السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لو كان قولاً واحداً لعاش الناس في ضيق

لو كان قولاً واحداً لعاش الناس في ضيق
9 أكتوبر 2007 23:32
الدعوة إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية لا تعني الدعوة إلى إلغاء المذاهب أو دمج بعضها في بعض أو تغليب مذهب على آخر، فهذا ما لا سبيل إليه، ولا جدوى منه، فليس لأحد أن يحجر على عقول دعاها الله إلى النظر، أو يقصر البشر على إحدى طرائق الفهم أو وسائل النظر· وحول هذه القضية يؤكد د· جمال الحسيني أبو فرحة -أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة طيبة بالمدينة- أنه لا ضرر على المسلمين من أن يختلفوا، فالاختلاف سنة من سنن الاجتماع، وثمرة للاجتهاد، وعامل من عوامل الازدهار، ومظهر من مظاهر السعة واليسر في شريعة الله الخاتمة، وفي ذلك يقول الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز: ''ما أحب أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون، لأنه لو كان قولاً واحدًا لعاش الناس في ضيق''· ولكن الضرر في أن يفضي الخلاف إلى أن يعتقد أتباع كل مذهب أن الحقيقة حكر عليهم فقط، وأنهم وحدهم المتمسكون بالأصول الشرعية، وغيرهم إما جاهل وإما منافق، وبذلك تنهار أواصر التقارب بين المذاهب ويصدق كل فريق ما يشاع عن الآخر من أراجيف وترهات فتتسع هوة الخلاف والشك والعداء بين أتباع كل مذهب· إن وقتًا قد مضى، وآثاره لما تنته بعد، بلغ فيه التعصب أن كان المسلمون يصلون أربع جماعات مختلفة في المسجد الواحد، وما زالت المحاريب الأربعة في بعض المساجد الباقية من تلك العصور تشهد على تلك الحقبة النكراء في تاريخنا· وهذا التعصب نرفضه قديما وحديثا· الحوار وأوضح أبوفرحة أن التقريب الذي نعنيه وندعو إليه يعني الحوار المتواصل، والتعاون الوثيق، والاحترام المتبادل الذي يعبر عن الأخوة الإسلامية والوحدة الحقيقية بين أبناء الدين الواحد· وأضاف أن كثيرًا من مظاهر التعصب والعداء بين أتباع المذاهب الفقهية المختلفة مرده فى وجهه نظري إلى أن أتباع كل مذهب جهلوا ما لدى الآخرين وحصروا أنفسهم في دائرة المؤلفات المذهبية الخاصة بهم، وكانت النتيجة الحتمية لهذا الانكماش هي القناعة بأن ما لدى أرباب كل مذهب من آراء هي الدين الذي لا يجوز لأحد أن يفرط فيه أو يخالفه، ''ومن قل علمه كثر إنكاره''، ومن ثمة فمخالفه إما جاهل وإما منافق يعلم الحق ويعدل عنه لدنيا يصيبها ''ولو سكت من لا يعلم لسقط جل الخلاف''· وقد تنبه لهذا الخطر قديمًا كثير من الفقهاء وحذروا منه، ومنهم الشاطبي في كتابه ''الموافقات'' حيث قال: ''إن تعويد الطالب على ألا يطلع إلا على مذهب واحد يكسبه نفورًا وإنكارًا لكل مذهب غير مذهبه ما دام لم يطلع على أدلته، فيورثه ذلك حزازة في الاعتقاد في فضل أئمة أجمع الناس على فضلهم وتقدمهم في الدين، وخبرتهم بمقاصد الشارع وفهم أغراضه''، وقال غيره: ''من لم يعرف اختلاف العلماء فليس بعالم''· الرأي والحديث وعن أسباب الخلاف الفقهي وغياب المعنى الحقيقى للتقريب بين المذاهب قال د· أبوفرحة انها كثيرة منها: اختلاف طبيعة الفقيه ونمط تفكيره، فمن الفقهاء من يرجح الوقوف على ظاهر النص، ومنهم من لا يكتفي بذلك حتى يسبر غوره، ويتلمس معرفة الغاية منه· وكل من الاتجاهين كان موجودًا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخذ ينمو ويزدهر حتى وجدنا في الفقه الإسلامي مدرستين أساسيتين، سميت إحداهما مدرسة الرأي، والأخرى مدرسة الحديث، ولا تزال هذه الظاهرة موجودة حتى الآن· وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم وجود هذه الظاهرة في كثير من المواقف، كيوم بني قريظة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن أرسلهم من الصحابة إليهم ما معناه: ''لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة''· ولما أدرك الصحابة وقت العصر في الطريق قال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها· وقال بعضهم: بل نصلي ولن يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدة من الطائفتين وأقرهما معًا· ومن هنا لم ينزعج الصحابة -رضي الله عنهم- من اختلافهم· وأوضح ان بعض هذا الخلاف كان يرجع إلى اختلافهم في العلم بالسنة، فلم تكن السنة قد دونت بعد، كما أنه ليس بوسع أحد استيعابها حفظًا، فكان أحدهم يجتهد إن لم يعلم من السنة شيئا فيما يعرض له من قضايا، فإن علم شيئا من السنة بعد ذلك يخالف رأيا أفتى به·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©