الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صياغة متداخلة لقلق الفرد ومتاهات العصر

صياغة متداخلة لقلق الفرد ومتاهات العصر
22 ابريل 2009 22:55
لمهرجان الخليج السينمائي الثاني خصوصية عرض عدد كبير من التجارب السينمائية، تجارب الكبار ذوي الخبرة وتجارب الشباب القادمين للتو إلى هذا العالم. وفي هذه الجولة نتناول مجموعة من التجارب السينمائية الشابة التي شاركت ضمن المحاور المتعددة لمهرجان، بعضها جرى عرضه في إطار مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة أو الطويلة، وبعضها الآخر قدم في سياق التجارب التي تنتمي لأفلام الطلبة القصيرة، والثالث ضمن أفلام الطلبة الوثائقية. وفي الملف أيضا عرض لتجربة المخرج الإيراني علي شاه حاتمي (يعيش في رأس الخيمة منذ عامين) في فيلم عرض ضمن مجموعة الأفلام الإماراتية بعنوان «صوت الحياة» الذي يتنقل بين عدد من إمارات الدولة وخصوصا من رأس الخيمة إلى دبي وبالعكس. بحثا عن الذات نور حميد الدين وفيلم «بداية فقط»: فتاة في الرابعة والعشرين، من أصول يمنية حيث أن قبيلتها ممن حكموا اليمن لفترات متقطعة في القرن العشرين بدءا من 1914 وحتى الستينات، ثم انتقل بعض أفراد القبيلة إلى الولايات المتحدة حيث ولدت نور ونشأت حتى العاشرة من عمرها، ولم تعرف من العربية وثقافتها شيئا، فاضطر الأهل للانتقال إلى السعودية، فكانت صدمة الطفلة كبيرة من هذه النقلة بين عالمين متباعدين حد التناقض، وصحيح أنها حققت الهدف المتمثل في تعلم العربية واكتساب ثقافة المكان الجديد وعاداته وتقاليده، لكنها أبدا لم تشعر بأي نوع أو قدر من الاستقرار، ثم كانت النقلة الثانية إلى دولة الإمارات حيث تعيش اليوم وتعمل، ومع ذلك ظل غياب الاستقرار يطاردها، فكان لا بد لها من عمل فني تعبر به عن هذا الاغتراب واللاستقرار المتواصلين، فبعد محاولاتها الدؤوب مع فنون الرسم والنحت والتصوير وجدت نفسها أمام الخيار السينمائي، فكتبت ونفذت فيلمها «بداية فقط» الذي جرى تقديمه ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية للمهرجان. ومثل دولة الإمارات في هذه الفئة. العنوان: «بداية فقط»، أو «مجرد بداية»، لأنه ـ كما تقول نور ـ محاولة أولى للتعرف على الذات المتنقلة بين الأمكنة والثقافات، الذات القلقة وفاقدة الاستقرار بسبب هذا التنقل، فهو يوميات ‏رحلتها في الحياة، في محاولة لاكتشاف هويتها الثقافية، بداية من طفولتها في الولايات المتحدة، وحتى ‏مرحلة شبابها كامرأة مسلمة تعيش في العالم العربي.‏ وعن ذلك تقول لنا نور حميد الدين إنها تنطلق من شعور بغياب الوطن، ولا تعرف أين ستكون غدا. وأن هذا الفيلم مجرد بداية لطرح قضيتها وستتبعه خطوات تتناول مراحل وقضايا أخرى. وعن اضطرارها اللجوء إلى السينما للتعبير عن مقاطع من سيرتها الذاتية، تقول إنها شعرت بأن تقديم هذه السيرة بصوتها مباشرة يمثل نوعا من التقرب من المتلقي والتواصل الحميم معه، وتوضح إنها اضطرت أن تستعمل في فيلمها صورا فوتوغرافية لها من مراحل مختلفة تظهر جوانب من حياتها وتساعد المشاهد على الربط بين هذه المراحل. وفي الحديث عن مدى قدرة مثل هذا الفيلم وتجسيده لسيرة محددة على التعبير عن قلق شرائح أوسع، تقول نور إنها وجدت الوسيلة للتعبير عن هموم إنسانية عامة لا تتوقف عليها وحدها، وهو ما سمعته من كثيرين ممن شاهدوا الفيلم، فشعور الاغتراب والقلق لا يقتصر على حالتها هي، بل يمتد ليطال الكثيرين حتى ممن يعيشون في أوطانهم. وهذا كله لا يتعارض مع كونها منذ البداية أرادت التعبير عن نفسها في صورة أساسية.. وتقول إنها في بداية العمل على الفيلم عادت إلى تاريخ أجدادها حكام اليمن، لكن شعورها بالخوف من الغرق في السياسة جعلها تعمل على البحث عن ذاتها هي بعيدا عن الغرق في التاريخ والسياسة. وحول مدى التقارب بين واقع حياتها وبين المادة الفيلمية تقول نور إن تقديم مسيرة أربعة وعشرين عاما في فيلم من تسع