30 مارس 2008 03:44
يدخلون النفق المظلم من دون قصد، بسبب طيش وتهور وسرعة الآخر، فيلحق بهم الأذى الذي يصل أحياناً حد الموت، وثمة من يدخلون النفق ذاته بسبب لامبالاتهم وتعاملهم باستخفاف مع سياراتهم والطريق الذي يمتد أمامهم· بعضهم يخرج من النفق و يتعافى لكن التجربة الأليمة تترك آثاراً في الجسد وألماً في القلب وندوباً في الذاكرة، يسترجعها بعض الذين واجهوا الموت في هذا التحقيق:
قبل الدخول إلى الروايات لا بأس في دق ناقوس الخطر والقول ''إن حوادث السير ستحتل المرتبة الثالثة في مسببات الوفاة عام 2020 إن لم يتم تدارك المسببات، ومن ضمنها التجاوزات المتصلة بسلوكيات آداب الطرق من قبل مستخدميها''، كما جاء في دراسة متخصصة لمركز ''أورينت'' صدرت في ·2007
كانت ميساء دياب مراسلة تلفزيون فلسطين، في طريقها إلى دبي عندما وقع حادث ''ثلاثاء الضباب'' صباح الثلاثاء الموافق 11 من مارس الجاري على الطريق السريع بين أبوظبي ودبي، وهكذا كانت شاهدة على الحادث وتضررت سيارتها بسببه، تقول: ''كان الضباب هو السبب الرئيس في الحادث، فالرؤية كانت معدومة تماماً، ولهذا اصدمت السيارات ببعضها، واندلعت الحرائق في السيارات وما حولها· وأصبت بشق في شفتي العليا وإصابة وشرخ في الكتف· وبسبب ظروف الحادث تأخر نقلي إلى المستشفى كثيراً، لكن الناس هرعوا إلينا من الجهة المقابلة لتقديم العون لنا''·
وتعتقد ميساء أن ''منطقة الخليج العربي تتعرض لتغيرات متلاحقة في الجو تفترض إصدار قوانين حماية جديدة، وأنظمة سلامة عالية وأكثر تطوراً لمستخدمي الطريق''·
ويروي محمد المنصوري أحد شعراء الساحة الشعبية في الدولة، معاناته المؤلمة بسبب حادث اصطدام وقع بالقرب من ميناء جبل علي، يقول: ''إثر سقوط حاوية لنقل السلع من شاحنة يقودها سائق أرعن على مقدمة سيارتي التي كانت في الحارة الثانية من الطريق، توفي أخي وأصيب ابنه بجروح، فيما تهشم عظم حوضي في الطرف الأيسر، ورقدت في المستشفى لمدة سبعة شهور بلا حراك ذقت خلالها الأمرين ما بين حزن الفقد على أخي وآلام الجسد· ولا زلت إلى اليوم رغم مرور خمسة أعوام على الحادثة أعاني من كوابيس، وأتردد كثيراً في قيادة السيارة خارج الإمارة''·
أما الملازم سلطان القبيسي فطلب الانتقال إلى منطقة إقامته بسبب حادث ترك صدمة نفسية لديه حتى بات يخشى قيادة السيارة لمسافة بعيدة، يقول: ''كنت قادماً من الشارقة إلى أبوظبي، وكانت أمامنا شاحنة صغيرة ''نصف نقل''، وإذا بقطعة حديدية من ناقل الحركة تنفصل من الشاحنة وتسقط على الطريق لترتطم بسيارتي، فخرجت عن المسار وارتطمت بجزيرة مستطيلة متجاوزاً إلى الطرف الآخر من الطريق· تحطمت السيارة وخرج ناقل الحركة من مكانه كلياً· لكن رعاية الله أنقذتنا من موت محقق''·
بينما تترجم المترجمة ليلى حمصي مشاعرها إلى بكاء حين تعود بالذكرى إلى عام مضى، وتقول: ''عدت من المطار بعد وداع والدتي، فاصطدمت بسيارتي سيارة ''هامر'' دخل صاحبها الطريق ''بعكس السير''، وكان مخموراً ويقود بسرعة كبيرة، فانكسرت نظارتي ودخل زجاجها في عيني وشعرت للحظة أنني فقدت بصري· وعلى الرغم من شفائي التام، وثقتي بقيادتي، ما زلت أعاني من مخاوف تنتابني كلما قررت قيادة السيارة''·
كانت مها الصابر بائعة ألبسة جاهزة تحسب أن حوادث السير تقع فقط على الطرق الخارجية، إلى أن استقلت سيارة أجرة خلال صيانة سيارتها الخاصة، وحدث لها ما حدث، تقول: ''اصطدمت بنا سيارة من نوع ''كاديلاك'' يقودها شاب صغير السن، فانحرفت سيارة الأجرة واصطدمت بجزيرة مجاورة، وسالت الدماء من فمي وساقي، وتبين أن لدي كسرا في عظم الفخذ ووضعوا لي سيخاً لا يزال في العظم منذ عامين، لكن ذلك الحادث لم يحبطني لأنني أثق بقدراتي في السياقة وأبدي الحرص دائماً''·
