السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السويسريون وحملة الحزب الشعبي لطرد الخراف السود

السويسريون وحملة الحزب الشعبي لطرد الخراف السود
15 أكتوبر 2007 03:58
تعكس الملصقات المعلقة في أحد التجمعات الحزبية أجواءَ الحملة الانتخابية في سويسرا: صورة ثلاثة خراف بيضاء على العلم السويسري، يركل أحدها خروفا أسود فيُبعده؛ وقد كتب على الملصق: ''من أجل تحقيق الأمن''· الملصق لا تقف وراءه حركةٌ هامشية، وإنما حزبٌ يميني يدعى ''الحزب الشعبي السويسري''، يعد أقوى حزب سياسي في برلمان سويسرا الفيدرالي وعضوا في الائتلاف الحكومي· وقد وُزع الملصق على الأسر السويسرية ضمن عملية توزيع جماعية عبر البريد، ونُشر في الصحف والمجلات، وعلق على اللوحات الإعلانية العملاقة عبر أرجاء البلاد· في وقت يستعد فيه الناخبون للذهاب إلى مكاتب الاقتراع للمشاركة في الانتخابات العامة المرتقبة في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري، تسبب الملصق -والرسالة التي يتضمنها- في تقسيم سويسرا إلى قطبين، وهو بلد يفتخر بالإجماع السلمي في السياسة، والحياد في السياسة الخارجية، والتسامح في العلاقات الإنسانية؛ حيث تحولت الحملة الانتخابية فجأة إلى سجال وطني حول مكانة المهاجرين في واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم، وحول معنى أن يكون المرء سويسريا· وفي تعليقها على الملصق، تقول ''ميشلين كالمي ري'' -الرئيسة الحالية لسويسرا، في إطار نظام المناوبة الذي يدوم عاما واحدا-: ''إن الملصق يصم الآخرين ويلعب على عامل الخوف؛ ولذلك، فإنه خطير· كما أن الحملة لا تتماشى مع انفتاح سويسرا الثقافي على العالم· ولهذا، فإنني أطلب من جميع السويسريين الذين لا يتفقون مع الرسالة التي يحملها، أن يتحلوا بالشجاعة ويعلنوا موقفهم''· من جانبه، أشار وزير الداخلية ''باسكال كوشبان''، وهو من الحزب الديمقراطي الليبرالي، إلى أن تعلق الحزب الشعبي السويسري بـ''كريستوف بلوتشر''، البليونير الذي يمثل القوة الدافعة للحزب ووزير العدل الحالي، يذكر في الواقع بتعلق الفاشيين الإيطاليين بموسوليني· تجد رسالة الحزب صدى قويا لها في أوساط الناخبين الذين شاهدوا تحول هذا البلد -ذي السبعة ملايين ونصف المليون نسمة- إلى ملاذ للأجانب، مثل اللاجئين السياسيين القادمين من أماكن مثل كوسوفو ورواندا؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب اليميني هو المرشح للفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات، وذلك على غرار نتائجه في الانتخابات الوطنية لـ2003 حين منحه خطابه الشعبوي نحو 27 في المائة من الأصوات· في هذا الإطار، قال ''برونو واليزر''، وهو منظف مداخن مرشح للبرلمان باسم الحزب، -خلال تجمع نُظم في إحدى مزارع ''شويرزنباك'' خارج مدينة زيوريخ-: ''يعتقد خصومنا السياسيون أن الملصق عنصري، والحال أنه يحمل رسالة بسيطة فقط''، مضيفا ''إن الخروف الأسود ليس خروفا أسود عاديا لا ينسجم مع القطيع، بل إنه المجرم الأجنبي الذي ليس له مكان بيننا، إنه المجرم الذي لا يحترم القانون السويسري· ولذلك، فنحن لا نريده''· الجدير بالذكر هنا، أن أكثر من 20 في المائة من السكان السويسريين هم أجانب؛ ويجادل الحزب الشعبي السويسري بأن عددا كبيرا بالمقارنة مع حجمهم يخرق القانون، على اعتبار أن العديد من تجار المخدرات