شفاء القلوب·· وشقاؤها

أدرك المسلمين جميعاً البلاء العظيم الذي حل في كثير من بلادهم فقتل آلاف الأبرياء في كل مكان، فهم يرون ذلك في التلفاز يومياً ويقرأونه في كل الجرائد، فنرفع أيادينا وندعو لهم ونبكي بحرقة على ما يحل بالأمة الإسلامية·· لكن هناك بلاء خفياً لم يدركه الكثير من المسلمين اليوم، وهو قتل المسلم بـ ''اللسان''·· وهذا هو البلاء الأعظم والأقوى أثراً، فنحن نبصر إعاقات البشر الجسدية ولا نبصر الاعاقات النفسية التي سببناها للآخرين، فكم كلمة خرجت من أفواهنا ودخلت في قلب الآخر كالشوك، وظلت توخزه بين الحين والآخر، وربما ظلت هذه الكلمة في أعماق قلبه طوال الدهر تأكله مثلما يأكل الدود أوراق الشجر· نسمع الشكوى كثيراً بأن فلانا جرحني يوماً ما ولن أغفر له، وفلانا أحرجني أمام الجميع وقلل من قيمتي، وفلانا افترى عليّ أمام زملائي وظلمني، ولو حلّلنا مشاكلنا اليومية وتأملنا أسبابها ومسبباتها لوجدنا ''اللسان'' خلف كل مصيبة، فهذا المسدس الذي يخرج الرصاص من أفواهنا يقتل عشرات الناس في اليوم والليلة ولا نشعر بهم! وكم قلب أُسر بكلمة عاطفية سمعها من إنسان عمداً أو دون تعمد·· وكم قلب امتلأ بالجمر وأحرقته كلمة قاسية من عزيز على النفس؟ تعلم الإنسان أصعب المهارات، من صنع الطائرات والصواريخ واكتشاف الذرة والتعامل مع معادلات الرياضيات والفيزياء، وكل مهارة تنفع المجتمع، إلا أنه لم يتعلم أهم مهارة، وهي فن التعامل مع مشاعر الآخرين· هذه المهارة يحتاجها جميع الناس بمختلف أعمارهم وجنسياتهم ودياناتهم، وعجباً للناس في تصرفاتهم، فهم يصرفون المئات لشراء أحلى الثياب والعطور للاستعداد ليوم مناسبة أو حفلة زفاف قبل أوانها، ليكونوا أجمل الناس على وجه الأرض، فهل لنا أن نجهز كلماتنا ونرتبها قبل أن ننطقها أمام الناس لنكون أطيب أهل الأرض؟! فهل لنا أن نكون سبباً في شفاء القلوب بدلاً من شقائها؟ هل لنا أن نتمهل في كلامنا قبل قطع القلوب بسكين ألسنتنا؟ ولنكن مؤمنين ديناً وخلقاً، ظاهراً وباطناً·· والسلام·· من القلب·