الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا صوت.. أعلى من الموت!

12 ابريل 2016 22:59
الموتُ هو المشروع الوحيد لدى الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لأنَّ الدين عندهم تم اختزاله تماماً في الموت، فالموت تدين وتقوى، والحياة كفر وزندقة. وشعار الإرهابيين هو «احرص على الموت توهب لك الحياة»، ولست أدرى من صاحب المقولة، لكن الحياة عندهم هي الحياة في الجنة وليست هذه الحياة الدنيا التي ينبغي التضحية بها من أجل الفوز بالجنة. ويفسر الإرهابيون الدعاء المأثور: اللهم إني أسألك الشوق إلى لقائك ولذة النظرة إلى وجهك الكريم «بأنه يعني تعجل الموت والحرص عليه والاندفاع نحوه والذهاب إليه انتحاراً على أساس أن كل ميت سيلقى الله وينظر إلى وجهه الكريم». وهذا كلام أبله وساذج لأنّ الشوق إلى لقاء الله والفوز بلذة النظر إلى وجهه الكريم لن يتحققا إلا بأعمال التقرب إلى الله في الحياة الدنيا، أن يعمل المرء الخير والبر شوقاً إلى لقاء الله ولذة النظر إلى وجهه الكريم. أما أن يقتل المرء ويدمر وينتحر شوقاً إلى لقاء الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، فإنه بذلك يكون واهماً ويكون من الذين عن ربهم لمحجوبون يوم القيامة، فالحياة هي طريق المرء للقاء الله والنظر إلى وجهه الكريم وليس الموت. والإرهابيون بلغ بهم العوار الذهني حد التدخل في الشأن الإلهي وترتيب أوضاع الآخرة على هواهم وتقسيم الناس إلى فريق في الجنّة وفريق في السعير. وفريق الشهداء وفريق الذين ماتوا كفرة وفجرة. والبرامج المسماة دينية في عالمنا العربي الذي تحول إلى قبر كبير أكبر داعم للإرهاب، حين يغرق مقدموها في الحديث عن صنوف النعيم في الجنّة وصنوف العذاب في النار وفي القبر أيضاً.. هي برامج تخصصت فقط في الموت والقبر والآخرة، لأن هذا الحديث هو الإيمان والتقوى، أما الحديث عن الحياة، فهو حديث الكفر والغفلة والانحراف. الإرهابيون ومقدمو البرامج المسماة دينية أموات يتحدثون مع أموات، ولا ينبغي أن يتابعهم الأحياء لأن الأحياء كفرة. الإرهابيون ومقدمو البرامج المسماة دينية يرون بعين واحدة لا تعرف سوى رؤية الموت والعذاب والهدم والدمار، ونحن نعرف تماماً أن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، لكن الإرهابيين ومقدمي برامج الموت لم يتحدثوا مرة واحدة عن نعيم القبر، وإنما تحدثوا فقط عن عذابه وأنواع الثعابين والحيّات والعقارب التي به، فهو عندهم فقط حفرة من حفر النار.. ونحن عرفنا منهم عذاب القبر، ولكننا لم نعرف شيئاً عن نعيمه، وساعة هؤلاء وبوصلتهم مضبوطتان على الموت والعذاب. والمواجهة الفكرية للإرهاب مستحيلة لأنها حوار طرشان بين الموت والحياة، وبين الأحياء والأموات، كما أن ما يسمى تجديد الخطاب الديني عمل عبثي.. لأن خطاب الموت غير قابل للتجديد ولأن عقول مقدمي ما يسمى البرامج الدينية الدينية ماتت وتوقف نموها بالموت. ولا سبيل إلى تجديد عقول ميتة، فأنت أمام فكر عام في الأمة العربية قائم على مشروع الموت، إذ يتم يومياً، بل في كل لحظة تديين الموت والقتل والخراب والدمار والإفساد في الأرض وتكفير الحياة والإعمار والبناء. أنت أمام وباء عربي عام يجعل الموت مرادفاً للزهد، ويجعل اليأس مرادفاً للتقوى، ويجعل العذاب أصلاً وقاعدة والرحمة استثناء وفرعاً. أنت وأنا وكلنا أمام وباء عربي خطير وهو إباحة كل المحرمات تحت راية الدين وتحريم كل المباحات تحت سقف الدين، فالحياة حرام