الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السائح والصائغ

السائح والصائغ
12 أكتوبر 2007 03:06
زعموا أن جماعة احتفروا ركية فوقع فيها رجل صائغ وحية وقرد وببر، ومر بهم رجل سائح فأشرف على الركية، فبصر بالرجل والحية والببر والقرد، ففكر في نفسه، وقال: لست أعمل لآخرتي عملاً أفضل من أن أخلص هذا الرجل من بين هؤلاء الأعداء· فأخذ حبلاً ودلاه إلى البئر فتعلق به القرد لخفته فخرج· ثم دلاه ثانية، فالتفت به الحية فخرجت· ثم دلاه ثالثاً فتعلق به الببر فأخرجه· فشكرن له صنيعه· وقلن له: لا تخرج هذا الرجل من الركية فإنه ليس شيء أقل شكراً من الناس ثم هذا الرجل خاصةً· ثم قال له القرد: إن منزلي في جبل قريب من مدينة يقال لها: نوادرخت· وقال له الببر: أنا أيضاً في أجمة إلى جانب تلك المدينة· وقالت الحية: أنا أيضاً في سور تلك المدينة· فإن أنت مررت بنا يوماً من الدهر واحتجت إلينا فصوّت علينا حتى نأتيك فنجزيك بما أسديت إلينينا من معروف· فلم يلتفت السائح إلى ما ذكروا له من قلة شكر الإنسان، وأدلى الحبل، فأخرج الصائغ، فسجد له، وقال له: لقد أوليتني معروفاً· فإن أتيت يوماً من الدهر لمدينة نوادرخت فاسأل عن منزلي: فأنا رجل صائغ لعلي أكافئك بما صنعت إلي من معروف· فانطلق إلى مدينته وانطلق السائح إلى جانبه· فحدث بعد ذلك أن السائح عرضت له الحاجة إلى تلك المدينة، فانطلق، فاستقبله القرد، فسجد له وقبّل رجليه· واعتذر إليه، وقال: إن القرود لا يملكون شيئاً، ولكن اقعد حتى آتيك، وانطلق القرد، وآتاه بفاكهة طيبة، فوضعها بين يديه، فأكل منها حاجته· ثم إن السائح انطلق حتى دنا من باب المدينة فاستقبله الببر، فخرّ له ساجداً وقال له: إنك قد أوليتني معروفاً، فاطمئن ساعة حتى آتيك، فانطلق الببر فدخل في بعض الحيطان إلى بنت الملك فقتلها، وأخذ حليها، فأتاه بها، من غير أن يعلم السائح· فقال في نفسه: هذه البهائم قد أولتني هذا الجزاء، فكيف لو قد أتيت إلى الصائغ فإنه إن كان معسراً لا يملك شيئاً فسيبيع هذا الحلي فيستوفي ثمنه، فيعطيني بعضه، ويأخذ بعضه، وهو أعرف بثمنه· فانطلق السائح فأتى إلى الصائغ· فلما رآه رحب به وأدخله إلى بيته· فلما بصر بالحلي معه، عرفها وكان هو الذي صاغها لابنة الملك· فقال للسائح: اطمئن حتى آتيك بطعام فلست أرضى لك ما في البيت· ثم خرج وهو يقول: قد أصبت فرصتي، أريد أن أنطلق إلى الملك وأدله على ذلك، فتحسن منزلتي عنده· فانطلق إلى باب الملك، فأرسل إليه: إن الذي قتل ابنتك وأخذ حليها عندي· فأرسل الملك وأتى بالسائح، فلما نظر الحلي معه لم يمهله، وأمر به أن يعذب ويطاف به في المدينة، ويصلب· فلما فعلوا به ذلك جعل السائح يبكي ويقول بأعلى صوته: لو أني أطعت القرد والحية والببر فيما أمرنني به وأخبرنني من قلة شكر الإنسان لم يصر أمري إلى هذا البلاء، وجعل يكرر هذا القول· فسمعت مقالته الحية فخرجت من جحرها فعرفته، فاشتد عليه أمره، فجعلت تحتال في خلاصه· فانطلقت حتى لدغت ابن الملك، فدعا الملك أهل العلم فرقوه ليشفوه فلم يغنوا عنه شيئاً· ثم مضت الحية إلى أخت لها من الجن، فأخبرتها بما صنع السائح إليها من المعروف، وما وقع فيه· فرقت له، وانطلقت إلى ابن الملك، وتخايلت له· وقالت له: إنك لا تبرأ حتى يرقيك هذا الرجل الذي قد عاقبتموه ظلماً· وانطلقت الحية إلى السائح فدخلت عليه السجن، وقالت له: هذا الذي كنت نهيتك عنه من اصطناع المعروف إلى هذا الإنسان ولم تطعني· وأتته بورق ينفع من سمِّها· وقالت له: إذا جاؤوا بك لترقي ابن الملك فاسقه من ماء هذا الورق فإنه يبرئ· وإذا سألك الملك عن حالك فاصدقه فإنك تنجو إن شاء الله تعالى· وإن ابن الملك أخبر الملك أنه سمع قائلاً يقول: إنك لن تبرأ حتى يرقيك هذا السائح الذي حبس ظلماً· فدعا الملك السائح، وأمره أن يرقي ولده· فقال: لا أحسن الرقي، ولكن اسقه من ماء هذه الشجرة فيبرأ بإذن الله تعالى· فسقاه فبرئ الغلام· ففرح الملك بذلك وسأله عن قصته، فأخبره· فشكره الملك، وأعطاه عطية حسنة، وأمر بالصائغ أن يصلب· فصلبوه لكذبه وانحرافه عن الشكر ومجازاته الفعل الجميل بالقبيح· ثم قال الفيلسوف للملك: ففي صنيع الصائغ بالسائح، وكفره له بعد استنقاذه إياه، وشكر البهائم له، وتخليص بعضها إياه، عبرة لمن اعتبر، وفكرة لمن تفكر، وأدب في وضع المعروف والإحسان عند أهل الوفاء والكرم، قربوا أو بعدوا لما في ذلك من صواب الرأي وجلب الخير وصرف المكروه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©