الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسيون ونقابيون في شباك C.I.A

سياسيون ونقابيون في شباك C.I.A
22 ابريل 2009 23:01
منذ تأسيسها عام 1947 لم تتخلَّ وكالة المخابرات الاميركية يوما عن التدخل في الشؤون الفرنسيّة، وحاولت الاقتراب من كلّ الشرائح والمهن، وسعت إلى الاقتراب خاصة من رجال السياسة، ومن أصحاب المؤسسات والمثقفين، والصحفيين، والنقابيين تحت غطاء محاربة الشيوعية. وقد وضعت المخابرات الاميركية، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانيّة هدفا يتمثل في تنفيذ الأربعة عشر بندا لويلسن قصد تحويل اوروبا الى منطقة مفتوحة لرؤوس الأموال الأميركية ولسلعها، وذهب الكتاب الى حد التأكيد بأن السي أي أي اعتمدت على عملاء سابقين للنازيين للتصدي للشيوعية. وجاء في الكتاب أنّ عدد جواسيس وكالة الاستخبارات الاميركية هم في ازدياد مطرد، وبعضهم له غطاء رسمي، وهم يقومون بعمليّات سريّة من خلال تسلّلهم للأحزاب، وتجسّسهم على النقابات وتمويلهم للجمعيّات وكسب الصحفيين وتجنيدهم داخل وكالات الأنباء والصحف والمجلات، ومختلف وسائل الإعلام. ويجزم المؤلف بان «السي آي آي» نجحت في اختراق الجامعات ومراكز البحوث، وخاصة منها المهتمّة بالنووي والفضائي، واليوم فإن الجوسسة الصناعية الأميركية في فرنسا هي الأكثر انتشارا. وأظهر الكتاب بالدليل القاطع أن وكالة الاستخبارات الأميركية توفقت بمختلف الوسائل في التأثير على استراتيجيات بعض مواقع القرار، واستطاعت من خلال ضخ ّمبالغ ماليّة طائلة كسب الأشخاص، واختراق بعض المنظمات والنقابات، ونجحت في التأثير في المناهج الجامعيّة. يوجد اليوم ما لا يقلّ عن ستة عشرة خليّة لوكالة الاستخبارات الأميركة (سي .آي .آي) تعمل في فرنسا، وتتحرّك بالتعاون مع مجموعة كبيرة من الأعوان والجواسيس والعملاء الذين لا يتردّدون، على سبيل المثال، في فتح بعض الرسائل البريديّة، للتجسّس على فحواها، أو التصنت على المكالمات الهاتفيّة. هذا ما كشف عنه كتاب: «السي آي آي في فرنسا: ستون عاما من التدخّل في الشؤون الفرنسيّة» La C I A en France»: 60 ans d’ingérence dans les Affaires françaises للمؤلف فريديريك شاربييه، وهو صحفي فرنسي مختص في الاستقصاء، فتح في كتابه هذا الملف. شقّة وامرأة جميلة تتحرّك وكالة المخابرات الأميركية التي تعمل من مقرّها في الطابق الخامس بسفارة الولايات المتحدة بباريس في كلّ اتجاه، وكشف الكتاب عن حادثة محددة كان مهندسها الملحق الصحفي للسفارة بالتعاون مع عميل فرنسي، فقد اتفقا على وضع خطّة يكون فيها الطعم امرأة جميلة تحت غطاء أنها صحفيّة تقدّم نفسها كمبعوثة خاصة لجريدة أميركية من الصف الثاني، أو حتى لجريدة وهميّة لا وجود لها أصلا. وفعلا تمّ تنفيذ الخطة، واتصلت الصحفيّة بأهمّ الشخصيّات السياسيّة من أقصى اليسار الفرنسي، واقترحت إجراء لقاءات معهم والتقت بهم في شقة في أحد أحياء باريس زرعت بها آلات تصوير وتسجيل. تعمدت المرأة الجميلة العميلة، بتوصية من رؤسائها الإطالة في الأحاديث وتمطيطها من خلال أسئلة كثيرة تم إعدادها بدهاء للحصول على أجوبة مستفيضة، وهكذا جمعت المخابرات الأميركية مادة ضخمة عن هذه الشخصيات التي تهمها بحكم انتمائها إلى أقصى اليسار، والهدف إعداد ملف عن كل واحد فيهم وتغذيته بأكثر ما يمكن من معلومات لرسم شخصيات المستجوبين، وتحديد توجهاتهم وإن أمكن مخططاتهم من خلال تحليل علمي ومعالجة دقيقة لأحاديثهم. زرع الاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة بعض أعوانه في عملية هدفها مساعدة الأحزاب الشيوعية الأوروبية القوية في فرنسا وايطاليا خاصة، فهذه الأحزاب والنقابات لها قواعد كبيرة ومؤثرة، ومقابل ذلك سعت «السي .