الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العيد في الإسلام·· بهجة مقرونة بالطاعات

العيد في الإسلام·· بهجة مقرونة بالطاعات
12 أكتوبر 2007 03:03
الأعياد من خصائص الأمم والحضارات، وجزء مهم من بنيانها الثقافي والفكري، ولا توجد أمة بلا مناسبات أو أعياد، كما لا يكون عيد بلا أمة· والعيد خاصية تتميز بها الأمم عن غيرها وتُظهر به مدى تمسكها بثقافتها وقيمها وتفصح عن اعتزازها بتاريخها وتراثها· ولا يحسن بأمة أن تحتفل بما يغضب خالقها في يوم عيدها وفرحها، خاصة مع توافر النعم وكثرة المنن من الله سبحانه وتعالى· ونحن المسلمين أعيادنا دينية، والدين عندنا لا ينفصل عن الدنيا ولا ينفك عنها بحال من الأحوال، فقيمة الدنيا لدينا تتعلق بالدين (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، فالعيد في الإسلام بهجة مقرونة بالطاعات· وقد جعل الله للمسلمين عيداً أسبوعياً هو يوم الجمعة وعيدين سنويين يأتيان مقترنين بعبادتين عظيمتين وبعد أداء ركنين من أركان الإسلام وأسسه العظيمة· فالأول: يوم الفطر المبارك الذي يعقب رمضان مباشرة وبعده تبدأ شهور الحج، والعيد الثاني: يوم الأضحى المبارك الذي يسمى يوم الحج الأكبر وهو أعظم أيام السنة قاطبة· وقد شرع هذان العيدان بعد عبادتين ليكونا لنا فرحاً بالله وأنساً بطاعته وسروراً بالقبول المرجو والظفر المنشود، ولذا يسمى يوم الفطر بيوم الجائزة· والعيد فى التصور الإسلامى هو يوم لباس وزينة وتجمل، ومعلم للفرح والسرور، ولذلك يتسابق الناس في العيدين لإطعام الفقراء قبل صلاة عيد الفطر وبعد صلاة عيد الأضحى حتى لا يلقى البؤس والشقاء بظلالهما على بيوت المسلمين· ولعل من فضل الله على المجتمعات الإسلامية أن أكثر الناس قد تعارفوا على إخراج حق الله سبحانه وتعالى في أموالهم مما هو مفروض وغير مفروض في رمضان وعشر ذي الحجة حتى يجد الفقراء ما يعينهم على تخفيف أعباء الفقر عن كاهلهم ويساعدهم في رسم البسمة على شفاههم، فلا تحزن قلوبهم بتميز أحد عليهم أو بتخلفهم عن عادة ألفها الناس أو تعارفوا عليها مما أحل الله سبحانه وتعالى؛ ولعل في ذلك من المعاني والعبر ما يجعلنا لا نقف به عند حد موسم بعينه أو زمن بذاته، بل يجدر بنا أن نتخذه منهاجا لنا طوال العام، فنحن نتقرب بذلك لرب العزة والجلال، والقربى لذاته سبحانه لا تقف عند حد أو مكان أو زمان· كما أن العيد وسيلة لتواصل الأقارب والأرحام والأصدقاء ومناسبة ووسيلة ربانية لتصافي النفوس وتساميها عما علق بها من أدران الحياة وشحناء النفوس وأمراض القلوب؛ كما أنه فرصة عظيمة ليتوافق مكنون القلب مع ما يظهر على المحيا من ابتسامة وصفاء تعبر عن ميلاد جديد لمكنون الضمائر وخفايا الصدور· فضلاً عن أن العيد طريق لإسعاد الأطفال الذين لا يحلو عيد دونهم، فهم من أجمل معاني العيد؛ لأن حياتهم كلها عيد وفرح وسلامة صدر ينبغى أن نتأسى بهم فى طهرهم ونقائهم وصفاء صدورهم وبراءة قلوبهم، فإذا جاء عيد الناس فهو لهؤلاء الأطهار عيدان· وليس أعنف من أب لا يدخل السرور على نفوس صغاره فى هذا اليوم البهيج، ولا أقسى من أب نسي صغاره فى يوم العيد· وعلى صعيد الحياة الزوجية، فالعيد فرصة لتجديد الحب بين الرجل وزوجته، وفيه سانحة لبعث معاني الزوجية الجميلة والعشرة الكريمة، خاصة إن كان ثمة جفوة أو انقطاع، وليعوّد كلا