الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرثوذكسية... والفجوة بين الشرق والغرب

الأرثوذكسية... والفجوة بين الشرق والغرب
16 أكتوبر 2007 23:28
على امتداد عدة عقود، كان لعلماء الاجتماع الكثير مما يقولونه بشأن أمرين يتعلقان بالديانة الأرثوذكسية المسيحية الشرقية، أولهما: أنها ماضية نحو الانحسار مع تقدم المد العلمي الحديث، كباقي الديانات· وثانيها: أنها تستمد معظم الدعم الذي تحظى به من الدوائر اليمينية الرجعية، ذات الاتجاهات الشمولية أو الوطنية اليمينية المحافظة، ولكن هاهو الواقع يثبت خطأ تلك الافتراضات، بعودة الآلاف إلى الكنيسة الأرثوذكسية في دول أوروبا الشرقية زرافات ووحدانا؛ ليس ذلك فحسب بل إن الأثر العام لازدهار الكنيسة الأرثوذكسية في هذه الدول، يعد إيجابيا وحميداً حتى هذه اللحظة· وعلى الرغم من النظر بعين الريبة والشك إلى المذهب الأرثوذكسي المسيحي، لا سيما من قبل أتباع الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية الأوروبيتين، إلا أنه في وسع هذا المذهب تجسير الفجوة القائمة ما بين روسيا والغرب· لعل في قلب انعدام التواصل بين روسيا وأوروبا اليوم، تطلع المسيحيين الأرثوذكس غير المعترف بهم، لأن يعترف بهم باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الثقافة الأوروبية العامة، وكانت آخر الجهود الأرثوذكسية المبذولة في سد هذه الهوة، ما أدلى به البطريرك ''ألكسي الثاني'' من تعليقات عن ضرورة حفز الهوية المسيحية الأوروبية المشتركة تاريخياً، للحوار حول قضايا بعينها مثل حقوق الإنسان والسلام، مع أهمية أن يشمل هذا الحوار ''اللادينيين'' وأصحاب المعتقدات الأخرى، كما أشار إلى وجود رابطة من القيم الثقافية والسياسية تربط ما بين شرق أوروبا وغربها، على رغم ما يبدو بين الطرفين من خلاف وتوتر في شتى القضايا السياسية المثارة بينهما على الساحة· وربما لا يروق للسلافيين الوطنيين الروس تذكر حقيقة أن كاتبهم العملاق ''فيودور دستويوفسكي'' قد نظر إلى أوروبا دائماً باعتبارها الحضارة الأم لبلاده روسيا، على رغم ما عرف به من انتقادات غير مهادنة للنزعة العلمانية الغربية· أما في الغرب، فإن لهذه النظرة المتعالية الكثير من حرمان الديانتين -الكاثوليكية والبروتستانتية لمن يختلفون معهما في الرأي الديني- من صوت مكافئ لهما في الحوار· وفي كلتا الحالتين فكثيراً ما تم النظر إلى المذهب المسيحي الأرثوذكسي كما لــو كــان جزءا مــن المشكلــة القائمـــة بيـــن الغــرب والشرق، بدلاً من النظر إليه باعتباره جــزءا من الحـــل كمـــا يفترض· ويعود هذا الشك في الأرثوذكسية الشرقية إلى قبل حدوث الانشقاق الكبير، الذي انقسمت بسببه الكنيسة المسيحية نفسها في عام ·1054 وخلال المائة والخمسين عاماً الماضية، دفعت نيران ذلك الشك الصليبيين المتشددين إلى المضي قدماً في فصل القسطنطينية وإبعادها عن دائرة النفوذ المسيحي· وفي القرن الثامن عشر، تحول الشك نفسه إلى موضوع رئيسي لتفسير المؤرخ الإنجليزي الشهير ''إدوارد جيبون'' لاضمحلال وانهيار الإمبراطورية الرومانية، وهو التفسير الذي انعكست أصداؤه لاحقاً في كتابات كل من ''أوزوالد شبينجلر'' و''آرنولد توينبي''، أما في العصر الحديث، فقد حذّر المفكر الأميركي ''صمويل هنتجتون'' صراحة من احتمال نشوب صراع بين الحضارة السلافية الأرثوذكسية الشرقية، ومقابلتها الكاثوليكية-البروتستانتية في الغرب· والآن وعلى رغم التوسع الهائل الذي طرأ على مؤسسات الاتحاد الأوروبي وعضويته، خاصة مع امتداداته الشرقية الكبيرة، فإن من المتوقع أن تسهم في تشكيل قيم مؤسساته وتحالفاته الجديدة، العناصر ذات الرؤى التقليدية في أوساط المسيحيين الأرثوذكس، أكثر مما يسهم في تشكيلها البروتستانت العلمانيون الحاملون لقيم الديمقراطية الغربية· وتشير الإحصاءات الحالية إلى تفوق أعداد المسيحيين الأرثوذكس على نظرائهم البروتستانت على امتداد أوروبا كلها، بينما يقدر لنسبهم أن تفوق نسب المسيحيين الكاثوليك الرومان في نهاية الأمر· على المدى البعيد، فربما ينجم التحدي الرئيس الذي ستواجهه الهوية السياسية الأوروبية من تنامي أعداد الجاليات المسلمة في شتى دول القارة، إلا أن التحدي الآني الذي تواجهه هذه الهوية، هو كيفية تعاملها مع ما يقدر بنحو 140 مليوناً من المسيحيين الأرثوذكس، فما أن تتاح الفرصة لهؤلاء للإدلاء بأصواتهم في صنع السياسات الأوروبية حتى ترتفع أصواتهم بالمطالبة بأن تعطى الأديان والمذاهب والمعتقدات المختلفة ما يليق بها من دور ومكانة تعبر عن كثافتها السكانية في صنع سياسات القارة الاجتماعية بصفة خاصة· هناك طريقتان لمواجهة هذا التحدي، أولاهما التشبث بالمفهوم الضيق للغرب، أي أن تكون العلمانية المعاصرة، بمثابة المعيار الذهبي لقياس الديمقراطية، ورغم ما حققه هذا المعيار من نجاح ملحوظ إبان حقبة الحرب الباردة، إلا أنه حافل بأسباب النزاع الداخلي في مؤسسات الاتحاد الأوروبي حالياً، وثانيتهما: توسيع مفهوم الغرب عبر الحوار مع المسيحيين الأرثوذكس، شريطة أن يكون الهدف من هذا الحوار، هو تسليط الضوء والاهتمام بالجذور والتقاليد المشتركة بين شتى المذاهب والأديان المسيحية· وهذا هو الخيار الأفضل في اعتقادي· وهنا تستطيع الكنيسة الأرثوذكسية أن تلعب دوراً لا غنى عنه في تجسير الفجوة الفاصلة ما بين الشرق والغرب المسيحيين· مراسل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في روسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©