الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان والحرب ضد الخشخاش

أفغانستان والحرب ضد الخشخاش
15 أكتوبر 2007 03:59
أفضى توسعُ زراعة الخشخاش في أفغانستان إلى تنافسٍ بين صناع السياسة على صياغة سياسة ناجحة وفعالة لمحاربة المخدرات· فقد تجاوز إنتاج هذا العام من الأفيون في أفغانستان الإنتاجَ القياسي للعام الماضي بـ34 في المائة؛ وبـ 8200 طن يكون إنتاج الأفيون قد بلغ مستوى غير مسبوق في تاريخ تجارة المخدرات منذ الحرب العالمية الأولى· ولكن رغم البحث المكثف عن حل لمعضلة المخدرات، إلا أنه من غير المرجح أن تتمكن أي سياسة لمحاربة المخدرات من تقليص زراعة الخشخاش في أفغانستان بشكل عام ودائم ما لم يعرف الوضع الأمني تحسنا حقيقيا، ويعم الاستقرار أرجاء البلاد· تعد السيطرة الحقيقية للحكومة على كامل التراب الأفغاني وغياب النزاع المسلح، شرطين أساسيين للقضاء على المحاصيل غير القانونية؛ ففي حركات التمرد الكبرى والحروب الأهلية، لم تنجح أي سياسة لمحاربة المخدرات في القضاء عليها، وهو أمر ينطبق على كل من التدابير الإكراهية، مثل القضاء على زراعة الخشخاش بالقوة، والمقاربات غير الإكراهية، مثل برامج كسب العيش البديلة· تقدم الصين خلال عقد الخمسينيات مثالا على نجاح جهود القضاء على زراعة الخشخاش بالقوة؛ فبعد أن أحكم قبضته على السلطة عبر ربوع البلاد، تبنى ''ماو تسي تونج'' إجراءات وتدابير جذرية -مثل سجن ملايين المدمنين، وإعدام مجرد من يُشتبه في كونهم تجار مخدرات، وإحراق حقول الخشخاش- قضت على زراعة هذه النبتة في الصين· غير أن ''ماو'' لم يشرع في هذه الخطوات إلا بعد أن بسط سيطرته على البلاد· أما المثال على نجاح وسائل كسب العيش البديلة في القضاء على زراعة الخشخاش على مستوى تايلاند، فقد كان شرط الأمن الدور الرئيسي في نجاح سياسات محاربة المخدرات؛ ففي عقد الستينيات، وبينما كانت الحكومة تواجه العديد من الحركات المتمردة، جربت تايلاند القضاء على الزراعة الخشخاش بالقوة في المناطق المرتفعة، غير أن هذه المقاربة لم تعمل سوى على دفع السكان الذين يزرعون الأفيون إلى التقرب من المتمردين؛ ونتيجة لذلك، اضطرت الحكومة لتعليق عمليات القضاء على الخشخاش، وركزت جهودها على تحسين الأوضاع الأمنية، ولم تعد إلى استئناف عمليات القضاء على زراعة الخشخاش -التي نجحت فيها هذه المرة- إلا بعد القضاء على حركات التمرد واعتماد برامج كسب العيش البديل منذ 15 عاما· أما في تركيا، فقد نجح الترخيص لزراعة الخشخاش لأغراض طبية خلال السبعينيات في إنهاء زراعته غير القانونية، وهو ما نجح بسبب وجود سوق دولية رائجة للعقاقير المستخلصة من الخشخاش، ودعم الولايات المتحدة، والأهم سيطرة الحكومة التركية على مناطق زراعة النبتة ومراقبتها باستمرار· في مقابل ذلك، كانت جميع الجهود الرامية إلى تقليص زراعة الخشخاش في أوقات النزاعات تبوء بالفشل، كما حدث في بيرو خلال الثمانينيات بعدما منيت جميع الجهود في القضاء على زراعة ''الكوكا'' ومنعها، وتوفير طرق كسب العيش البديلة التي كانت تمولها الولايات المتحدة، بالفشل مقابل انفجار في زراعة الكوكا إلى 130000 هكتار، بسبب سيطرة منظمة ''الدرب المضيء'' على المناطق الريفية، ولم تفلح الحكومة في تقليص زراعة النبتة سوى بعد أن تم القضاء على هذه المنظمة في مطلع التسعينيات· أما في كولومبيا، ورغم عمليات الرش الضخمة على مدى سبع سنوات، إلا أن كولومبيا مازالت أكبر منتج للكوكايين في العالم، فوجود حركة تمرد مسلحة يُضعف فعالية جهود القضاء على زراعة المخدرات بالقوة، بينما يُضعف انعدام الأمن قدرة برامج كسب العيش البديل على النجاح والإقلاع· تقول الأطروحة المضادة إنه لا يمكن تحقيق الأمن والتغلب على المتمردين من دون حرمانهم من مداخيل المخدرات؛ والحال أن جهود القضاء على زراعة المخدرات لم تنجح في إفلاس المتمردين في أي مكان حتى الآن، لا في تايلاند في الستينيات والسبعينيات، ولا في البيرو أو بورما خلال الثمانينيات، ولا حتى في كولومبيا اليوم، حيث عائدات المخدرات بالنسبة لـ''القوات المسلحة الثورية لكولومبيا'' ما زالت تقدر بـما بين 60 مليونا و115 مليون دولار سنويا· ماذا يعني ذلك بالنسبة لأفغانستان اليوم؟ الحقيقة أنه ما لم يتحقق الأمن، فإنه لن يُكتب لأي سياسة لمحاربة المخدرات النجاح في تقليص المساحات المزروعة بشكل عام ودائم· كما أن القضاء على طالبان لن يتم عبر القضاء على زراعة الخشخاش؛ فالمتمردون قادرون على إيجاد وسائل تمويل أخرى، كالتبرعات وغير ذلك من الأنشطة غير القانونية، وعلاوة على ذلك، فإن عمليات القضاء على زراعة الأفيون لن تعمل سوى على توثيق وتوطيد العلاقات بين المتمردين ومزارعي الخشخاش؛ ولعل أقصى ما يمكن أن تحققه سياسات محاربة المخدرات في غياب الاستقرار، هو الحد من قوة النخب الإجرامية· أما إذ أريدَ تحسين الأوضاع الأمنية فعلا، فلا بد من تعزيز قوات ''الناتو'' على وجه السرعة بجنود إضافيين، ولابد من تعاون أكبر من قبل باكستان، وتقنيات أفضل للتمييز بين المدنيين والمتمردين· ذلك أنه لا يمكن لسياسات محاربة المخدرات أن تنجح في تقليص المساحات المزروعة إلا حين يتم إرساء الاستقرار؛ وحينها سيتعين الاقتداء بمثال تايلاند، وليس المثال الصيني· أستاذة بجامعة جورج تاون، وزميلة مؤسسة بركينغز ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©