الطرفين نفسيهما كيف لا يسلطان العدسات المكبرة على صغائر العيوب، وليمرن كل من الطرفين نفسه على الرضا بمحاسن الآخر إن كره منه خلقا· استقبال العيد كما أن العيد ضيف خفيف ظله، وزائر لا يخلف موعده، ورديف كريم لمواسم الله وأيامه، فلا مناص من حسن استقباله بكل خير ومباح مما يجمع ولا يفرق وما هو مألوف من ألوان المباهج والزينة والاحتفالات، مما يدخل السرور على النفس والبهجة على القلب (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)· ولقد أكّد لنا رمضان أن كل إنسان قادر على أن يحلق بروحه في سماء الانتصارات دون الالتفات إلى شهوات عاجلة أو أمنيات رخيصة، وكم حقق الإنسان في هذا الجانب من الانجازات الكبيرة· إن الذي تجاوز بعضاً من العادات السلبية، أو خلق نموذجاً جديداً من العادات الإيجابية هو من حُق له اليوم أن يفرح بتلك الإنجازات على أرض العيد من جديد· وذلك الذي كسر شهوة حب المال في نفسه، فتصدق هنا وبذل هناك هو نموذج من نماذج الانتصار الحقيقى على النفس والشهوات· وفى ضوء ما تقدم وإذا أمعن المسلم النظر قليلاً في هذه الإنجازات، فلا يتنظر منه اليوم أن يكون واجماً حزيناً على فراق رمضان وهذه إنجازاته تظهر على أرض الواقع، ومن ثم فالإسلام يدعوه اليوم ومن على أرض العيد أن يعيش متفائلاً مبتهجاً فرحاً مسروراً، لا بمضي أيام الطاعات، وإنما بتلك الإنجازات الكبيرة التي تمت في ثلاثين يوماً· إن الحزن على الفائت مذموم في الشرع، ذلك أنه مجلب للحسرة، مؤذٍ للنفس، غير جالب لشيء من الخيرات· فليعش متفائلاً في كنف الله، وأيام الله تعالى قادمة يسطر فيها الكثير من الإنجازات والصالحات امتدادا لما حققه في شهر القرآن· فرحة مشروعة وقد شاء الله تعالى للمسلم أن يبتهج، فشرع له فرحة العيد، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين فقال صلى الله عليه وسلم: ''كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى''· فليتأمل المسلم في رحمة ربه، ولينظر إلى جمال دينه، وليتمعّن شمول شريعته، حيث خلقه الله تعالى يوم خلقه فجعل في نفسه رغبة ملحة في شهود أيام يحتفل ويفرح بها فجعل له مثل هذا اليوم، وباعد بين أيامها حتى يجد لها في قلبه لذة ولهفة، وجعل يوم الفطر منها بعد شهر من العبادة والإقبال إليه· خذوا زينتكم شرع الله تعالى للمسلم في هذا اليوم أخذ الزينة، روى الإمام البخاري من حديث ابن عمر أنه قال: أخذ عمر -رضي الله عنه- جبة من إستبرق تباع في السوق فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود· وثبت في حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة· وعند البيهقي أن ابن عمر -رضي الله عنه- كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه· فليمض المسلم في عيده مسطراً بيمينه صوراً من صور الفرح والسعادة التي يلبي بها حاجة نفسه، وتميط اللثام عن مشاعره، في ضوء ما أحله الله تعالى له من التمتع بالطيبات ومباهج الحياة الدنيا· وليعلم المسلم أن مشاهد العيد تكتب في نفسه العزة، وتترجم في حياته القدوة، وتكتب فيه سراً من أسرار العبودية، فها هو على طريق العيد يصدح بالتكبير كمعلم من معالم العبودية، وسر من أسرار العزة المنشودة التي بها نستلهم غدا مشرقا في كنف ديننا وسماحة تشريعاته وأحكامه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©