عشرة دقيقة أمر صعب ويفرض قدرا من الدقة في الاختيار، حيث يضطر المخرج لتصوير ساعات طويلة لا يأخذ منها سوى ما يلائم رؤيته في بناء الفيلم فنيا، وحتى النص يمكن أن يقوم بكتابته أكثر من مرة، وهو ما جعلها تكتب نصها عشرين مرة. ولأن نور لم تتخصص في دراسة السينما بل جاءت عليها من عالم الفنون الجميلة (الرسم والنحت والتصوير) كان السؤال حول مدى قدرتها على المواءمة بين موضوعها وما يمكن أن تستخدمه من أدوات وجماليات في تنفيذ رؤيتها فقالت إن خلفيتها الفنية تلك ساعدتها في تجسيد شخصية فنانة تشكيلية تستفيد من كل خبراتها الفنية، وقد كان هاجسها الأساسي هو التعبير عن تجربتها دون طويل نظر إلى تقنيات التصوير مثلا، فهي استطاعت القيام بكتابة النص وإخراجه وبعمليات التصوير والمونتاج حين توفرت لها الأدوات المطلوبة، ولم يبق سوى الموسيقى التصويرية التي قدمها مختصون في الموسيقى. وإلى ذلك فهي تقول إنها كانت تعمل بعفوية ودون مخطط مسبق. ولذلك فهي تعرف أن هناك ثغرات مثل أي عمل فني كان يمكن تجاوزها ويمكن ذلك في أعمال قادمة. وكبداية فقط لها، تقول نور إن مدة الفيلم (19 دقيقة) كانت كافية لتقدم محطات أساسية من حياتها، ولكن هناك الكثير مما تشعر أنها تحتاج إلى أفلام أخرى. خصوصا أن لديها مادة كثيرة مصورة ومقابلات يمكن أن تفيد منها في أعمال قادمة. وإلى ذلك فهي ترى تميز عملها في جرأتها من حيث تناول سيرتها، وتشعر أنه قد يسبب لها الحرج أمام مجتمعها، حيث تقول إنها حاولت النظر من خلال وعي الطفلة في صدمة الانتقال من أميركا للسعودية، وهو وعي بريء وفطري. بحث ميداني عن الشريك المخرجتان الإماراتيتان إلهام شرف وهند الحمادي طالبتان تدرسان الإعلام في كلية دبي، وقد اختارتا معالجة المشكلات التي يواجهها الشباب، ذكورا وإناثا، في بحثهم عن الشريك المثالي في الحياة، حيث الحيرة بين التزام العادات والتقاليد من جانب أو ممارسة الحرية في اختيار الشريك. ففي فيلم «البحث عن الشريك المثالي: ستايل دبي» تتناول المخرجتان موضوعات عدة تتعلق بالقضية الأساسية مع التركيز على دور الأسرة وما تتوقعه من الفتاة والشاب، والسمات التي يبحث عنها كل من الشريكين في الآخر. الفيلم الذي يقع في عشرين (20) دقيقة تناول موضوعه عبر بحث ميداني وشخوص واقعية تحدث كل منهم عن رأيه ورؤيته للقضية المطروحة، وعن فكرة الفيلم تقول هند الحمادي إنها انبثقت أثناء مهرجان دبي السينمائي، وبدأ التفكير في ظاهرة آخذة في الانتشار هي ظاهرة «اصطياد الزوج»، لذا بدأت عملية مقابلة الشباب والشباب، من الطلاب والمجتمع عموما. وتوضح زميلتها إلهام أن الفيلم يعرض وجهة نظر الذكور والإناث في قضية اختيار الشريك، مشيرة إلى خطورة إجبار الفتاة على الزواج، وكذلك خطورة ما يسمى «الزواج المدبر» من قبل الأهل والمعارف، رغم الخلفيات المختلفة بين طرفي الزواج، والمشاكل التي تنجم بعد الزواج، وهو ما يفسر النسبة المرتفعة للطلاق في المجتمع. وقد وضعت المخرجتان قبل التصوير المباشر والميداني مجموعة من الأسئلة جرى طرحها على العينات التي بلغت عشرين حالة ما بين شاب وفتاة وغيرهم من المتزوجين، حيث تبين أن هناك من يضع سنا مفترضا للزواج، والغالبية تعتمد سن الرابعة والعشرين للشاب والثالثة والعشرين للفتاة، بينما يركز آخرون على عامل نضج الشخصية دون عامل السن، إضافة إلى فئة ترفض الزواج رفضا تاما، أو ضد الزواج من الأجنبي والأجنبية من قبل الأهل خصوصا، بصرف النظر عن حرية الفتاة في الاختيار. ويبحث الفيلم كذلك في عوامل نجاح الزواج وعوامل فشله، ومنها التعليم والفوارق الثقافية وطبيعة العمل ونجاح كل من الزوجين. الفيلم جرى تصويره بكاميرا MDV ضمن مشروع لتخرج المخرجتين، وقد توفرت له إمكانيات التصوير الطبيعي والإضاءة الفنية والتصميم والإنتاج والمونتاج عن طريق إمكانيات الكلية التي تدرسان فيها. وقد تضافرت في صناعة الفيلم رؤيتان متقاربتان داخلتان في جدل ومناقشات