هم من الأجانب، وأن 70 في المائة - حسب الإحصائيات الفيدرالية- من نزلاء السجون ليسوا سويسريين· وفي إطار برنامجه السياسي، بدأ الحزبُ الشعبي السويسري حملة من أجل جمع المائة ألف توقيع الضرورية من أجل تنظيم استفتاء حول السماح للقضاة بترحيل الأجانب الذين يرتكبون جرائم خطيرة بعد قضاء العقوبات السجنية؛ كما يدعو المقترح كذلك إلى ترحيل كامل أفراد الأسرة في حال كان المجرم المدان قاصرا؛ بيد أن نشطاء حقوق الإنسان يحذرون من أن المقترح يُذكر بممارسة نازية تدعى ''سيبنهافت''، أو ''المسؤولية القانونية بسبب القرابة''، والتي كان يحمَّل بموجبها أقاربُ المجرم المسؤوليةَ ويعاقبون عن جرائم لم يرتكبوها· والواقع أن أجندة حملة الحزب السياسية تتعدى مجرد محاربة الجريمة؛ ذلك أن رسالته المبطنة تكمن في أن تدفق الأجانب تسبب في تلويث المجتمع السويسري، مما أنهك نظام الرفاه الاجتماعي ويهدد هوية البلاد· وإذا كان معظم أوروبا قد اختارت طريق الوحدة، فإن سويسرا استماتت في الحفاظ على استقلالها، حيث ظلت خارج بلدان الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وحافظت على وضعها كفردوس ضريبي بالنسبة لأغنياء العالم· وعلاوة على ذلك، فإن سويسرا تمتلك ربما أطول وأشق عملية للحصول على الجنسية مقارنة مع جميع بلدان أوروبا؛ إذ يتعين على المرشحين عادة الانتظار 12 عاما قبل أن يُنظر في طلباتهم· وقبل ثلاث سنوات حال الحزب الشعبي السويسري دون تمرير مشروع قانون يقضي بتحرير عملية التجنيس، واستعمل من أجل ذلك صورة أياد سوداء تنتزع جوازات سفر سويسرية· ورغم أن شبح الإرهاب لم يشكل تهديدا لسويسرا، إلا أن بعض الملصقات جنوب سويسرا أظهرت وقتها أسامة بن لادن حاملا جواز سفر سويسريا مزورا· ويشتكي الأجانب الذين يشكلون ربع اليد العاملة السويسرية من صعوبة الحصول على وظيفة، أو امتلاك شقة من دون جواز سفر سويسري، إضافة إلى تحمل الإزعاج اليومي الذي لا يعانيه المواطنون السويسريون· وفي هذا السياق يقول ''جيمس فيليب''، وهو مواطن من هايتي في الثامنة والعشرين من عمره ويعيش في سويسرا منذ 14 عاما، يقول إنه كثيرا ما يتعرض للتوقيف من قبل أفراد الشرطة الذين يطلبون منه أن يريهم أوراقه قبل أن يخضعوه للتفتيش الجســـدي، ويضيـــف: ''إن الشرطـــة تعاملني كمــا لــو أنني لســـت بشـــرا، ولكنني عندما أتحــدث معهـــم بالألمانيــة السويسريــة، فإنهم دائما يصابون بالصدمة''· غير أن حملة الحزب الشعبي السويسري بدأت تحث ارتدادات، حيث زعزعت صورة سويسرا كمكان للرخاء والهدوء والاستقرار -ولاسيما من أجل الاستثمار- حيث انتقد ائتلاف يضم زعماء شركات ونقابات وكنائس في مدينة بازل الحزبَ الشعبي السويسري على خلفية ما وصفوه بتطرفه قائلين: ''إن الذين يميزون ضد الأجانب إنما يضرون بالاقتصاد ويهددون الوظائف في سويسرا''· ويقول ''دانييل جيني'' المحامي ومؤسس ''لجنة الخروف الأسود'' التي تتنافس للوصول إلى البرلمان: ''في الماضي، كان الناس يترددون في مهاجمة الحزب خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تقويته؛ أما اليوم، فقد بدأ الناس يشعرون بأنهم قد تحرروا؛ فلم يعودوا يقبلون لعب دور الأرنب الذي لا يحرك ساكنا، منتظرا انقضاض الثعبان عليه''· مراسلة نيويورك تايمز في شويرزنباك، سويسرا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©