آي .آي» إلى تقليص تأثير تلك الأحزاب، وعملت على إضعاف النقابات ذات التوجّه اليساري، وفعلا نجحت المخابرات الأميركية بفضل ذكاء عملائها، ومن أشهرهم ايفرينج براون، في إحداث شرخ في النقابات، وتوفق هذا الجاسوس بقوة المال في أن يكون وراء إنشاء نقابة عمالية جديدة في فرنسا هي نقابة «القوة العمالية»، والتي غالبا ما كانت مواقفها، ولا زالت، غير منسجمة مع مواقف النقابات الأخرى ذات التوجه اليساري مثل «السي جي .تي» القريبة من الشيوعيين. علما بأن النقابات العمالية في فرنسا لها وزن كبير في الحياة السياسية، ولها تأثير بالغ في الدورة الاقتصادية. وارفينج براون الذي نجح في إحداث شرخ في صفوف النقابات الفرنسية هو عميل وجاسوس، محب للحياة مقبل عليها في شراهة ونهم، ولا يترك فرصة دون التعبير علنا بأنه متيم بالطبخ والخمر الفرنسية المعتقة. أقام طيلة حياته في فرنسا، وبها مات منذ سنوات قليلة، وبترابها دفن، وكم من الأسرار دفنت معه في قبره، فقد كان أحد أكبر وأهم الجواسيس الأميركيين في فرنسا خلال نصف قرن بأكمله. مستشار الرئيس بعد عقود طويلة لحكم أحزاب اليمين (الجنرال ديجول، فجورج بومبيدو، ثم فاليري جيسكار ديستان)، نجح الاشتراكي فرانسوا ميتران عام 1981 في الفوز في الانتخابات الرئاسية على منافسه جيسكار ديستان. وجاء في الكتاب أن خلايا المخابرات الأميركية في فرنسا تحركت بقوة وسعت لإقصاء الشيوعيين، ويذكر مؤلف الكتاب مثالا على هذا التحرك المريب. فقد اختار الرئيس ميتران حال استقراره في قصر الاليزيه ريجيس دوبريه، وهو سياسي وكاتب ومفكر ليكون أحد مستشاريه مكلفا بالعلاقات الدولية، وهنا جن جنون المخابرات الأميركية لأن الرجل مصنف في ملفاتهم السرية على أنه شيوعي خطير لكونه كان في فترة من فترات حياته مقرب من الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وسربت السي .آي.آي. معلومات تؤكد فيها أن دوبريه عمل سنوات طويلة كصلة وصل بين كاسترو والثائر الشهير تشي جيفارا، وأنه تم إلقاء القبض عليه في بوليفيا وحكم عليه بثلاثين عاما سجنا، وبعد تدخل دولي أطلق سراحه بعد اربعة أعوام في الاعتقال، وأنه بقي بعد ذلك في التشيلي وربط صداقة مع سلفاتور آلليندي وبابلو نيرودا. ومن خلال عملائها نجحت وكالة الاستخبارات الأميركية في تسريب كل هذه المعلومات إلى بعض الصحف الفرنسية اليمينية التي لم تتردد في نشرها، وجاء في تلك المقالات أن ريجيس دوبريه هو عميل لكوبا وأن صلاته بفيديل كاسترو مستمرة، وأن صداقة متينة تربطه بسفير كوبا لدى اليونسكو (منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم) ومقرها باريس. أعدت المخابرات الأميركية ملفا ضخما ضد مستشار ميتران قصد تشويهه والقضاء على مستقبله السياسي وعزله من منصبه، لاعتقادهم أن موقعه في قصر حساس جدا، ولم يخف عملاء المخابرات الأميركية خشيتهم من تسرب أسرار الدولة الفرنسية من المستشار لصديقة الرئيس الكوبي. وأمام الحملة المسعورة التي تعرض لها المستشار بتدبير وتمويل من المخابرات الأميركية قدم ريجيس دوبريه استقالته للرئيس ميتران، ولكن الرئيس الفرنسي رفض قبولها رغم ضغوط الرئيس الأميركي رونالد ريجان آنذاك.، وبقي دوبريه في منصبه من 1981 الى 1985
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©