الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بناء العراق في صمت

16 أكتوبر 2007 23:28
لقد سئمت من سماع كل الأشياء المريعة التي تحدث في العراق من دون أن أسمع ولو مرة شيئا عن الأمور الجيدة، بينما هناك أشياء جيدة تستحق أن تذكر· لقد أُرسلت إلى الخدمة هناك لأزيد من 24 شهرا منذ أن بدأت هذه الحرب، ولي قصة أريد أن أحكيها، بالأصح هي لضابط عملت بمعيته، وضباط صف وجنود رائعين ضحوا بـ15 شهرا بعيدا عن أسرهم· على مدى أشهر خلال السنة الماضية، توليت قيادة فصيلة بقاعدة أميركية كبيرة شمال ''تكريت''، كنت مسؤولا عن تأمين المنطقة المحيطة بالمدخل الرئيسي؛ وفي أبريل الماضي، بدأتُ العمل مع مجموعة بخصوص مبادرة تسميها الحكومة الأميركية اختصارا بـ''إيبيز''، أو ''المنطقة التجارية والصناعية العراقية''· وهي مبادرة تهدف إلى إتاحة فرص أكثر للشركات العراقية للفوز بعقود أميركية، لتتمكن من النمو والعمل على تدريب العراقيين مهارات مهنية مختلفة مثل النجارة والرصاصة والأعمال الكهربائية· وتتمثل في مكتب التعاقد، ومصنعيْن عراقيين -واحد لصناعة الخرسانة والثاني لتفتيت الصخور وتحويلها إلى حصى- إلى جانب ساحة للإفراغ والشحن ومنطقة لتعليم المهارات، ومن شأن هذه المنطقة أيضا أن تمكن الحكومة الأميركية من توفير مبلغ مهم من الأموال من خلال توظيف العمالة العراقية الرخيصة للاضطلاع بالمهام التي يقوم بها عادة المتعاقدون الأجانب· كل يوم، ينهض الجنود بمهامهم في مواقع قتالية عديدة أو في أبراج الحراسة، معرضين أرواحهم للخطر دفاعا عن هذه الفكرة التي تسمى ''إيبيز'' -أطلق عليه رسميا ''مركز صلاح الدين التجاري'' نزولا عند رغبة زعماء عراقيين-، فكان جنودنا يديرون أنظمة الأمن والمراقبة التي تقوم بتفتيش العراقيين والآلاف من الموظفين، ويراقبون من على متن مركبات ''هامفي'' المدرعة المتعاقدين الذين يشيدون الحواجز حول مصنع الخرسانة الجديد وتفتيت الصخر· يجب أن أعترف بما رأيت حين عدت إلى هنا هذا العام من أجل دورة ثانية من الخدمة، الحقيقة أنني لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي ما إن كانت شبكتا الماء والصرف الصحي قد تحسنتا، ولكن الأكيد هو أن القاعدة التي كنت أعيش فيها غدت أكبر من حجمها الأصلي بثلاث مرات، وأصبحت أكثر راحة وأنسة مقارنة مع القاعدتين الصغيرتين الأخريين اللتين عشت بهما قبل عشرين شهرا· العديد من العراقيين الذين تحدثت معهم وقتها كانوا يعبرون عن قلق حقيقي حيال الفرق بين أحوال عيش الأميركيين في العراق والعراقيين· ولكن الأمور اليوم بدأت تتغير؛ صحيح أن التغيير لم يحدث بالسرعة التي كنت آملها، إلا أن بعض العراقيين بدأوا يرون أن ثمة أشياء تتحسن بالنسبة لهم أيضا· فقد رأوا مثلا انطلاقة بعض المشاريع، وسمعوا تصريحات عسكريين أميركيين حول توفر 35 مهنة جديدة قريبا غير بعيدة عن القاعدة· صحيح أن العديد من الريفيين قللوا من شأن هذا الأمر باعتباره وعدا أميركيا آخر لم يوفَ به، ولكن أعمال البناء مستمرة، وقد تحول القول إلى فعل؛ حيث فتح المشروع واصطف نحو 100 عراقي ليتنافسوا على الوظائف· خلال الشهر الأول بعد افتتاح مكتب التعاقد في يونيو المنصرم، نمت العقود العراقية في الإقليم بأكثر من 20 في المائة، محققة نحو 4 ملايين دولار· وقد رأى الريفيون العراقيون نشوء مصنعيْن عراقيين في منطقة شبه آمنة في أقل من شهرين، وفوزهما بعقود مهمة مختلفة كانت تذهب عادة إلى الشركات التركية، وعلاوة على ذلك، فقد تلقى 35 عراقيا من أربع بلدات صغيرة تدريبات مهنية في النجارة والرصاصة والأعمال الكهربائية، وكلها وظائف توفر الغذاء وراتبا محترما حسب المعايير العراقية· واليوم، عندما نقول لهم إن 85 وظيفة ستصبح متوفرة الشتاء المقبل بعد توسيع برنامج ''إيبيز'' التدريبي ليشمل اللحام وإصلاح المحركات الصغيرة والمكيفات الهوائية، فإن العراقيين يَبدون أكثر ميلا إلى تصديقنا، وإن كانت ''نون الجماعة'' ستتغير بعد انتهاء دورة خدمة فصيلتنا ومغادرتنا للساحة· لقد تلقيت التقدير والاستحسان ودعوات الغداء من متعاقدين عراقيين تقديرا لما قمنا به في إطار برنامج ''إيبيز''، والحال أن جنودي هم الأبطال؛ والفضل يعود لهم· بالطبع، هم ليسوا الوحيدين؛ فالعشرات من الضباط والجنود الآخرين والمتعاقدين المدنيين واللغويين في القاعدة العسكرية لعبوا دورا مهما جدا في تحويل هذه الفكرة إلى واقع· صحيح أن بعضهم تحفظ على الفكرة في البداية اعتقادا منهم أنها تشكل خطرا أمنيا كبيرا، وستكون بمثابة مغناطيس يجذب الهجمات؛ في حين عارضها بعضهم صراحة· ولكن الفكرة انتصرت في نهاية المطاف لأنها كانت فكرة جيدة، بل ممتازة· نقيب أميركي في دورة خدمته الثانية بالعراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©