الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لو كان المتكلم مجنوناً..

لو كان المتكلم مجنوناً..
14 مارس 2010 20:34
يتساءل الناس دوماً كلما سمعوا قصة لا تصدق قالها فلان أو علان: «ولماذا يكذب؟.. لا مصلحة له في الكذب».. وهذا افتراض ينم عن فهم ساذج للطبائع البشرية، المرء قد يكذب من أجل المال أو لمنفعة أكيدة وقد يكذب ليتقي شراً أو عقاباً.. كل الناس يتوقعون أن يكذب اللص، بل تندهش جداً لو لم يفعل وتعتبره لصاً على شيء من التقصير في عمله. لكن هناك سبب مهم آخر للكذب ينساه الناس أو لا يصدقونه، وهو الحاجة إلى جذب الاهتمام أو الظهور بمظهر العارف ببواطن الأمور. هذا مبرر كاف في رأيي. كنت أحضر تلك الدورة من دورات التنمية البشرية، ذلك النشاط الذي يجب أن تقوم به حتى لا يفصلوك من العمل ويجوع أطفالك، وبالتالي تتوقف تنميتهم هم. كان المحاضر يحكي لنا عن الغربيين وكم بلغوا من درجات التقدم.. هذا كلام على عيني وعلى رأسي وأصدقه تماماً.. لكن الرجل سوف يفسد كل شيء حالاً.. ثم أنه تنحنح ونزع نظارته وقال لنا: ـ»سأحكي لكم قصة غريبة .. عندما ذهب الرئيس الأمريكي (ريجان) إلى اليابان كانت هناك مرافقة يابانية بارعة الحسن، تولت مصاحبته وتعريفه على كل شيء في اليابان، حتى أنه أطرى كثيراً على سعة علمها وأدبها وتمكنها اللغوي». ثم لبس نظارته من جديد وقال: ـ»عندما اتجه للمطار في لحظة الوداع، جاءه وزير الصناعة الياباني وقال له: هل رأيت المرافقة التي كانت معك طيلة رحلتك؟.. راقت لك؟.. إذن فاعلم إنها ليست بشراً بل هي روبوت .. إنسان آلي صنعناه نحن وله نفس المظهر البشري وملمس البشرة...! وما كانت تفعله هو برنامج كمبيوتر دقيق كتبناه لها!» هكذا انقطعت أنفاس ريجان العجوز، وعاد للوطن ليلوم الأميركيين على أنهم لم يبلغوا هذه الدرجة من التقدم!. سمع أصدقائي هذه القصة فراحوا يهزون رؤوسهم منبهرين من براعة هؤلاء اليابانيين، أما أنا فكنت موشكاً على الجنون. لو كان القائل هذا أستاذا جامعياً فماذا يقوله سائق سيارة الأجرة أو عامل البناء أو السباك؟ دعك من السخرية المهينة من ذكائنا.. لو كان يصدق ما يقول فهو مجنون، ولو لم يصدق فهو كذاب يفترض أننا حمقى ممن يشترون الترام بسهولة. هذا الولع بعدم الدقة والتهويل يثير غيظي دائماً. المفترض أن هذه القصة وقعت أيام ريجان، أي في الثمانينات من القرن الماضي، بينما رأيت أمس نشرة أخبار علمية ترينا الفتح الذي حققه اليابانيون في صنع الروبوت، فرأيت دمية متخشبة كدمى المحلات ترفع ساعدها ببطء وعلى مدى خمس دقائق، ثم يدور رأسها بذات البطء، فيصفق زوار المعرض لسبب مجهول. ثمة شيء يحدثني أن هذه ليست الروبوت الذي رافق ريجان دون أن يلاحظ! في أيام الحرب كان هناك الكثير من العباقرة الملمين ببواطن الأمور، وقد قابل الكاتب الساخر أحمد رجب أحدهم في مقهى، فراح الرجل يحكي له عن تقدم الإسرائيليين الذي بلغ درجة مروعة. السلاح السري الإسرائيلي (إم أو 44 ) عبارة عن مدرعة لها 44 يداً. من هنا جاءت التسمية (ماذر أوف 44 ) أي أم أربعة وأربعين. وهذه الأيدي تمسك بالجنود لتقذف بهم في فم المدرعة لتأكلهم! من جديد هذا المتكلم ليس جاسوساً إسرائيلياً وليس مكلفاً بشن حرب نفسية على المصريين. هو فقط واحد آخر مولع بأن يبدو على علم ببواطن الأمور أو أن يجذب الانتباه لنفسه. لهذا يوجد تعبير مصري- أو مثل- يقول: «إن كان المتكلم مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً». يجب أن يمحص المرء ما يقال له ولا يصدق كل شيء ببساطة. الآن أنا قلت كلمتي وأشعر برضا تام عن نفسي؛ لأنني بدوت أذكى وأكثر تدقيقاً من الآخرين، وهذا يسرني جداً بالمناسبة!. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©