الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرعُ من نكاحِ أمّ خارجة!

أسرعُ من نكاحِ أمّ خارجة!
22 ابريل 2009 23:20
سبق لنا في عمود سابق، أن أثرْنا سيرة المرأة العربيّة بين أن كانت تزوِّج نفسَها، أو تُبدي رأيَها في زواجها على الأقلّ، بعد أن يستشيرها أبواها؛ وبين أنّها كانت تخضع لإرادة أسرتها فلم يكن لها من الأمر شيء، وقد رأينا كيف أنّ الخنساء رفضت دريد بن الصِّمَّة لشيخوخته العالية، وآثرت أن تتزوج في شباب بني عمّها الذين شبّهتهم بعوالي الرّماح! واليوم نعرِض لحكاية في غاية الطّرافة تتردّد كثيراً في كتب التراث الأدبيّ العربيّ، وهي حكاية أمّ خارجة، وهي أمّ العنبر بن عمرو بن تميم بن زيد بن بهراء، زعموا أنّها تزوجتْ في نيّف وعشرين حيّاً من العرب، في كلِّهم أنجبتْ أبناءً، فكانت كأمّ القبائل! وقد ضربت العرب بها المثل في حبّها الزواجَ، وسرعة استجابتها لمن كانوا يخطبونها من الرجال، فقالت في ذلك: «أسرع من نكاح أمّ خارجة»! ويُضرب هذا المثلُ لسرْعة وقوع الشيء. وتزعم الرواةُ أنّ الخاطب كان يقوم على باب خبائها ويقول: «خِطْبٌ»! أي إنّي جئت خاطباً، فتُجيب دون تردّد: «نِكْحٌ»! أي قد قبلت نكاحك، بمعنى الزواج منك. ويعلّق ابن منظور في «لسان العرب» على هذا المثل الذي أوردناه، فيقول: «هي امرأة من بَجيلةَ ولدتْ كثيراً في قبائلَ من العرب كانوا يقولون لها: خِطب، فتقول: نِكح. وخارجةُ ابنُها ولا يُعلَمُ ممّن هو» من الآباء! ولعلّ أشهر أزواجها عمرو بن تميم وقد نقلها إلى بلده وأولدها ثلاثة أطفال ذكورٍ. ويبدو أنّ هذه المرأة عاشتْ في الإسلام، فقد أورد الحربيّ في غريب الحديث خبراً وهو: «حدثنا محمد بن الصّبّاح، أخبرنا معْن، حدّثنا زيد بن السَّحائبِ: رأيتُ أمّ خارجةَ، وعليها مَسَكَتَانِ من عاجٍ». (والْمَسَكتان: السِّواران). ويدُلّ ضرْبُ العربِ المثلَ بأمّ خارجة في كثرة زواجها، وكانت المسكينة صلِفَةً (وصلِفتِ المرأة صلَفاً: فقدت الحِظةَ لدى بعلها، وضدُّها الحظِيّة)، وقد اجتمع المعنيان المختلفان في حديث عائشة رضي اللّه عنها: «تنطلق إحداكنّ فتصانعُ بمالها عن ابنتها الْحَظِيّة، ولو صانعتْ عن الصّلِفَةِ كانت أحَقَّ» في أحياء العرب أنّ المرأة العربيّة كان لها مقدارٌ كبيرٌ من الحريّة في اتّخاذ قرار الزواج، ومن البرهان على ذلك قول الْخُطّاب الذين كانوا يتقصّدون حيّ أمّ خارجة: خِطْبٌ! فتسارع بالإجابة: نِكْح! ولا نعتقد أنّ في كل هذه الأخبار المستفيضة ما يحمل على مبالغة الرُّواة. غير أنّ المدهش في سيرة أمّ خارجة كيف كانت صَلِفةً عند كلّ الأزواج فلم يكونوا يتمسّكون ببقائها في أعناقهم من وجهة، وكيف كان رجال آخرون يتهافتون على التزوّج منها وإيلادها أولاداً بلغوا أكثر من عشرين، من وجهة أخرى؟! وإنّ الذي يعنينا، نحن، في كلّ هذا، أو بعضه، أنّ المرأة العربيّة، على عهد الجاهليّة كانت تقرّر أمر الزواج بنفسها، في كثير من الأطوار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©