الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تتبع الأثر

تتبع الأثر
9 أكتوبر 2007 23:36
كان ببغداد رجل يطلب التلصص في حداثته، ثم تاب فصار بزازاً قال: فانصرف ليلة من دكانه وقد غلقه فجاء لص محتال متزي بزي صاحب الدكان في كمه شمعة صغيرة ومفاتيح، فصاح بالحارس فأعطاه الشمعة في الظلمة، وقال: أشعلها وجئني بها، فإن لي الليلة بدكاني شغلاً، فمضى الحارس يشعل الشمعة وركب اللص على الأقفال ففتحها ودخل الدكان وجاء الحارس بالشمعة، فأخذها من يده فجعلها بين يديه، وفتح سفط الحساب وأخرج ما فيه، وجعل ينظر الدفاتر ويرى بيده انه بحسب الحارس يتردد ويطالعه، ولا يشك في انه صاحب الدكان الى ان قارب السحر فاستدعى اللص الحارس وكلمه من بعيد وقال: اطلب لي حمالاً، فجاء بحمال فحمل عليه أربع رزم مثمنة، وقفل الدكان وانصرف ومعه الحمال وأعطى الحارس درهمين، فلما أصبح الناس جاء صاحب الدكان ليفتح دكانه، فقام اليه الحارس يدعو له ويقول: فعل الله بك وصنع كما أعطيتني البارحة الدرهمين، فأنكر الرجل ما سمعه وفتح دكانه فوجد سيلان الشمعة وحسابه مطروحاً وفقد الأربع رزم، فاستدعى الحارس وقال له: من حمل الرزم من دكاني قال: أما استدعيت مني حمالاً فجئتك به؟ قال: بلى ولكن كنت ناعساً وأريد الحمال فجئني به، فمضى الحارس فجاء بالحمال وأغلق الرجل الدكان وأخذ الحمال معه ومضى، فقال له: إلى أين حملت الرزم معي البارحة، قال إلى المشرعة الفلانية واستدعيت لك فلانا الملاح، فركبت معه، فقصد الرجل المشرعة وسأل عن الملاح فحضر وركب معه وقال أين رقيت أخي الذي كان معه الرزم الأربع، قال: إلى المشرعة الفلانية· قال: اطرحني إليها فطرحه، قال: من حملها معه؟ قال: فلان الحمال، فدعا به فقال له: امش بين يدي، فمشى، فأعطاه شيئاً واستدله برفق الى الموضع الذي حمل اليه الرزم، فجاء به الى باب غرفة في موضع بعيد من الشط قريب من الصحراء فوجد الباب مقفلاً، فاستوقف الحمال وكسر القفل ودخل ودعا بالحمال فحملها عليه وقصد المشرعة فحين خرج من الغرفة استقبله اللص فرآه وما معه فأبلس فاتبعه الى الشط فجاء الى المشرعة ودعا الملاح ليعبر، فطلب الحمال من يحط عنه، فجاء اللص فحط الكساء كأنه مجتاز متطوع فأدخل الرزم الى السفينة مع صاحبها وجعل البركان على كتفه وقال له: يا أخي، استودعك الله قد ارتجعت رزمك، فدع كسائي فضحك، وقال: انزل فلا خوف عليك فنزل معه واستتابه ووهب له شيئاً وصرفه ولم يسئ اليه· قرى الضيف قال الأصمعي: أبخل أهل خراسان أهل طوس، وكانت قرية من قراها قد اشتهر أهلها بالبخل، وكانوا لا يقرون ضيفاً، فبلغ ذلك والياً من ولاتهم، ففرض عليهم قرى الضيف، وأمرهم أن يضرب كل رجل منهم وتداً في المسجد الذي يصلي فيه، وقال: إذا نزل ضيف فعلى أي وتد علق سوطاً أو ثوبا فقراه على صاحب الوتد، وكان فيهم رجل مفرط البخل، فعمد إلى عود صلب، فملسه وحدده، وصيره في زاوية المسجد، ووتده منصوب ليزيل عنه ما علق عليه، فدخل المسجد ضيف، فقال في نفسه: ينبغي أن يكون هذا الوتد لأبخل القوم، وإنما فعل هذا هربا من الضيافة، فعمد إلى عمامته، فعقدها على ذلك الوتد عقداً شديداً، فثبتت، وصاحب الوتد ينظر اليه قد اسقط في يديه، فجاء إلى امرأته مغتماً، فقالت: ما شأنك؟ فقال: البلاء الذي كنا نحيد عنه، قد جاء الضيف، ففعل كذا وكذا، فقالت: ليس لنا حيلة إلا الصبر، والاستعانة بالله عليه، وجعلت تعزيه· واجتمع بناته وجيرانه متحزنين لما حل به، وكان أمر الضيف عندهم عظيماً، فعمد إلى شاة، فذبحها، وإلى دجاجة فاشتواها، وإلى جفنة فملأها ثريداً ولحماً، فجعلت امرأته وبناته وجاراته يتطلعن من فروج الأبواب والسطوح إلى الضيف وأكله، وجعلوا يتبادرون: قد جاء الضيف، ويلكم! قد جاء الضيف· فتناول الضيف عرقا من ذلك اللحم ورغيفاً فأكله ومسح يده، وحمد الله عز وجل، وقال: ارفعوا، بارك الله عليكم· فقال صاحب البيت: كل يا عبدالله، واستوف عشاءك، فقد تكلفنا لك· قال: قد اكتفيت· فقال: هكذا أكل الضيف مثل أكل الناس لا غير؟ قال: نعم· قال: ما ظننت إلا أنك تأكل جميع ما عملناه وتدعو بغيره· فكان ذلك الرجل بعد ذلك لا يمر به ضيف إلا قرأه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©