أما اللاعب خالد اسماعيل فقد وقع له حادث سير رغم أنه كان داخل المدينة ولم تكن سرعة سيارته تتجاوز 80 كم، يقول: ''توقفت السيارة التي تسبقني بأمتار فجأة خشية أن يصدم سائقها طفلاً قطع الشارع بشكل فجائي! فاصطدمت بسيارته، مما أدى إلى ارتطام سيارتين خلفنا ببعضهما وبنا· تضررنا جميعاً، لكن إصابتي كانت الأقسى حيث عانيت من كسرين في يدي وقدمي اليمنى، منعاني من النوم والراحة والعمل وممارسة حياتي بشكل عادي لفترة امتدت حوالى شهرين''·
يمتلك كثير من الناس فضيلة الشجاعة ليعترفوا بأخطائهم في القيادة، ومنهم جمال الفيشاوي الذي يقول: ''كنت أقود سيارتي ''الكامري'' بسرعة عالية، وعند أحد التقاطعات فوجئت بسيارة قادمة، فحاولت تفاديها محولاً السيارة إلى الجهة الأخرى فارتطمت بسيارة ''ميتسوبيشي'' كانت تحاول التجاوز· والنتيجة أنني أصبت بكسر مضاعف في يدي مع خدوش في جبيني، وأصيب سائقها بكسر في ساعده الأيسر وجرح عميق في أعلى جبهته· وتقدم بشكوى ضدي في المحكمة وحكم له القضاء بأربعين ألف درهم''·
ولا تخفي مريم خليفة، موظفة مقسم اتصالات، شعورها بالندم الشديد لأنها تسببت بالضرر نتيجة السرعة الزائدة، تقول: ''اصطدمت سيارتي بسيارة كنت أحاول تجاوزها من جهة اليمين، وأدى الارتطام الى اندفاعنا معاً وخروجنا عن المسار وانزلاقنا نحو الرصيف الذي اجتزناه وانقلبنا نتيجة الاصطدام القاسي على الرمال، وحمداً لله أن السائق الآخر لم يصب بأذى، بينما أحسست خلال الانقلاب أنني أقف أمام الموت''·
وتروي ''موزة م'' معلمة لغة عربية، حكاية أخرى عن السرعة الزائدة، تقول: ''كنت عائدة وزوجي من المزرعة وكنا نسير في طريق وعر، وكان زوجي يسوق بسرعة كبيرة وأنا أطالبه بأن يخفف سرعته لأنني خائفة جداً وهو لا يستجيب لي، وفي ثوانٍ قليلة اصطدمنا بسيارة دفع رباعي، وانقلبت سيارتنا على قارعة الطريق واستوت على ظهرها· أصيب زوجي في رأسه وكُسرت قدمه، واستمر يعالجها بوضع مسامير طبية في عظم الساق لمدة أربعة شهور، وأصبت أنا إصابة خفيفة''·
20-22 % من قضايا المحاكم تتعلق بالحـوادث
تضم أبوظبي حسب إحصائية زودتنا بها غرفة تجارة وصناعة أبوظبي 29 مكتباً للتدريب على السياقة، فضلاً عن مدرسة الإمارات لتعليم قيادة السيارات: ''24 مكتباً (منها مدرسة واحدة) لتعليم قيادة السيارات، 3 مكاتب لتعليم قيادة الآليات والمركبات الثقيلة، مكتبان لتعليم قيادة الدراجات النارية''· كما أفادنا قسم الإحصاء بالغرفة بوجود 291 مكتباً لتأجير السيارات في أبوظبي موزعة في مناطق الإمارة داخل العاصمة وخارجها، وتشمل مدينة العين·
وبالاتصال مع أصحاب 20 مكتبا من مناطق الدولة المختلفة تبين أن متوسط عدد السيارات المعدة للتأجير نحو 10 سيارات -تقريباً- لدى كل مكتب، تؤجر يومياً، ونسبة إشغالها من قبل السياح وزوّار الإمارة يصل إلى 65%، وأن نسبة 50% من السيارات المملوكة لهذه المكاتب تعرضت لحوادث سير تصنّف خطيرة، وتتسبب بخسائر فادحة على الرغم من تعويضات شركات التأمين التي يبلغ عددها في الدولة 51 شركة مسجلة لدى وزارة الاقتصاد·
وأشار مكتب المتابعة في ''محاكم أبوظبي'' إلى أن قضايا ''حوادث السير'' شكّلت في العامين الأخيرين نسبة تراوحت بين 20-22 % من القضايا المتداولة في أروقة المحاكم·
المصدر: أبوظبي
عدد اليوم
