الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باب الحارة.. يطرق قيماً أصبحت غائبة

باب الحارة.. يطرق قيماً أصبحت غائبة
12 أكتوبر 2007 02:53
لا يختلف اثنان على أن الدراما السورية ''باب الحارة'' سجلت أعلى نسبة مشاهدة بين عدد كبير من المسلسلات التي عرضت خلال شهر رمضان الفضيل· وفي عمان أصبحت شخوص العمل والتندر بمواقف أبطاله حديث المجالس والجلسات الخاصة لأنه ينقر على وتر تقاليد أصبحت ''كالعنقاء والخل الوفي'' في حياتنا ويضع أمامنا بلا ماكياج القيم النبيلة للأسرة العربية من خلال الحارات الدمشقية· وذهب ناقد فني إلى القول أن المسلسل فرض حالة منع تجول اختيارية، حيث يفضل الناس البقاء في منازلهم حتى لا يفوتهم حدث متى يعيد أبو عصام زوجته وكيف يتصرف أبوشهاب عندما يعلم بطلاق أخته؟ وما هو مصير فريال التي لخبطت الحارة؟· ولشدة إعجاب الناس وشغفهم بشخوصه على اختلاف أدوارهم وملامسة العمل لقيم الخير الكامنة في أعماقنا استثمر صاحب مقهى في العاصمة نجاح المسلسل وأطلق اسمه على مقهاه تيمنا بقطف ثمار هذا النجاح واجتذاب رواد جدد· وقبل الخوض في التفاصيل يمكن القول أن باب الحارة (2) هو استمرار لمسيرة الجزء الأول الناجحة بامتياز، لكن هذا النجاح لم يكن ليكفي أن ينجح الجزء الثاني بشكل تلقائي وما ضمن نجاح هذا الجزء هو استمرار نهجه في رسم صورة الإنسان الشعبي وتلك الصورة التي تحمل أسمى المعاني في التربية العربية للإنسان من قيم اجتماعية وأخلاقية ووطنية ليس فقط في سوريا· فالعمل الذي كتبه كمال مرة وأحمد فاروق ميلودراما اجتماعية مشوقة محورها الأسرة والحارة مرتبطة بأحداث سياسية وكفاحية وجاسوسية تسلط أضواء كاشفة على الحياة بدمشق في عشرينات القرن الماضي بقيمها وعاداتها وتقاليدها القاسية أحيانا· ويرى صاحب المواهب الثلاث ''التأليف والإخراج والتمثيل'' غنام غنام أن العمل يحتوي على حالة عالية من المكاشفة، فالشخصيات مرسومة بحدود حادة وبارزة ونافرة وبألوان فاقعة لا لبس فيها، الأمر الذي يحيلها إلى ما يشبه الأساطير الشعبية التي ما زالت تجلب المشاهد إليها رغم ما يحتويه من مبالغة أحيانا، لذا فإن باب الحارة (2) فتح بابا مباشرا على الذائقة الدرامية لدى المواطن العربي الذي يطمح إلى استعادة النماذج البشرية والاجتماعية وهذه البيوت والطرقات والعائلات التي يخيم عليها التراحم والرأفة وقليل من كيد النساء وغيرتهن· وهذا يعني أن حالات الحب والكره والصراع هي حالات حارة ولا تحتمل إلا أن تكون معها أو ضدها وبالتالي يحدث اصطفاف جماهيري وراء الأحداث ومع الأبطال، يضاف إلى كل هذا توفر كوكبة من الممثلين الممتازين الذين يعملون بكل محبة واضحة ويمكن أن يكون ممثل كبسام كوسا في الجزء الأول نموذجا كافيا للتدليل على ذلك، إضافة إلى أن المخرج بسام الملا أخذ كوادره وحركة كاميرته ''حركة اللقطة'' وإيقاع المشهد بشكل ينسجم مع ما تقدم من مكونات الحكاية، فلم يستعل على النماذج البشرية حتى البسيطة والساذجة بل عاملها بود ومن هنا انعكس إخراجه الودود إيجابا على المسلسل· فالناس بحاجة إلى استعادة صورتهم في شخصيات وطرقات وأرض ديار ''قرب النافورة'' وعائلات بسيطة متكافلة غابت عن التكوين الاجتماعي في ظل اغترابنا القسري عن مجتمعاتنا وأصولنا· فالمواطن العربي يحتاج إلى جلسة العائلة وقيم التكافل والتضامن والإيثار والحب العذري الخجل في زمن الحب الفاضح ''بشير وفوزية''·· هذه المنظومة الأخلاقية يبدو أن باب الحارة نجح بامتياز في ملامسة ما بقي منها في نفوس الناس ''كالجمرة المختفية تحت الرماد'' وهذا مؤشر على أن المجتمعات ما زالت تحتفظ ببذرة مناعة ولكن إذا أحسن توجيهها وصياغة الخطاب الفكري والفني لها· وفي رأيي أن الناس بحاجة إلى نموذج فعندما يكونون في حالة هزيمة فالنموذج المطلوب هو البطل المنتصر، ولذلك علا الهتاف والتصفيق في المقهى والراوي يروي انتصار الملك الظاهر بيبرس فهم من خلال ذلك يعبرون بطريقة غير مباشرة عن حاجتهم إلى انتصار في زمن الهزائم· وعندما يكونون في أزمة أخلاقية فالنموذج المطلوب هو المصلح الذي يتدخل في الوقت المناسب لرأب الصدع والمصالحة قبل انفجار الخلافات وتهديد المنظومة الاجتماعية كما تصرف عالم الدين، فاللغة المتداولة بين الزوجين ''ابن عمي'' هي لغة ودودة تتضمن الكثير من العواطف غير المباشرة حتى في حالة الطلاق هناك رسالة موجهة لنا فلم يفقد الزوجان احترامهما ''عباس النوري وصباح جزائري'' ولم يتنكرا لحياتهما المشتركة ويتبارزان في كشف المستور، كما أن علاقة الخال مع ابن أخته حلقة مفقودة في أيامنا هذه، فأي شاب يتحمل لطمة على خده دون أن يرد الصاع صاعين؟ وهناك الأب ''رب الأسرة'' الذي يحظى باحترام الأبناء ''أمرك يا بيّ'' مهما صدر عنه من تصرفات صحيحة أم خاطئة، فأين هو دور الأب في الوقت الحاضر وكم في حياتنا حكايات عن أبناء اعتدوا على آبائهم على مرأى من الناس، وكم من أخ قتل أخاه طمعا في عدة أمتار موروثة من الأرض· أما أبو شهاب ''سامر المصري'' فهو الحكيم الكبير في حارته وفي عيون أهل الحارة ينتصر للمظلوم ويردع الظالم ويناصر المناضلين في فلسطين بالسلاح وليس بالكلام، وهذا نموذج شعبي يكاد يكون مفقودا في زماننا، كما أن احترام الجار وحقوقه كقيمة اجتماعية رفيعة غائبة حاليا وطرحها مجددا يذكرنا بما كان وما يجب أن نكون عليه، فنحن نعيش في عمارة واحدة والجار لا يعرف جاره·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©