والحب حرام والتسامح حرام والفرح حرام. وتحريم الفرح تحت قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)، وهذه نقيصة لغوية فادحة وفاضحة لدى الإرهابيين ومقدمي البرامج الدينية، فالفرح لغةً هو التعبير عن السرور جسدياً. الله سبحانه وتعالى لا يحب التعبير الخارج على النص عن السرور أو الحزن.. فكما أنه سبحانه لا يحب لطم الخدود وشق الجيوب في الحزن، فإنه لا يحب أيضاً الرقص والعري والمساخر في السرور، لكن الله عز وجل أباح الحزن القلبي الوقور والسرور القلبي الوقور. فالسرور والحزن ليسا محرمين، كما أن الغضب ليس محرماً، ولكن الخروج على النص هو المحرم، والغباء اللغوي لدى الإرهابيين ومقدمي برامج الموت هو الذي يؤدي إلى الخلط بين الفرح والسرور أو بين المشاعر وأساليب التعبير عنها، فالإرهابيون ومقدمو برامج الموت يحرمون فطرة الله التي فطر الناس عليها. يحرمون المشاعر الفطرية التي لا بد لنا فيها، فالعين تدمع والقلب يحزن لكن الحرام أن تقول ما يغضب الله. والقلب يفرح ويسعد ويتفاعل ويحب، ولكننا لا نقول ولا نفعل ما يغضب الله، فذلك هو القول والفعل الحرام. مشاعرنا كلها مباحة لأنها فطرية، ولا يشملها أبداً حكم التحريم، لكن حكم التحريم والإباحة متعلق بطرق التعبير عن المشاعر. وعندما نتابع برامج الموت المسماة دينية وسلوكيات الإرهابيين نفاجأ بأن الأمة العربية محكومة بمشروع الموت والإرهاب، وأن الإرهاب هو سيد المشهد سواء كان إرهاباً حركياً نزوعياً أو إرهاباً قولياً كلامياً، وأن هناك حالة من التصيد لكل من يكتب أو يتحدث ضد مشروع الموت والإرهاب. لأن الفكر العربي- إذا صح أن نسميه فكراً- قائم على شعار (من ليس معنا فهو ضدنا)، وهناك دول عربية خصوصاً تلك التي ضربها الخريف دخلت مزاداً مع الإرهابيين، (أي الفريقين يحمي الدين أكثر ويغار عليه أكثر). وهذه الدول بلغت من الهشاشة والضعف بعد تسونامي الخريف العربي حداً أعجزها عن تحدي الفكر الإرهابي والتصدي لمشروع الموت. فراحت تستجيب له وتدخل معه مباراة نفاقية رخيصة، بل لا تستطيع أن تصنف جماعة مارقة على أنها جماعة إرهابية كنوع من خطب ود الإرهابيين الذين لن يرضوا عنا حتى نتبع مشروع الموت الذي يتبنونه. وما يحدث في الدول العربية ليس أبداً مداً إسلامياً أو مداً إيمانياً ودينياً، ولكنه مد نفاقي ومحاولة لركوب موجة الدين القشري السطحي باعتبارها الموجة الأعلى الآن، فالأصل في المشهد العربي هو الحرام والفرع الإباحة. ومعرفة الحرام والتوسع فيه هما مناط الحكم على امرئ بأنه متدين ونقي. أما معرفة المباحات والتبحر فيها فهما مناط الحكم على المرء بأنه منحرف ومنحل ومفرط في الدين، وهذا المشهد العربي الملوث بالنفاق هو الذي ينتج فيروسات وجراثيم الإرهاب والتطرف وينمي مشروع الاستثمار في الموت والتدمير. ويجعل كل شيء في هذه الأمة فارغاً وهشاً، فالبرامج المسماة دينية وجماعات الإرهاب تزرع فينا الخوف منها هي فقط، ولا تزرع فينا الخوف من الله عز وجل. وتزرع فينا الكذب والمداهنة لإرضائها ولا تزرع فينا مراقبة الله في سرنا وعلننا، البرامج المسماة دينية تزرع فينا كراهية الحياة والأوطان. وتقتل فينا الولاء لأي شيء إلا لها ولفكرها. وهو دائماً ولاء خوف وليس ولاء اقتناع. ولاء نفاق وكذب وليس ولاء إخلاص وصدق، وفي ظل تفاقم حالة النباح بين المحرم والمباح لا يبدو لليل الأمة صباح. وفي هذه الأمة لا صوت أعلى من صوت الموت! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©