الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إيزابيل الليندي·· البكاء على الذكرى المفقودة

إيزابيل الليندي·· البكاء على الذكرى المفقودة
13 أكتوبر 2007 00:24
'' حصيلة الأيام''، الرواية الجديدة لايزابيل الليندي التي صدرت اوائل سبتمبر 2007 و''رفيق الدرب '' هو أحد فصول هذه الرواية والذي يتناول علاقة ايزابيل مع زوجها الاميركي الليندي ويللي· النص بالمقارنة مع ''لاغارتو ايمبلومادا'' صديق دربي فإن ''ويللي'' هو أم حقيقية ترعاني· وبمقارنتها مع البعثات إلى أخر بقاع التيبر، فإن رحلات عملي الصغيرة كانت مؤسفة، والتي لطالما تركتني منهكة· فبين أوقات قصيرة كان عليّ أن أركب الطائرات ،حيث كان علي أن أدافع بخجل مريع ضد فيروسات وبكتيريا المسافرين· كنت قد أمضيت أسابيع وأنا غائبة ،وأياما كاملة وأنا أحضـّر الخطابات· لا أعرف كيف كنت أسرق الوقت للكتابة· تعلمت الحديث أمام الجمهور من غير هلع، وأن لا أضيع في المطارات، وأن أنجو بمحتويات حقيبة صغيرة، وأن أوقف سيارة أجرة بصفرة، وأن أبتسم للناس الذين يلقون التحية عليّ، مع أن معدتي كانت تؤلمني وحذائي يضغط على قدمي· لا أذكر أين كنت، ليس مهما· الذكرى الوحيدة أعرف أنني جبت أوروبا واستراليا ونيوزيلندا وأمريكا اللاتينية وقسما من أفريقيا وآسيا والولايات المتحدة الأميركية كلها، عدا ولاية داكوتا الشمالية· في الطائرات كنت أكتب بشكل يدوي إلى أمي لأخبرها عن مغامراتي· لكن عند قراءة الرسائل لاحقا بعد عقد من الزمن فقد كانت الأشياء تبدو وكأنها حدثت مع شخص آخر· الذكرى الوحيدة التي لا تزال حية هي عن الذهاب إلى مسرح نيويورك في فصل الشتاء، والتي سببت لي ألما إلى أن تمكنت لاحقا من التطهر منه بعد رحلة إلى الهند· كان ويللي قد اجتمع معي في نهاية الأسبوع ،وانتهينا بزيارة '' جاسون '' ومجموعة من زملائه في الجامعة، شباب مثقفون يرتدون سترات جلدية· خلال تلك الشهور التي مضت على الانفصال عن ''سالي'' لم يعد للحديث عن الزواج، كانت لدينا فكرة أن هذه الخطوبة قد انتهت، لأنه هكذا نصحته هي في مناسبتين اثنتين، مع أن جاسون كان يرفضها كليا· وكما يقول هو فإنهما سيتزوجان بعد تخرجه الجامعي فورا· الحي الخامس كنا ويللي وأنا مثارين عاطفيا اثر وداعنا لذلك الطفل· ونفكر به كثيرا· وعندما وصلت للعيش معه، فلقد كان يقضي الليل وهو يقرأ أو يلهو مع أصدقائه الفتيان· كان يصحو عند الرابعة عصرا، ملتفا ببطانية وسخة· ويسمر نفسه في الحديقة الخلفية للبيت ويبدأ بتدخين السجائر، والحديث بالتلفون إلى أن أحركه بضربات على رأسه كي يذهب ليتلقى دروسه· أما الآن فهو قد شق الطريق ليكون كاتبا، وهذا ما كنا نتوقعه دائما لأنه يمتلك الموهبة· مع ويللي كنا نتذكر تلك المرحلة من الماضي، بينما كنا نتمشى في الحي الخامس وسط الضجيج وحشود الناس وإشارات المرور والاسمنت والصقيع، عندها، وأمام واجهة محل يعرض مختارات من المجوهرات القديمة العائدة لروسيا الإمبراطورية، - عندها - شاهدنا امرأة تقبع على الأرض وهي ترتجف· كانت افريقية أميركية، متسخة، ملتفة بقطعة قماش وكيس قمامة اسود، وكانت تبكي· كان الناس يمرون بها على عجل، دون أن يروها· كان نحيبها يائسا جدا، وبالنسبة لي فكأن العالم كله قد تجمد في لقطة صورة· حتى الهواء توقف للحظة أمام الألم الذي لا سبر لاغواره لتلك المسكينة· قرفصت إلى جانبها وأعطيتها كل ما املك من مال نقدي مع أنني كنت متيقنة أن ''خنزيرا'' سيأتي ليسلبه منها، وحاولت التواصل معها لكنها لا تتكلم الإنكليزية أو أنها كانت ابعد كثيرا عن الكلمات· يا ترى من كانت ؟ وكيف وصلت إلى هذه الحالة من الإهمال؟ ربما جاءت من إحدى جزر الكاريبي أو من الساحل الأفريقي وقذفتها الأمواج إلى الحي الخامس بالصدفة، مثل النيازك التي تسقط على الأرض من أماكن بعيدة· لقد بقيت ممتلئة بالشعور بالذنب والحسرة لأنني لم أتمكن من مساعدتها أو لم أشأ مساعدتها· وتابعنا مشينا، على عجل، وسط البرد وبعد عدة أزقة دخلنا إلى المسرح بينما بقيت المرأة خلفنا ضائعة في الليل· عندها لم أتخيل أنني لن أنساها وان نحيبها سيكون نداء لا يخمد إلى أن مر زوج من السنين لاحقا فلقد أعطتني الحياة الفرصة لأرد عليه· عندما كان ويلي يتمكن من الهرب من العمل ، كان يطير للعثور علي في نقاط مختلفة من البلاد كي نمضي ليلة أو ليلتين معا· مناصرته كانت تقيده وتسبب له إزعاجا أكثر منه متعة· فالزبائن كانوا أناسا فقراء تعرضوا لحوادث في العمل· و كانت أعداد المهاجرين من المكسيك وأميركا الوسطى في تزايد مستمر وغالبيتهم كانوا غير شرعيين· وكذلك كانت كراهية الأجانب تزداد· كان ويلي يقبض نسبة من التعويضات التي كان يفاوض عليها لزبائنه أو يربحها في محكمة، لكن هذه الأرقام كانت بسيطة وفي كل مرة تزداد في بساطتها ومن الصعب تحصيلها· ولحسن الحظ، لم يكن يدفع إيجارا لأننا كنا مالكين لماخور ساوساليتو القديم حيث يوجد مكتبه· كان تونغ محاسبه يقوم بأعمال بهلوان كي يؤمن الرواتب، والحسابات، والمدفوعات، والتأمين، والمعاملات البنكية· فلقد كان هذا الصيني النبيل يحمي ويللي كما لو كان ابنا غبيا، ولقد كان يقتصد إلى درجة وصل بها بخله إلى مستويات أسطورية· وللحقيقة، تؤكد ''سيليا '' على أنه في الليل، وبعد خروجنا من المكتب، كان تونغ يخرج الكؤوس البلاستيكية من القمامة وينظفها ثم يعيد ترتيبها في المطبخ· وللحقيقة ، فإنه من غير تلك العين الحارسة وصرامة المحاسب في المحاسبات لكان ويلي قد غرق· كان عمر تونغ خمسين سنة تقريبا لكنه كان يبدو مثل طالب شاب، نحيل وحجمه صغير، وشعره كأنه شجرة متيبسة، يرتدي ثياب رعاة البقر وأحذيتهم· لم يكن قد تكلم مع زوجته منذ عامين مع أنهما يعيشان تحت سقف واحد ،ولم يتطلقا كي لا يقتسما مدخراتهما وبسبب الخوف من والدته ،وهي عجوز مستبدة وشرسة قد عاشت ثلاثين سنة في كاليفورنيا ،وكانت تعتقد أنها موجودة في جنوب الصين· لم تكن السيدة تتكلم كلمة واحدة بالإنكليزية ،اذ كانت تتبضع احتياجاتها من أسواق '' تشاين تاون ، وتستمع إلى الراديو في الكانتونات ،وتقرأ الجريدة في محل ماندرين في سان فرانسيسكو· لقد كنا تونج وأنا نشترك بالعطف على ''ويللي'' وهذا ما كان يوحدنا ،مع أنه لم يكن أي منا يفهم لكنة الآخر· في البداية عندما كنت لتوي قد وصلت للعيش مع ويللي فلقد اتخذ تونغ موقفا مني وهو عدم الثقة المسبقة ولقد عبر عنها كلما سنحت له الفرصة ذلك· اللغة والعادات في الصباح عندما يكون يحلق لحيته وأنا أراه في المرآة، يحلو لي أن أسأل نفسي من اي الشياطين يكون هذا الرجل الكثير البياض والضخم والأميركي ؟ ولماذا نحن موجودان ؟· عندما تعارفنا كانت بيننا أشياء قليلة مشتركة، فلقد جئنا من أوساط مختلفة جدا وكان علينا أن نمضي باختراع لغة - انجلوإسبانية - لنتفاهم· الماضي· اللغة والعادات كانت تباعدنا، وأيضا المشاكل التي لا يمكن منعها، مشاكل أطفال في عائلة ملتصقة بشكل صناعي، لكننا وبالوكز حققنا فتح فضاء شاسع للحب· كي أتمكن من تأسيسي معه في الولايات المتحدة الأميركية فكان من المؤكد علي أن اترك كل ما لدي ،وان أرتب نفسي كيفما أمكنني على فوضى معركة حياته، لكنه أيضا قد فعل أشياء كثيرة ،مثل التنازلات والتغيرات كي نستمر معا· ومنذ البداية تبنى عائلتي واحترم عملي، ورافقني في كل ما قدر عليه، ودعمني وحماني حتى من نفسي، لم ينتقدني، ويسخر من هوسي بهدوء، لا يدع أحدا أن يتجاوزه، لم يتنافس معي، وحتى في الشجارات التي حصلت بيننا كان يعاملني بنبل· فويللي يدافع عن ميدانه دون أن يبالغ بالتأثر من المخاوف، ويقول انه خط دائرة صغيرة بالطباشير ووضع نفسه بها عداي أنا والقبيلة: حذار من انتهاكه· إن حلاوة شاسعة تغفو باستسلام تحت مظهره القاسي، انه عطوف مثل كلب كبير· ومن غيره، لم اقدر على كتابة الكثير وبهدوء كبير كالذي أقوم به، لأنه يهتم بكل ما يمكن أن يرعبني، ابتداء من اتفاقاتي ومن حياتنا الاجتماعية إلى آلية عمل اغرب الآلات المنزلية· ومع ذلك تفاجأني رؤيته إلى جانبي، اذ تعودت على حضوره الهائل ولم يعد بمقدوري العيش من غيره· فويللي يملأ البيت ويملأ حياتي·
المصدر: ترجمة عن الإسبانية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©