الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مزرعة السعديات وفرت الخضار طازجة وبأسعار رخيصة

مزرعة السعديات وفرت الخضار طازجة وبأسعار رخيصة
22 ابريل 2009 23:03
كان لأول راتب تقاضيته في فبراير من عام 1971 وقع غير عادي على مشاعري، ورغم أنه لم يكن يزيد عن مائتين وخمسين ديناراً بحرينياً إلا أن ذلك المبلغ في ذلك الوقت كان يعتبر ثروة حقيقية خاصة وأن الحكومة كانت تؤمن لموظفي العقود الخارجية السكن الجيد وتدفع فواتير الماء والكهرباء وتقوم بصرف بدل انتقال شهري. الآن، ورغم أن الراتب الشهري تضاعف أكثر من عشر مرات، إلا أن الشعور بالغنى الذي أحسست به عند تسلم الراتب الأول لم يتكرر. مازلت أذكر كيف كانت غزواتنا لسوق الخضار والسمك واللحم تنتهي بغنائم تملأ ثلاجتنا وبمبلغ لا يصل إلى عشرة دنانير بحرينية. ولن أنكر أنني وجدت بعد ثلاثة أشهر أو ثلاثة رواتب في الحساب البنكي الأول الذي فتحته في بنك (كرندليز) على شارع الكورنيش القديم، مبلغ يزيد على أربعمائة دينار بحريني.. وكانت سعادتي لا توصف بهذا الرصيد الذي توفر، مما جعلني أقوم بعمل مقارنات حسابية لما سيصبح عليه الرصيد بعد سنة وبعد سنتين وبعد عشر سنوات. الشقة الأولى التي أقمت فيها مع عائلتي من بداية شهر فبراير 1971 كانت عمارة الملاّ وفي شارع إلكترا، كانت العمارة لا تزيد عن ثلاثة أدوار (أرضي ودورين)، ولكن مساحتها كافية لإقامة برج من أبراج هذه الأيام. كان يسكن معي في تلك العمارة موظفون من عدة دوائر، أذكر منهم أطباء وصيادلة ومهندسين، لم تكن العمارة ذات شقق عديدة، وعلى ما أذكر لم يكن عدد الشقق يزيد عن اثنتي عشرة شقة. بعد أقل من أسبوعين من إقامتي في تلك العمارة، كان التعرف قد تم على جميع سكان العمارة، وكانت الزيارات العائلية قد وصلت إلى حد اعتبار أن الجميع يسكن في شقة واحدة لا عمارة كبيرة. أعود لأكرر أن المحبة كانت هي السمة الغالبة على الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت.. وكانت هذه المحبة منتشرة في كل مكان وعل? جميع المستويات بدءاً من القائد الشيخ زايد وانتهاء بالعامل القادم من مختلف أنحاء العالم. ولم يكن اجتماعنا على الغداء أو العشاء يرتبط بمناسبات أو حتى بمواعيد متفق عليها، بل إننا نادراً ما كنا نجد أنفسنا نتناول طعام الغداء أو العشاء وحدنا، كنا باستمرار إما على موائد الجيران أو الجيران على مائدتنا. كان الخضار والفواكه يصل إلينا في شاحنات مبردة، إما من لبنان أو من سوريا أو من الأردن وكذلك الفاكهة التي كان بعضها يصل عن طريق طائرات الشحن من بعض دول آسيا وجمهورية مصر العربية. الزراعة في ذلك الوقت كانت في بدايتها في أبوظبي وبقية الإمارات، ولكن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد كان يوليها الاهتمام الأكبر إلى درجة أن الإعلام سواء في التلفزيون أو الإذاعة كان يخصص لها ركناً خاصاً، وكان الأخ فهمي بيدس يقدم في التلفزيون برنامج «أرضنا الخضراء»، يتناول البرنامج شؤون الزراعة ومشاكلها وكيفية الوصول بها إلى مرحلة متقدمة. وكانت دائرة الزراعة إحدى أهم الدوائر التي أنشأها الشيخ زايد بعد تسلمه لمقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، وذلك في السادس من أغسطس 1966. وكانت توجيهات القائد للمسؤولين عن هذه الدائرة هي إعداد المزارع وتوزيعها على المواطنين، وإعداد المزارع يعني حفر الآبار وتزويدها بالمحركات لضخ المياه وتوزيعها على مختلف الزراعات الموجودة. وما زلت أذكر كيف كانت الحكومة تزود المواطنين المزارعين بالآبار وبالإرشاد الزراعي والسماد وحتى تحمل رواتب العمال المزارعين لتشجيع المواطنين على الزراعة وإنتاج مختلف أنواع المحاصيل التي من شأنها تقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي للمنتجات الزراعية. كذلك شجع «رحمه الله» المواطنين على الاهتمام بالثروة الحيوانية وقام بتقديم الدعم المادي لهم وكذلك كانت الدائرة تزود المزارعين بالأعلاف. ويقوم الأطباء البيطريون فيها بزيارة مزارع المواطنين وتقديم العلاج اللازم للماشية وخاصة الدواجن والأبقار والجمال