الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خالد البدور: التيه مهم ولكن لا بد من محطة توقف

خالد البدور: التيه مهم ولكن لا بد من محطة توقف
22 ابريل 2009 22:58
شاعر يتأنى في القول، ويقلب الفكرة والصورة معاً، فيختار اليهما الألفاظ التي تتعالق لتشكل الدهشة، شاعر نال منذ ديوانه الأول «ليل» جائزة يوسف الخال للإبداع الشعري عام 1992 في خضم جوائز الشعر المهمة، والشعر لديه هاجس، عالم من الخلق والتكامل يبحث عن الكلمات المتأنقة ليدخلها في نسيج من التراكيب غير المألوفة. يفهم الشعر ودوره الابداعي ويرى فيه فورة النفس والذات المبتهجة والباكية. خالد البدور الشاعر الذي يعرف كيف يطرح أفكاره كي لا نقول يفلسفها في الشعر ولذا تراه يعرف مزايا القصيدة التي يكتبها وما ترمز إليه. الحديث معه حول الشعر وأهميته والشعر وتقبله، والشعر واللمحة والضربة الشعرية، والصورة ومركباتها واللحظة المفقودة المتحفزة في خلق القصيدة، يقودنا حقاً إلى الإمتاع ونحن نحاور شاعراً وضع بوعي بصمته على خارطة الابداع الشعري. في البدء لنقل كيف تنظر إلى تجربتك الشعرية؟ أخشى ألا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال فالعمل النقدي الذي ينشغل به الكاتب، يسبق النص، القصيدة المنجزة بالنسبة لصاحبها تكون قد انتهت ويكون الانشغال بنص جديد أشبه بالمحترف السري الذي حتى هو «الشاعر» لا يستطيع أن يعبر عنها قولاً للآخر وكالآخرين أقوم بفحص النص طويلاً قبل أن أضع نقطة النهاية وحين يخرج للقارئ تبدأ حياة النص الثانية في الواقع بين يدي القراء، وهذه المرحلة أجهل ما يحدث فيها لأنها ملك للآخرين. حدود التجربة أنا لا أتحدث عن علاقة المنتج والرسالة والمتلقي بل عن حدود التجربة، ما هي في تصورك الإضاءات التي رضيت عنها وربما العتمات التي راجعتها تقييماً فيما بعد؟ السفر في جغرافية الكتابة رحلة في المجهول والمحطات التي قد تبدو مضيئة حين نقترب منها، يمكن أن تتحول إلى ظلام وكذلك الهاويات التي قد تبدو مرعبة، حين نتمكن من الوصول والاقتراب منها قد تبدو لنا أفقاً جميلاً ينادينا إليه، وبمجرد الخروج من مرحلة أو من قصيدة إلى أخرى تدخل هذه المغامرة من جديد، هو سفر متواصل، لا نهاية للكتابة فيه إلا بالموت، وحينما ننظر إلى الخلف لعلنا نقول: لو لم نمر بهذه الأرض أو تلك البحيرة أو ذاك الجبل لكان أفضل، إلا أن «لو» لا تسعفنا هنا، كون أن ما حدث قبل يوم أو قبل نص أو قبل كتاب، قبل أن يكتب أو ينهى هو الآن ملك للأمس أو الماضي، ويبقى البصيص الذي يحمل الأمل في ارتياد أراضي نص جديد هو الذي يجعلنا نكتب نصاً جديداً ولا توجد خطط أو توقعات فمن الصعب التنبؤ، والذي نستطيع أن نفعله هنا، هو الحذر من الوقوع في فخاخ المباشرة والركاكة اللغوية واستعادة نصوص الآخرين في النص الجديد. وكيف تفحص قصيدتك، هل ترى الدهشة في المعنى الجديد أم في تركيب القصيدة أم فيهما معاً؟ في الكتابة، البوصلة هي قول الشيء نفسه في لغة جديدة، نحن نكتب نصاً واحداً طول حياتنا، ولكن في ظروف وأوقات وأمكنة متغيرة، أشك فيما يسمى بـ «المعنى الجديد»، فلا يوجد معنى جديد، بمعنى أن لحظة الكتابة كفيلة بأن تهبنا موجات وراء اخرى من الايحاء بمعان ورموز أخرى مختلفة ومتنوعة، هنا نتحدث عن تركيب القصيدة، فبنية النص تتشكل على مراحل ـ بالنسبة لي ـ حيث النص يكتب أكثر من مرة وببدايات ونهايات مختلفة، وتبقى الفكرة الأولى موجودة، لكن يتم التعديل بعد ذلك عليها. ولكن عندما التقيت بشعراء وجدت أنهم كتبوا نصوصاً لمرة واحدة ولم يعدلوا عليها؟ نعم هناك عمل (اشتغال) حدث قبل النشر، عمل يعني التصفية أو التنقية بدون الدخول بالاستبدال العام أو التغيير الكبير، أعتقد أن الابداع ربعه موهبة وثلاثة أرباعه عمل على الخبرة في الكتابة، أي أن الكاتب نفسه لا تكفيه لحظة الكتابة الأولى فالكثير من النصوص تتطلب التوقف طويلاً أمامها، لأنه يمكن أن يكون بداخلها آفاق لم تكتشف، ولذا نجد ان القصيدة قد تبدو صغيرة ولكنها كون كبير يحتمل الاكتشاف، على ألا تضيع منا البوصلة التي هي الفكرة الأولى التي ولد بها النص. أرى أن البدور يستخدم لفظة «البوصلة» باستمرار وهذا ما وجدته في «ليل» ديوانك الأول حين استخدمت «الاسطرلاب» هل يظل البحث هاجس الشاعر عن عالم مفقود ربما؟ كل عمل إبداعي هو بحث عن عالم مفقود بشكل أو بآخر، ونحن نحلم في الكتابة، وحلم اليقظة هذا هو دون شك تحليق عن عالم الواقع نحو أرض مفتقدة غير متحققة لدينا، الحنين مهم في الشعر، أكان إلى طفولة ما أو الى لحظة سعادة قادمة، التيه مهم للكاتب حين يبحث عن نصوص جديدة يكتبها، لكن الإيمان الداخلي بالحصول على محطة للتوقف والتقاط نص جديد منها لابد منه، فالتهويم في فضاء النص وحشد الرموز والصور بمجانية يقضي على القصيدة. أعود لأقول هل يندهش الشاعر من بحثه هذا لحظة اكتمال النص؟ بعد إنجاز النص لا أشعر دائماً بالدهشة وهذا يخالف ما ذهبت إليه، أحب شخصياً الذهاب إلى أمكنة مختلفة ومراقبة الأشياء، لأبصر كيفية تحول الأشياء، أي أنني أبحث في المدهش فيها وماذا يمكن أن توحي به في نص قادم، يعني أن التأمل المسبق ورصد الاحساس الداخلي بما ينعكس عليه ما يأتي من الخارج يعد ضروريا فإذا ولد من تلك اللحظات نص فهذا شيء رائع وإذا لم يحدث فإنني أستمتع بتلك اللحظة، أي أن المتعة تكفيني هنا. لعبة التكرار ما الذي يؤرقك في القصيدة التي تكتبها؟ أولاً لا أستطيع أن أرضى عن النص بسهولة، وأن أطلق عليها شخصياً قصيدة، فهو أمر يحتاج إلى التفكير وليس سهلاً وثانياً ألا تكون مكررة في نصوص سابقة وإن كان هذا موجوداً في نصوصي ولكني أحاول ألا أكون داخلاً «في لعبة التكرار». ولكنك في الآن نفسه تصر على أن الكتابة تظل نسيجاً متغيراً لمعان ثابتة وهذا صحيح وهو ينطبق على مجمل عوالم الشعراء؟ إذاً كيف تفسر الفراغات في قصيدتك ومنها فراغ «العنوانات» هل هو فراغ في عالم الواقع أم النص؟ لعلك تشير إلى بعض النصوص في «ليل» وهذا قصد به الايحاء بأمر ما في النص، أردت ان يملأه القارئ سواء أكان من القراء العاديين أو الفاحص الناقد، كل سوف يكون له تلق خاص، لذا حاولت بقدر ما أستطيع ألا أضع شيئاً ليس له دلالة وهذا برأيي واحد من المشكلات التي واجهتها قصيدة النثر، التخلص من الوزن والقافية، بدا للبعض كما لو أنه ضرب في الفوضى ولذا اجد أن مفهومنا للحرية في الكتابة يجب ألا يسقطنا في المجانية. ماذا تقصد بالمجانية هل هي بذات المعنى بتعبير سوزان برنارد كونه جزءاً من سمات قصيدة النثر؟ كلا بالطبع، بالرغم من انني أحترم هذا الرأي الصادر من ناقدة عالمية مهمة ولكني أعني بالمجانية شيئاً آخر وهو مثلاً أننا نستخدم صوراً شعرية ومقاطع متصلة لا يستطيع الشاعر ولا الناقد تبرير وجودها وما الذي تقوم بخدمته داخل النص وحين تسأل نفسك كقارئ لماذا هذه الإضافات المجانية موجودة فإنك لا تستطيع أن تجد لها تسويغاً، وهذه الظاهرة في الشعر العربي الآن وأقصد بها «قصيدة النثر» لم أجدها بإطلاعي المتواضع على اللغات الأخرى في الشعر الأجنبي. كيف؟ أولاً إن التكريس لدى بعض شعرائنا مستقى من وسائل الإعلام والحضور في المهرجانات، وامكانية طباعة كتب كثيرة عنهم ولهم، وثانياً لا تجد في كثير من نصوصهم إلا التماعات قليلة في قصائد متفرقة، والكم الكبير كثغاء السيل، هنا أقرأ بوضوح مفهوم المجانية. التكثيف في القصيدة لماذا تلجأ غالباً إلى التكثيف في القصيدة؟ أعتبر التكثيف أحد أهم عناصر الشعر ولو عدنا إلى موضوع المجانية الذي تحدثت به برنارد فسوف نجد الاحتمالات اللامتناهية والأجنحة التي وهبتها قصيدة النثر للشاعر لكي يحلق ويصطاد ما يحلو له من رؤى، على الا يفقد الاتجاه الذي يقوده إلى استكناه الغرض من القصيدة، غير أن التكثيف ذو حدين، حد يوقعنا في الفراغ اللفظي لأنه لا يوجد له معادل يحمله في جانب آخر من النص أي يضيئه، وحد يجعل النص ناقصاً، بما يعني، إذا استطاع الشاعر أن يحافظ على التكثيف دون أن يقع أسير هذين الحدين فإنه استطاع أن ينتج قصيدة مؤثرة. من سمات شعرك بحسب قراءتي انك تحاول جاهداً تغييب المعنى إلى أقصى البنية العميقة في قصيدتك.. هل ترى أن ثمة مطابقة بين الذات والقصيدة؟ الذات كون شاسع، والقصيدة كون صغير، وأجد أن المطابقة بينهما تبدو صعبة، بل مستحيلة، أما من حيث تغييب المعنى في أقصى البنية العميقة في قصيدتي، فأجده ضرورياً كي أفتح للقارئ نافذة يطل منها على ما ينعكس في ذاته منها، وهذا يعود بنا إلى موضوعة الذات والقصيدة إلا أني أعترض على كلمة «تغييب» واستبدلها بـ «ظلال». ولكن ما هو مفهوم تلك الظلال أليس تغييب الما وراء؟ الظل هو صورة لشيء موجود، أما التغييب فيقارب التلاشي، ولنتحدث هنا تحديداً عما جاءت به قصيدة النثر، طبعاً كان هذا موجوداً دوماً في الشعر، منذ بدء الاحساس به، ولكن في قصيدة وبجود التقنيات الكتابية التي طرأت عليها م الحذف، والبياض، والتكثيف تأسس مفهوم الإشارة. بالاضافة الى ذلك تعمد إلى العنوانات الإفرادية في قصائدك ولدينا شواهد على ذلك، أيمكن تصور الأمر كونه ذاتياً في رؤية أحادية لعالم القصيدة؟ الأمر أبسط من ذلك، فلعنوان كل قصيدة أسبابه التي تعود إلى ذات النص ولحظة ولادته، أما الرؤية الأحادية فلا أجد هذا تفسيرآً دقيقآً لنصوصي عبر عنواناتها، أريد أن أقول أن هذه محاولة لتجريد المعاني من زوائدها والذهاب إلى جوهر النص ولعلي لا أنجح في ذلك من وجهة نظر القارئ أنما في لحظة النص فهي تبدو لي أنني مكتف بها. قصيدة النثر قد لا تجد تفسيراً دقيقاً لما قلنا ولكن هذا موجود بشكل واقعي في أغلب عنواناتك؟ هذا رأيك الذي أحترمه وليس لديّ إضافة في هذا السياق. كيف تنظر إلى حركة قصيدة النثر في الإمارات، هل ثمة انحسارات لها أم أنها في طور التكوين، أم ثمة رؤى جديدة تحاول الوصول لها؟ اعتبرها تجربة لحركة مبكرة، لم تكتمل بعد كغيرها من دول الخليج ولو تكلمنا عن التجربة العربية التي ابتدأت مبكراً في قصيدة التفعيلة ثم قصيدة النثر، لوجدنا ان هذا أمر مرتبط بالظروف التاريخية للمنطقة بعيداً عما هو إبداعي ولد متأخراً زمنياً، أما الآن فإننا نجد أن التجربة متشابهة في عالمنا العربي، فجيلنا الحالي من الشباب الذين يكتبون قصيدة النثر لديهم من التجاب مالا يختلف عن شعراء عرب في مناطق متفرقة من عالمنا العربي، ربما أجد أن من أصدر كتاباً واحداً في الشعر وتوقف ضمن حركة «قصيدة النثر الإماراتية» منذ عشر سنوات قد اختار شيئاً آخر أقله «الصمت». لم أصل معك إلى تقييم مقارن ما بين فترة التسعينات الحافلة بنتاجات قصيدة النثر وانحسار هذه الحركة الآن؟ لا تعليق لديّ سوى أن أقول إن الكثيرين أصبحوا يترددون في النشر بالصحف والمجلات كما أنهم يخشون إصدار دواوين لأسباب أعرفها وأخرى لا أعرفها. بعيداً عن الشعر هل حققت إنجازاً في فضاء كتابة السيناريو يوازي انجازك الشعري أم أنك ترى أن الشعر هو نهاية الإبداع؟ هناك فرق بين الشعر والكتابة للسينما، الشعر انتاج فردي يصل إلى القارئ، أما السيناريو فقبل كتابته هناك ظروف يجب الأخذ بها مثل تكلفة الفيلم والتفكير بطاقم الانتاج من ممثلين ومواقع، وبعد انجاز السيناريو فعلينا أن ننتظر مخرجاً وإدارة انتاج وغيرها. ولكن يبقى الشعر هو الأقرب إلى نفسي ولديّ بعض السيناريوهات القصيرة ولكنها لم تنتج أنها تبحث عن مخرج. الشاعر والسينمائي والناشط الثقافي خالد البدور، شاعر وكاتب وسيناريست من مواليد دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1961. أصدر ثلاث مجموعات شعرية: ليل، دار نجيب الريس للنشر ـ بيروت 1992 حبر وغزل، منشورات المجمع الثقافي ـ أبوظبي 1999 شتاء، منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ـ 2002 حاز جائزة يوسف الخال للشعر بلبنان 1992، جائزة السيناريو في مهرجان التلفزيون المحلي بدبي 1992، وجائزة راشد للتفوق العلمي 1998. وله من الأعمال السينمائية والتلفزيونية: سينما (حلقات تلفزيونية 1989)، وصدى الأيام (حلقات وثائقية عن الموسيقى والرقصات التقليدية لدولة الإمارات 1991)، وعمان تاريخ وأسرار (وثائقي تلفزيوني 1995)، وما بين ضفتين (فيلم وثائقي 1999)، والمريد (فيلم وثائقي 2008) شارك في العديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية في الإمارات والدول العربية، وهو عضو سابق في مجلس إدارة مجلس دبي الثقافي، وعضو مؤسس في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وعضو سابق في هيئة تحرير مجلة (كواليس) - جمعية المسرحيين، وكاتب وباحث في مجال التراث الأدبي والموسيقي والرقصات التقليدية لدولة الإمارات، وعضو مشارك في تأسيس وإدارة فرقة المسرح الحر بجامعة الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©