استطاعت المخرجتان من خلالها التوصل لرؤية مشتركة للموضوع المعالج بجرأة انتقدها كثيرون. علاقة الدين والحياة الفيلم الإماراتي «صوت الحياة» بتوقيع المخرج الإيراني علي شاه حاتمي يطرح العلاقة بين الدين والحياة من خلال عرض أزمة يعيشها بطل الفيلم (المؤذن) الذي يجد نفسه بين الرغبة في حضور فيلم «هاري بوتر» المفضل لديه وبين القدرة على العودة لأداء الأذان. فالمؤذن (عبد الله) يرغب في حضور الفيلم لكنه يكتشف أن فيلمه لم يعد معروضا في رأس الخيمة حيث يعيش ويعمل، وأن عليه لحضور الفيلم الذهاب إلى دبي، لكنه يخشى أن يفوته وقت الأذان، وأن الزمن يطارده. المخرج الذي كتب النص وقام بالإنتاج أراد القول إنه لا تعارض بين عمل المؤذن وبين علاقته بالسينما، وإن الإسلام، كما قال في لقائنا معه، لا يتعارض مع الحياة الحديثة وما تقدمه من متعة بريئة، ويمكن للإنسان أن يكون مسلما جيدا وأن يتصل بالعالم ويحصل على الثقافة بوسائل مختلفة ما دامت ليست محرمة، فالسينما أداة تثقيف تقدم التجارب والخبرات للبشر، وتفجر الطاقات والمواهب إذا أمكن استغلالها بشكل جيد وإيجابي كما يقول حاتمي. وسواء كانت القصة التي تناولها حاتمي واقعية أو متخيلة أو تنطوي على مزج بين الواقع والتخييل، فإنها على الأقل قصة ممكنة الحدوث سواء كان الشاب عبد الله مؤذنا أم غير ذلك، فالعبرة هي في السؤال الذي تطرحه حول العلاقة بين شؤون الدين ومسائل الدنيا. وكذلك فهي تتعلق بتغير الحياة وتطورها، حيث لم يعد المسجد وحده هو ما يجمع الناس، ما يعيد التذكير بالماضي ويذهب باتجاه المستقبل والتحولات الإيجابية والسلبية في الحياة المعاصرة بحسب المخرج حاتمي أيضا. وتحدث حاتمي الذي سبق وأن أخرج في إيران عددا من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة عن ظروف صناعة فيلمه هذا فقال إنه منذ جاء للعيش في رأس الخيمة أخذ يرصد المكان ويتجول فيه ويتعرف ويقيم العلاقات مع الناس لمعرفة طبيعة الحياة، معجبا بالطبيعة من بحر وخضرة وبيوت قديمة تتيح كلها الكثير من التأمل والتفكير، ولهذا وجد نفسه يفكر في مشكلات الناس هنا، واستوحى فكرته للفيلم، وتعاون مع عدد كبير من المواطنين ليمثلوا أدوار الفيلم دون أن يكونوا مارسوا التمثيل من قبل، باستثناء الممثلين عبد الله البلوشي وأشجان. ويؤكد حاتمي أنه قام بإنجاز فيلمه هذا بإمكانياته الخاصة مع صديق له دون أن يتلقى أي دعم من أي جهة كانت، وأنه حاول العمل ضمن ظروف وإمكانيات بسيطة، وفي خمس وسبعين دقيقة هي مدة الفيلم حاول التعبير عن قدرة الحب على الجمع بين البشر ومساعدتهم على التطور وتقديم الأمل لهم، وهذا هو مفهوم الحياة الحقيقي في عمله كله. وتمنى أن يجد التعاون والتواصل الكافي من قبل المؤسسات الثقافية في الإمارات ليستطيع تقديم المزيد، حيث هناك الكثير من القضايا التي تستحق المعالجة السينمائية. فأهم ما تحتاج إليه السينما هو التمويل. وعن رؤيته لما ينبغي على السينما الالتزام به بين الموضوع والعناصر الفنية يقول حاتمي إنه من جهته يؤمن بتقديم هموم الإنسان وقضاياه في كل مكان، محاولا الابتعاد عن تناول الصراعات السياسية اليومية بالطريقة المباشرة، ويفضل معالجة القضايا الجوهرية للإنسان، وهو يهتم كثيرا بهموم الطفل في العالم، حيث قدم أفلاما لقيت إقبالا كبيرا من أطفال العالم في مهرجانات عالمية للسينما، كما يهتم بتناول الكوارث الإنسانية الطبيعية وقضية السلام، معتبرا ذلك دعوة منه للسلام ومنح الأمل للبشر. وتطرق الحديث مع حاتمي أخيرا إلى السينما الإيرانية وتجاربها المختلفة، والمساهمات المهمة التي قدمها المخرجون الإيرانيون وحصدوا الجوائز في المهرجانات، مثل مخملباوف ومجيدي، فتحدث حاتمي عن الحرية بوصفها واحدا من عوامل نجاح هذه السينما وتطورها، وكذلك اهتمام السينما بقضايا الطفل التي استقبلتها المهرجانات باهتمام كبير جدا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©