الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوتين... الديمقراطية نصاً دون روح

بوتين... الديمقراطية نصاً دون روح
9 أكتوبر 2007 22:13
بإعلان ''فلاديمير بوتين'' الأسبوع الماضي أنه سيرأس حزب ''روسيا المتحدة'' الموالي للكرملين في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في ديسمبر المقبل، تكون ملامح تشكيلة السلطة الجديدة في روسيا قد بدأت في التبلور، على نحو يعني في نهاية المطاف أن سلطة ''بوتين'' وسياساته الاستغلالية سيستمران، وأن الشعب الروسي لن يهتم كثيرا للأمر· إن الآلية التي خلقها ''بوتين'' من أجل تأمين السلطة المطلقة لنفسه، تتناسى أنها أكبر بكثير مما هو محدد في الدستور، وأن هذه السلطة تخصه هو فقط، وأنه ليس من صلاحياته أن ينقلها لشخص آخر عقب خروجه من منصبه في نهاية فترة ولايته الثانية كما ينص على ذلك الدستور أيضا· هذا هو السبب في أنه من الواجب على ''بوتين'' أن يسيطر على عملية انتقال السلطة لئلا تتطور الأمور في روسيا إلى أوضاع قد تصبح غير قابلة للمعالجة· الرهانات التي واجهها ''بوتين'' خلال فترة حكمه كانت كبيرة، حيث أشرف على عملية كبيرة لإعادة توزيع الملكية، وكان هدفه إلى جانب تحقيق الأمن الاجتماعي من خلال إنجاز تلك العملية هو ضمان الأمن لنفسه هو شخصيا· وبوتين يعتبر الحَكمْ الوحيد بين المجموعات المتنازعة في النخبة الروسية، كما يعتبر في نفس الوقت الضامن الوحيد لعملية إعادة توزيع جديدة يخشى إذا ما أخفقت أن تهدد استقرار روسيا· وحيث أنه يبدو مصمما على الالتزام بالدستور، والتخلي عن منصبه في الموعد المحدد، فإنه يتعين عليه - إضافة لذلك- أن يفكر في طريقه للاحتفاظ بالسلطة، إما من خلال شغل منصب رئيس وزراء، كما ألمح إلى ذلك مؤخرا، أو شغل أي موقع آخر، أو أن يتأكد على الأقل أن أي شخص سيشغل كرسي الرئاسة لن يتعدى على سلطته· في روسيا يعتبر رأس الدولة تقليديا كيانا منفصلا مستقلا يسمو فوق الحكومة، ولا ينظر إليه باعتباره أكبر موظف في الحكومة، كما في الغرب، ولكن كتجسيد للدولة الروسية· وتحت حكم بوتين ارتفعت معدلات معيشة الشعب الروسي ارتفاعا كبيرا، وعادت روسيا بقوة لممارسة دورها على الساحة الدولية، وهو ما جعل معدلات تأييده تصل إلى 80 في المائة، وأن ثلث الشعب الروسي تقريبا يتمنون أن يحكمهم بوتين مدى حياته· ما الذي يدعو الروس في الأساس لتمني رحيله؟ أمن أجل ميثاق صيغ في عهد سلفه ''بوريس يلتسين'' الذي يمقت معظم الروس ذكراه·· أم من أجل سيادة حكم القانون التي لم تعرفها روسيا في تاريخها· إن الكثيرين في النخبة الروسية لم يعودوا يأبهون بالتمسك بالدستور، كما أن العديد من الجماعات السياسية قد ناشدت ''بوتين'' البقاء لفترة رئاسية ثالثة· ولكن بوتين لن يستجيب لتك المناشدة، ولن يفعل ما فعله قادة بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وهو إزالة العوائق الدستورية التي تحول دون بقائهم في سدة السلطة· وعلى الرغم من أن السلطة القضائية قد أخضعت رغما عنها لإرادة السلطة التنفيذية خلال مدة ولايته مرات عديدة، إلا أن ''بوتين'' ظل محافظا بشكل غريب على نص القانون· ربما تكون روسيا اليوم قد تعرضت لعملية نزع الصفة المؤسسية عن السياسات، بحيث يصبح شاغلو المناصب والمؤسسات ذاتها مجرد مخالب يقوم ''بوتين'' بتوظيفها في مخططاته، وربما تكون الفيدرالية قد قوضت فيها، وتقلصت الحريات السياسية والمدنية، بحيث يمكن القول إنه وإن كان الكرملين قد نجح في وضع المخطط الذي سيقوض روح الديمقراطية في النهاية ،إلا أنه لا يزال يتجنب الانتهاك المباشر والفج للقانون، ويلجأ إلى الخطط المعقدة التي تمكنه من تحقيق مبتغاه في النهاية من دون أن يبدو منتهكا لذلك القانون· إن بوتين وبعض معاونيه يتميزون بالمهارة في إضفاء بعض المظاهر الديمقراطية على الحكومة، مع الابتعاد في نفس الوقت عن الأشياء التي تمثل جوهر تلك الديمقراطية مثل المشاركة الشعبية، والفصل بين السلطات، وتداول السلطة والمساءلة· وبوتين يجيد استعمال هذا الديكور كلما تعلق الأمر بالرغبة في الظهور بمظهر ديمقراطي أثناء الاجتماعات التي تعقد مع قادة الدول الغربية الصناعية، وكلما تعلق الأمر بإظهار أنه مختلف عن الرؤساء المستبدين في جمهوريات آسيا الوسطى الذين غيروا الدساتير ليضمنوا لأنفسهم البقاء في كراسيهم مدى الحياة· ربما يظل القادة والنقاد الغربيون غير مقتنعين بما أقوله، ولكن إصرار بوتين على التمسك بنص القانون دون روحه، يحرم الغرب من حجة سهلة كان يستطيع استخدامها للادعاء بأن النظام الروسي غير ديمقراطي، كما أنه وفر لـ''بوتين'' الفرصة للرد على منتقديه الغربيين بالقول: إن ديمقراطيتنا قد لا تكون كاملة ولكن ديمقراطيتكم أيضا كذلك· ليس واضحا ما إذا كان إيمان بوتين بالديمقراطية الغربية ليس سوى نوع من التمويه والتلاعب، ولكـــن الشيء الواضـــح هو أنــــه لا يضيع فرصة من دون أن يقول ذلك· واللافت أن الشعب الروسي -وبشكل متزايد- قد أصبح يشاركه رأيـــه· رئيسة تحرير مجلة برو إيه كونترا التي تصدر عن مركز كارنيجي بموسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©