الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
11 أكتوبر 2007 01:14
كان بالبصرة رجل من اللصوص يلص بالليل، مقدام· يقال له عباس بن الخياطة قد غلب الأمراء وأشجى أهل البلد، فلم يزالوا يحتالون عليه إلى أن وقع وكبّل بمائة رطل من حديد وحبس، فلما كان بعد سنة من حبسه أو أكثر دخل قوم بالأبلة على رجل تاجر كان عنده جوهر بعشرات ألوف الدنانير، وكان مستيقظاً جلداً فجاء الى البصرة يتظلم وأعانه خلق من التجار، وقال للأمير: أنت دست على جوهري وما خصمي سواك، فورد عليه أمر عظيم وخلا بالبوابين وتوعدهم فاستنظروه فأنظرهم، وطلبوا واجتهدوا فما عرفوا فاعل ذلك، فعنفهم الرجل فاستجابوا مدة أخرى، فجاء أحد البوابين الى الحبس، فتخادم لابن الخياطة ولزمه نحو شهر، وتذلل له في الحبس فقال له: قد وجب حقك عليّ· فما حاجتك؟ قال: جوهر فلان المأخوذ بالأبلة لا بد ان يكون عندك منه خبر، فإن دماءنا مرتهنة به وحدثه الحديث، فرفع ذيله وإذا سفط الجوهر تحته فسلمه اليه وقال: قد وهبته لك، فاستعظم ذلك وجاء بالسفط الى الأمير فسأله عن القصة فأخبره بها· فقال: عليّ بعباس فجاؤوا به، فأمر بالإفراج عنه وإزالة قيوده وإدخاله الحمام وخلع عليه وأجلسه في مجلسه مكرماً، واستدعى الطعام فواكله، فلما كان من الغد خلا به وقال: أنا أعلم انك لو ضربت مائة ألف سوط ما أقررت كيف كانت صورة أخذ الجوهر، وقد عاملتك بالجميل ليجب حقي عليك من طريق الفتوة، وأريد أن تصدقني حديث هذا الجوهر· قال علي: إنني ومن عاونني عليه آمنون، وإنك لا تطالبنا بالذين أخذوه؟ قال: نعم، فقال له: إن جماعة اللصوص جاؤوني الحبس وذكروا حال هذا الجوهر وأن دار هذا التاجر لا يجوز أن يتطرق عليها نقب ولا تسليق، وعليها باب من حديد والرجل متيقظ وقد راعوه سنة فما أمكنهم وسألوني فساعدتهم، فدفعت الى السجان مائة دينار وحلفت له بالشطارة والأيمان الغليظة، انه إن أطلقني عدت اليه من غد وانه ان لم يفعل ذلك اغتلته فقتلته في الحبس، فأطلقني، فنزعنا الحديد وتركته وخرجت المغرب، فوصلنا الى الأبلة العتمة وخرجنا الى دار الرجل فإذا هو في المسجد وبابه مغلق، فقلت لأحدهم: تصدق من الباب، فتصدق، فلما جاؤوا ليفتحوا قلت له: اختف، ففعل ذلك مرات والجارية تخرج فإذا لم تر أحداً عادت الى ان خرجت من الباب ومشت خطوات تطلب السائل فتشاغلت بدفع الصدقة اليه فدخلت أنا الى الدار فإذا في الدهليز بيت فيه حمار فدخلته ووقفت تحت الحمار وطرحت الجل عليّ وعليه، وجاء الرجل فغلق الأبواب وفتش ونام على سرير عال والجوهر تحته، فلما انتصف الليل قمت الى شاة في الدار، فعركت أذنها فصاحت، وقام بنفسه ليطرح لها علفاً فجلست مكانه على السرير وفتحت الخزانة، وأخذت السفط وعدت الى موضعي وعاد الرجل، فنام· فاجتهدت ان أجد حيلة ان أنقلب الى دار بعض الجيران فأخرج، فما قدرت لأن جميع أبواب الدار مؤزرة بالساج، ورمت صعود السطح فما قدرت؛ لأن الممارق مقفلة بثلاثة أقفال، فعملت على ذبح الرجل ثم استقبحت ذلك وقلت: هذا بين يدي إن لم أجد حيلة غيره، فلما كان السحر عدت الى موضعي تحت الحمار وانتبه الرجل يريد الخروج فقال للجارية: افتحي الأقفال من الباب ودعيه متربساً ففعلت وقربت من الحمار فرفس فصاحت فخرجت أنا ففتحت المترس وخرجت أعدو حتى جئت الى المشرعة، فنزلت في الخيطية ووقعت الصيحة في دار الرجل، فطالبني أصحابي ان أعطيهم شيئاً منه فقلت: لا، هذه قصة عظيمة وأخاف ان يتنبه اليها ولكن دعوه عندي فإن مضى على الحديث ثلاثة أشهر فصيروا إليّ أعطيكم النصف، وإن ظهر خفت عليكم وعلى نفسي وجعلته حقنا لدمائكم فرضوا بذلك، فأرسل الله هذا البواب بليلة يخدمني، فاستحييت منه وخفت ان يقتل هو أصحابه وقد كنت وضعت في نفسي الصبر على كل عذاب، فدخلتم عليّ من طريق أخرى لم أستحسن في الفتوة معها الا الصدق، فقال له الأمير: جزاء هذا الفعل أن أطلقك، ولكن تتوب فتاب وجعله الأمير من بعض أصحابه وأسنى له الرزق، فاستقامت طريقته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©