الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الدينار إلى الدولار

من الدينار إلى الدولار
8 أكتوبر 2007 21:28
ظل الدينار الإسلامي متربعا بمفرده على عرش التجارة الدولية منذ قيام عبدالملك بن مروان بتعريب النقود الإسلامية لقرابة سبعة قرون ونيف، فكان العملة الوحيدة التي لها القدرة على إبراء وانجاز المعاملات التجارية مهما كان حجمها في أرجاء القارات الثلاث للعالم القديم· وتركت هذه الحقبة الطويلة من السيادة النقدية الإسلامية آثارا لا تمحى من الذاكرة الإنسانية عبر مسميات واصطلاحات ما برحت تشير إلى عمق الدور الحيوي للدينار الإسلامي في اقتصاديات العصور الوسطى· وأول هذه المصطلحات كانت كلمة ''سكة'' التي تشير في الأصل العربي للطابع أو الحديدة المعلمة أي قالب السك الذي تضرب به النقود، وما لبثت أن استخدمت كاصطلاح يشير الى النقود ذاتها حيث عرفت باسم السكة ومنها المسكوكات· وقد سادت التسمية العربية لوظيفة صنع النقود ''السكة'' العالم بأسره وخاصة في أوروبا· فقد عاش لفظ ''السكة'' في أوروبا غريبا عن موطنه الأصلي وأوغل في الاغتراب حتى تبنته الفرنسية باسم sequin واشتقت منه الايطالية لفظ zecchine. المنقوش والمرابطي وأعطى الدينار الإسلامي بكتاباته التي جاءت خلوا من الصور للنقد الذهبي الجيد لفظه الاصطلاحي الذي عرف به في أوروبا ''المنقوش'' حتى القرن السادس الهجري ''12م'' وترد هذه التسمية في الوثائق التجارية للجمهوريات الايطالية وفي ''الماجناكارتا'' البريطانية وأيضا في كثير من قوائم الموجودات والكنوز التي كانت تضمها كنائس أوروبا، وفي بعض المقاطعات كان النبلاء الاقطاعيون يطالبون المتعاملين معهم بسداد الرسوم أو الضرائب بالمنقوش دون سواه من العملات· وما ان اختفى مصطلح المنقوش من الأدبيات الأوروبية حتى حل مكانه اسم ''المرابطي'' في اشارة الى الدنانير الذهبية الجيدة التي ضربتها دولة المرابطين وصارت تهيمن عبر الأندلس على عمليات التداول النقدي الكبيرة في أوروبا· ولكن هذا التاريخ المجيد للدينار الإسلامي أخذ يتعرض لمخاطر متتالية بسبب اضطراب طرق التجارة البرية عبر آسيا بسبب حروب المغول فيها وجشع سلاطين المماليك المهيمنين على طريق التجارة البحري في فرضهم لرسوم مبالغ فيها على واردات أوروبا من التوابل· غزو النقد الأوروبي وإزاء النقص الحاد في معدني الذهب والفضة في الشرق الإسلامي واقبال المماليك على اكتنازهما أقدمت جمهورية البندقية على ضرب نقدها الذهبي الذي عرف ''بالدوكات'' واحتل هذا النقد بفضل ثبات وزنه وعياره مكانة الصدارة في تجارة المتوسط حتى داخل أسواق الشرق الاسلامي· ولم يكن البنادقة وحدهم في ميدان الاجتراء على سيادة الدينار الإسلامي فقد انضم اليهم البرتغاليون لاحقا· وأدت مغالاة المماليك في فرض الرسوم الجمركية على سلع الشرق الأقصى الى تفكير اوروبا في الاتصال مباشرة بآسيا عبر المحيطين الأطلسي والهندي وقد نجم عن ذلك ما سمي بحركة الكشوف الجغرافية التي أدت في نهاية المطاف الى تدعيم السيادة النقدية لأوروبا· ذلك ان البرتغاليين بنجاحهم في تحويل تجارة الهند الى طريق رأس الرجاء الصالح قد حرموا الشرق الإسلامي من عوائد رسوم هذه