وغيرها. كانت الدائرة تقدم بالاضافة إلى ذلك شتلات الخضار والأشجار المثمرة لمختلف أنواع الفاكهة. ولقد اهتم «رحمه الله» باستقدام خبراء الزراعة ومنهم المهندس مجدي شعث والسيد خالد عبدالله الفياض وسامي علي بشناق. أما المشروع الزراعي الهام الذي عايشناه جميعاً في تلك الفترة فكان مشروع السعديات.. وقد علمنا بعد وصولنا عام 1971، أن صاحب السمو المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قدم قطعة أرض من جزيرة السعديات ومنحة قدرها ثلاثة ملايين وستمائة ألف دولار لجامعة أريزونا الأميركية لإقامة مشروع أبحاث وتجارب لإنتاج الخضار وذلك في 22 مارس 1969، وقد زوّد هذا المشروع بمحطة لتحلية مياه البحر لاستخدامها في المشروع وكذلك زود بمحطة كهرباء للغرض نفسه. وقد دفعني الفضول لزيارة جزيرة السعديات مع الأخ الصديق فهمي بيدس ورأيت البيوت الزجاجية والبلاستيكية التي استخدمت لحماية الزراعة من عوامل الجفاف والحرارة في الطقس ودهشت فعلاً للحجم الكبير لبعض أنواع الخضروات مثل الخيار والفلفل الأخضر والطماطم والباذنجان والكوسا وغيرها. لقد كان انتاج السعديات يساهم في تخفيف أثمان المنتجات الزراعية من الخضار ويقدم لنا الخضار الطازجة التي كانت تصل من المزرعة إلى السوق في اليوم نفسه. ولكن رغم وجود هذه المحطة الزراعية في السعديات وأخرى مشابهة لها في العين.. وبعض المزارع التابعة للمواطنين في المنطقة الشرقية إلا أن استيراد الحضروات كان لابد منه ولا غنى عنه. تابعنا عن كثب في عام 1971 جميع تلك الجهود المباركة التي كان «رحمه الله» يقوم بها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، وتأكدنا أنه حتى بداية 1971 كان عدد المزارع التي أعدت ووزعت على المواطنين تجاوز الثلاثمائة مزرعة، مساحة كل مزرعة لايقل عن خمسين فداناً وكل مزرعة كانت تزود بخزانات الماء والأسيجة التي تحفظ وتصون المزرعة.. وكانت الدائرة تقوم بحفر الآبار الارتوازية وتزودها بمضخات وماكينات الري، بالاضافة إلى البذور والشتلات والأسمدة. وما زلت أذكر المعرض الزراعي الذي أقيم في السادس والعشرين من مارس 1971 في مدينة العين. في ذلك المعرض رأيت سموه «رحمه الله» يتفقد الانتاج الزراعي من مختلف المزارع الموجودة في امارة أبوظبي.. وكان فعلاً مثيراً للاهتمام ويبشر بقيام نهضة زراعية مهمة في الدولة. كان «رحمه الله» يتوقف عند كل زاوية وكل انتاج ويسأل عن صاحب ذلك الانتاج ويناقشه في المصاعب التي عانى منها أو الخدمات التي يحتاجها لتطوير إنتاجه الزراعي.. وكان يشجع أولئك الذين نجحوا في زراعتهم ويحييهم ويبدي ملاحظاته للآخرين الذين لم يحققوا النجاح المطلوب. كان «رحمه الله» مولعاً بالزراعة ولقد نشر اللون الأخضر فوق مساحات شاسعة من الصحراء، وأصبحت الزراعة بعد سنوات قليلة مصدراً من مصادر الدخل لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا ما كان يخطط له ويسعى إلى تحقيقه، وهو ألا تظل دولة الإمارات معتمدة في اقتصادها على مصدر واحد للدخل هو البترول، والذي كانت نسبة مساهمته في الدخل القومي تصل إلى مائة بالمائة، أما الآن وبفضل المشاريع الزراعية والسياحية والتجارية والنهضة العمرانية التي قامت في الدولة، فقد وصلنا إلى اقتصاد متوازن لايشكل فيه النفط رغم الزيادة في إنتاجه والتي وصلت إلى حوالى مليونين ونصف مليون برميل في اليوم وفي سعره الذي قارب المائة وخمسين دولاراً قبل أن ينخفض مؤخراً إلى أربعين دولاراً، إلا حوالى 35% من الدخل القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة. ومازلت أذكر كيف كان «رحمه الله» يشرف بنفسه على غرس أشجار النخيل ويحرص على أن تكون الحفرة مناسبة والسماد متوفراً والسقاية بشكل صحيح حتى يضمن نجاح هذا الغرس، ويطمئن بنفسه على أن كل نخلة تم غرسها تتوفر لها كافة المتطلبات لكي تنمو وتثمر. عندما أشهد الآن تلك الغابات الخضراء والمزارع التي تفيض بخيرها، أتذكر الرجل الذي أعطى عمره وحياته من أجل أن تكون الصحراء جنة وارفة الظلال وندعوها بصدق أرضنا الخضراء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©