والسكر، ويجتمع على مائدته الخمسون والستون، وينفق على بيوت أتباعه والمنتسبين اليه من أمور الدنيا والآخرة، وكان كريم الخلق حليما جميل السجايا، يصغى لكل متكلم حتى للخزعبلات، مظهراً له سروره ومحبته· شجاعة في الحق واشتهر الشيخ الحفني بالشجاعة في الحق والجرأة على أصحاب القوة والجاه والنفوذ، وكان مرهوب الجانب مطاعاً ومبجلاً من كل ولاة مصر الذين عاصرهم، والجبرتي قال انه لم يكن يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا بإطلاعه ومشورته، وراغب باشا أحد ولاة مصر بلغ به التقدير للشيخ الحفني أن وصفه بسقف الأمان، وقال: الشيخ الحفني سقف أهل مصر يمنع عنهم نزول البلاء· وظل الشيخ الحفني طوال حياته مدافعاً عن الحق، ناصراً للشعب على حكامه، منصفاً للمظلوم من ظالمه· وتولى مشيخة الأزهر الشريف بعد رحيل الشيخ الشبراوي عام 1657 وظل بها حتى رحيله عام ·1667 مناجزة في الشعر ورغم أن الشيخ الحفني كان واسع العلم في تصوفه وزهده فإنه كان ظريفا يشتهر بالمناجزة في الشعر العامي و''الحلمنتيشي''· ومما يروى عنه انه كان له رفيق من الشعراء الظرفاء اسمه حسن شمه وفي يوم جلسا معا في متنزه وارتجل رفيقه حسن: تحب المدمس، قلت: بالزيت الحار والعيش الابيض، تحب قلت والكشكار، فضحك الشيخ الحفني وقال: أما أنا فلا أحبه بالزيت الحار بل بالسمن وأنشد على الفور: قالوا تحب المدمس قلت بالمسلي والبيض مشوي تحبه قلت والمقلي· كما كان يكتب الشعر العامي وله في الغزل: خطر علينا غزال مر ما اتكلم/ ايش كان يضره اذا بالراس لي سلم حتى اسر مهجتي لولا السلام سلم· وكان الشيخ الحفني عالما متبحرا في علوم الفقه الشافعي والنحو والاصول والحديث والتوحيد، وعمر طويلا ولكنه توفى فجأة في ربيع الاول 1181 هـ ودفن في اليوم التالي بعد ان صُلي عليه بالازهر الشريف في مشهد عظيم· ويوم وفاته ارتجت، بل ارتعبت مصر كلها في مشهد وصفه الجبرتي قائلا: بعد وفاة الشيخ الحفني ابتدأ نزول البلاء واختلال احوال مصر لأنه لم يوجد بعده من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويقيم الهدى· مفاجأة موت الشيخ الحفني أثارت الشكوك حول أسبابها فبسبب شدته على الأمراء والولاة ووقوفه في وجههم ذهب البعض للقول بأنه مات مقتولاً حيث دس له أحد الأمراء السم· ويقول الجبرتي: إن الأمراء أشغلوا الاستاذ -يقصد الحفني- وسموه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©