التجارة، كما عمد البرتغاليون الى غزو دواخل افريقيا ليصلوا الى تبر السودان الغربي الذي غير طريقه نحو أوروبا، والى أبعد من ذلك أدى اكتشاف الاميركيين الى تدفق معدني الذهب والفضة منهما الى أسبانيا وأصدرت المملكة التي امتدت أراضيها عبر ضفتي الاطلسي عملات ذهبية وفضية تسيدت اسواق التجارة الدولية واضطرت دوكات البندقية التي هيمنت على تجارة المتوسط لمدة أربعة قرون الى التخلي عن مكانتها في القرن الثاني عشر الهجري ''18م'' لنقود اسبانيا الذهبية التي عرفت في الشرق الإسلامي باسم ''الكرونا'' الأندلسية لوجود رسم التاج الملكي ضمن نقوشها· وما لبثت العملات الفضية الاوروبية ان تسيدت ليس فقط العمليات التجارية الدولية بل وغزت اسواق الشرق الاسلامي لتصبح العملة المقبولة في العمليات التجارية الداخلية· فظهرت عملات اسبانيا الفضية التي ضربتها من مناجم الفضة السخية في البيرو، وكانت تعرف في الشرق باسم ''الريال أبو مدفع'' لوجود رسم لعمود هرقل على أحد وجهي البيزيتو الأسباني· ونجح الهولنديون في اصدار عملات فضية ثقيلة وجدت طريقها لأسواق الشرق عبر تركيا العثمانية، ولما كان الريال الهولندي يحمل رسما لأسد على أحد وجهيه فقد عرف بالريال الأسدي أو الأرسلاني ''أرسلان تعني الأسد في التركية'' واشتهر في مصر خاصة باسم الريال أبو كلب لاعتقاد الناس ان الرسم التجريدي للأسد إنما يشير الى كلب، ولكن اقدام الموانئ الفرنسية على تزييف ''الكلب'' أدى الى فقدان المتعاملين في الشرق للثقة في هذه العملة التي اختفت قبيل انتهاء القرن السابع عشر الميلادي· وفي السنوات الأولى للقرن الثامن عشر غت أسواق الشرق العملات الفضية الثقيلة الوزن ''27 جراما'' التي كانت تسكها الامبراطورية الرومانية المقدسة و''النمسا والمجر'' وقد سيطر هذا النقد النمساوي المعروف باسم ''التالير'' على كل اسواق الشرق الإسلامي حيث كان عملة الدفع في تجارة البن اليمني وعُرف باسم ريال ماريا تريزا ''لنقش صورتها عليه'' وعُرف تارة أخرى -خاصة في مصر- باسم ريال أبو طاقة ''بوطاقة'' لوجود نقش على وجه الريال لدرع حربي زخرف بخطوط متقاطعة تشبه تغشيات الحديد التي كانت تستخدم في فتحات ''طاقات'' الأسبلة· وعرف اصدار من الريال النمساوي باسم ريال فرانسا لنقش صورة فرانسوا الثالث عليه ولعل ذلك كان سببا في تسمي بعض النساء في مصر باسم فرانسا الى وقت قريبا· والحقيقة ان ثقل وزن هذا التالير النمساوي ونقاء فضته قد مكنته من ن يكون العملة الدولية الاولي في القرن الثاني عشر الهجري ''18م'' حتى أن الاميركيين عند بداية عهدهم بسك النقود استعاروا من اسم ''التالير'' الاسم الجديد لعملتهم الوطنية المعروفة باسم الدولار وهو الذي ورث بالمصادفة التاريخية مكانة التالير كعملة دولية لها القدرة على ابراء المعاملات التجارية· أفول الدينار انتهت رحلة الدينار الإسلامي من السيادة في قارات العالم الثلاث لمدة تزيد عن سبعة قرون الى التحلل البطيء متخليا عن مكانته الى دوكات البندقية الذهبية ثم الى عملات أسبانيا الذهبية قبل ان تهيمن عملات الفضة الاسبانية والهولندية والنمساوية على أسواق التجارة الدولية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©