الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وليد إخلاصي: التجريب أسلوب تفكير لمواجهة المسلمات

وليد إخلاصي: التجريب أسلوب تفكير لمواجهة المسلمات
8 أكتوبر 2007 21:52
ثمة سمات خاصة تمنح تجربة الأديب السوري وليد إخلاصي ملامحها الخاصة، يأتي في مقدمتها الانشغال الدائم بالبحث والتجريب والتجديد سواء على صعيد الجنس الأدبي الواحد كالرواية والقصة القصيرة، أو على مستوى الكتابة الأدبية في المسرح والمقالة والشعر· لكن السمة الأهم تتلخص في العلاقة الحية والمتجددة مع المكان، إذ ارتبط اسمه باسم مدينته ''حلب'' وقد حاول تمثل معاني هذه العلاقة ودلالاتها في أكثر من عمل روائي كما في رواية باب الجمر ورواية دار المتعة· عن هذه القضايا والشواغل التي عكستها تجربته الإبداعية في أعماله المختلفة على مدى أكثر من أربعين عاما كان هذا الحوار مع الأديب إخلاصي: التجديد ؟ ظاهرة البحث والتجديد في تجربتك الأدبية تلازم مسيرتك الإبداعية، فهل تعبر عن قلق إبداعي أم تعكس رغبة في مواكبة التجديد في عالم الأدب؟ ؟؟ هناك أمران قد انبثقا عن سؤالك وكأنك تريد أن تقود إجابتي إلى أحدهما أو كلاهما، الأول عن الحاجة إلى التجديد والبحث وهو من صفات الحداثة التي تقودنا إليها طبيعة العصر، والثاني هو محاولة مواكبة الجديد في الأدب وفيه التجلي الأكيد لغريزة الثقافة الإبداعية والأمران يبدوان مؤهلين لسد ثغرة في التساؤل الملح عن التجريب، كما أنهما لا يبتعدان عن نتائج يصل إليها· التجريب ليس مذهبا أو مدرسة أدبية كما هو الحال في الرومنسية أو الواقعية مثلا، بل هو أسلوب تفكير اهتدى إليه العقل الإنساني لمواجهة المسلمات القائمة والواقع المسيطر والثوابت التي يقف البعض منها البعض في وجه الاجتهاد المطالب به العقل أبدا· والتجريب هو امتحان لأسلوب الكاتب في الوصول إلى صيغ تعبر بشكل أفضل عن المعنى وهو تفحص مستمر لما كانت عليه الكتابة من قبل لإفساح المجال أمام الاستمرار فيها أو الانتقال إلى حالات أخرى، وبمعنى ما فإن التجريب هو الوليد المعرفي للأساليب العملية في النظر إلى الظواهر والأفعال والطرائق المتداولة في مسيرة الحياة، ويبدو أن مصطلح التجريب قد استخدم من قبل عدد من الكتاب كرفض مجاني أو تمرد وتململ· إن ثقافتنا المعاصرة تمر في محنة قد تكون امتحانا قاسيا وحاسما فهي تتأرجح بين ما هو أصولي متصلب الشرايين مقاوم للتطور وبين ما هو حداثوي لا يستند معظمه إلى قواعد تفاعل الثقافة من الداخل، فيصبح في كثير من الأحيان فريسة لاستلاب خارجي، إلا أن هذه الثقافة ترغب مع ذلك في البحث عن طرائق مختلفة لإثبات ذاتها بالاجتهاد والانفتاح على وجوه المعرفة المتعددة والتي يشكل العلم واحدا منها، والمنطق العقلاني وجها آخر والمغامرة الروحية وجها ثالثا يتمثل في النزوع إلى الإضافة والتجريب لدى الباحث عما يمكن أن يحقق الطموح الأزلي للنفس ويبدو أنني قد تملكتني الرغبة في اختيار الطرف المؤهل للانتصار· المكان ؟ في أعمالك الروائية الأخيرة هناك تمثل وحضور أساس للمكان (الحلبي) كفضاء وكرمز فإلى أي حد يعبر ذلك عن علاقتك المتجددة مع هذا المكان وما يمثله من قيمة ودلالات كبيرة في حياتك وتجربتك؟ ؟؟ ابتدأ الاتفاق الذي عقدته مع المكان مبكرا وكان حلف الطمأنينة الذي أبْرمت قواعد الدخول فيه نتيجة للعلاقة الوثيقة بين حاجة الطفولة عندي وبين حضن الأسرة التي احتوتني بحنان قد جاء بعلاقة بدئية بالمكان الذي أقف على أرضيته واثقا، ولأدرك الحدود الجغرافية وهي تحدد لي وطنا صغيرا، والتي ابتدأت معالمها تتكشف في مساحة البيت الدافئ ومن ثم لتصل إلى المدرسة التي ارتبطت حرارتها التي شعت بها الجدران القديمة بالمعارف المدهشة ينقلها إلينا المعلمون وهم يقدمون إلينا العلوم والأناشيد الوطنية وحب الوطن الذي يمسك الاستعمار برقبته· وهكذا ابتدأ الإحساس بالمدينة التي تشبه في قدمها المضمخ بعطر التاريخ حضن جدتي وهي تقص لي مئات الحكايات وتوسع حب الجغرافيا في داخلي لتصبح حلب نواة لمعرفة جديدة هي العلاقة الحية والمتنامية بالمكان· وسيقودني هذا الحب إلى تفجر المخيلة في إعادة صياغة (حلب) أكثر من مرة ولتصبح هذه الصياغة وسيلة لتخيل المدينة في كل مرة على أنها (حلبي) التي تخصني أطرافها الإيمان أولا بواقعية الحياة من حولي وثانيا حلمي بما يجب أن تكون عليه الحياة·وثالثا اهتمامي بالكتابة التي يجب أن تعبر عن الواقع والحلم في اللحظة الواحدة، وفي الوقت نفسه وستساعدني هذه العلاقة في أن أسقط أي مكان في العالم على حلب أو أنني أرى في حلب كل الأمكنة المتوقعة والتي سأتوسع في معرفتها مستقبلا· الشخصيات ؟ شخصياتك الروائية وجودها يرتبط بإنتاج الدلالة في العمل فهل تولد تلك الشخصيات مكتملة قبل كتابة العمل أم هي تتمرد على الشكل الذي تحاول تقييدها به ما يسهم في فتح مسارات جدية لتلك الشخصيات؟ ؟؟ كنت قد كتبت من زمن بعيد مسرحية تمرد فيها البطل على الكاتب وهو يبني مسرحية لأنه محروم من محبوبته التي رسمها له وقد قرر أخيرا أن يخرج عن مسار النص ليحتفظ بالمرأة لنفسه· يغضب البطل ويطالب بتغيير مسار الحكاية كلها ويعيد إليه محبوبته، وكأنني في ذلك النص صورت الرغبة الفنية وهي تحاول أن تفسر شخوصها لصالح صانع العمل· وقد علمتني تلك المسرحية أن أتجاوز محنة كهذه وأن أدرب نفسي على المساعدة في إطلاق الحرية الكاملة للشخوص التي تحرك الأحداث في العمل الروائي· وبظني أن خروجي عن تلك القاعدة أحيانا قد تسبب في الإساءة إلى بنية العمل الأدبي· إن الفكرة الأساسية للرواية هي التي تجتذب إلى تحققها النماذج الإنسانية فيها، وإن خروج شخصية ما عن مسار الفكرة أحيانا يأتي في سياق تصحيح تلك الفكرة فكأنها بذلك تؤكد على ديمقراطية الأفكار الفنية· ولاريب في أن الإبداع يجد الوسائل من داخله ليجعل الارتباط بين الفكرة والشخصية يسعى دوما إلى تأكيد حرية النص في التعبير عن نفسه من أجل تحقيق اكتماله إن لم نقل كماله المستحيل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©