الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عائد من الموت!

عائد من الموت!
30 مارس 2008 03:47
كان يوماً عادياً، نهضت فيه متأخراً كعادتي، تناولت قهوتي، واستمعت لتذمر زوجتي···! ماذا تريد هذه المخلوقة؟ حتى لو غطيتها بالمال إلى أذنيها فإنها تبقى تشتكي وتنظر إليّ نظرات معاتبة، ابنة الفقر تبقى على حالها، ولا ترضى بشيء· أتركها تثرثر وأنصرف، ينتظرني يوم عمل حافل كالعادة، لا وقت لديّ للتفكير بما تريده هي وأولادها، لقد وفرت لهم كل شيء، فماذا يريدون أكثر من ذلك؟ السائق ينتظرني بعد أن تفنن بتلميع السيارة، من المؤكد أنه يعشق هذه المهنة، فهل يحلم أمثاله بركوب مثل هذه السيارة الفاخرة؟ إنها أغلى من قيمة أراضي قريته كلها· الهاتف يرنّ، جدول المواعيد مزدحم، السكرتيرة تذكرني بموعد المؤتمر أوه··· يا الهي··· لقد نسيته تماماً؟! كان من المفروض أن استيقظ مبكراً، في كل الأحوال سأصل متأخراً نصف ساعة، لا يهم، الشخصيات المهمة لا تصل في المواعيد المحددة، ولكن، إذا بقي السائق على هذه السرعة فسيكون التأخير أكثر من ساعة· - أسرع أيها الغبي، لا عليك من ''الرادار''، هذا الجهاز لم يوضع لأمثالي، باتصال واحد تسقط جميع المخالفات· السائق يبدو متوتراً فهو لم يعتد على السير بهذه السرعة· إنه يوتر أعصابي، ولولا أنه حاصل على الشهادة الجامعية وشكله وسيم لما صبرت عليه· الأفضل أن آخذ غفوة قصيرة، سأحتاج إلى طاقتي كلها لأبدو في أفضل حال عندما تتسلط عليّ الأضواء ويتم التعريف بي، فلان الفلاني مدير شركات ومؤسسات كذا وكذا···! لا أدري ما حدث بالضبط، أصوات صراخ مفزعة من السائق، السيارة تتدحرج في الهواء، جسدي يطير ويصطدم بأرجاء السيارة، شريط حياتي يطير كله أمامي في ثوانٍ ثم يتوقف كل شيء· استيقظ مفزوعاً، الحمدلله أنا لا زلت حياً، ولكن أين أنا؟ وما هذا المكان المخيف؟ هل سقطت في حفرة؟ اشعر بالخوف، منذ زمن طويل لم أعرف مثل هذا الشعور، إلى جانبي يتكوم شخص، لابد أنه السائق، أتحسس جسده بيدي، هل مات؟ حمداً لله، إنه يتحرك، ينقلب بوجهه نحوي، يا الهي ما هذا؟ أصرخ بفزع، إنه مخلوق مرعب لا أعرفه، ينظر إليّ بشماته ويضحك بشكل مقزز· ؟ من أنت؟ ؟؟ أنا قرينك، نحن في الحياة الأخرى· ؟ ماذا تعني؟ هل أنا ميت؟ كيف أكون ميتاً وأنا حي بهذا الشكل؟ ارتعد جسدي وتصبب العرق من كل مساماته، هل أنا فعلاً ميت؟ كيف أموت بهذه السرعة؟ لم أتوقع مثل هذا الأمر، هل انتهى كل شيء؟ لا أكاد أصدق· ؟؟ لا تبكِ ولا تتحسر، لازلنا في البداية، لديك وقت طويل تلطم فيه ''على راحتك''· ؟ هل نحن في جهنم؟ يضحك الرجل فتزداد بشاعته: كلا، لم يحن موعد جهنم بعد، نحن في مرحلة من مراحل الآخرة بانتظار الحساب، ألم تكن تعلم بمصيرك؟ ؟؟ آه، يا لحظي السيئ ويا لخيبتي، بالطبع كنت أعرف ولكنني لم أكن أتوقع أن يكون بهذه السرعة، كنت آمل أن أتقدم في السن ويكون لديَّ الوقت الكافي للتوبة والتقرب إلى الله· اسمع أيها المخلوق، لا اعتقد بأننا سنكون سوياً في جهنم، لأنني كنت أصلي وأصوم، ألا تذكر؟ تقول إنك كنت معي طوال الوقت· ؟ نعم أتذكر تلك الأوقات الكريهة التي تجبرني فيها على الوقوف معك وأنت تصلي، ولكن ما يفرحني هو أنك كنت تصلي بسرعة البرق، وكنت تردد الكلام دون تركيز ولا توجد أية علاقة حميمة بينك وبين ربك· ؟؟ لا تقل ذلك، إن ربي يحبني، فقد ساعدني في مواقف كثيرة ووفقني في أموري كلها، ونصرني على أعدائي وأوصلني إلى أعلى المراتب· ؟ أيها البائس، ألا تدري أن كل ذلك كان اختبارا لك؟ أعطاك كل ما تريد ليراك هل تشكر أم تكفر، فماذا فعلت أنت؟ لم تشكره ولم تتقه وتفننت بظلم عباده وتحكمت بأرزاقهم، وكنت تمشي فخوراً كالطاووس وكأنك حصلت على كل شيء بذكائك الفذ وعبقريتك وخططك الذكية· ؟؟ أنت شيطان كاذب، ربما أنت السبب في كل ما قمت به، الكل يعرفك، تغوي الناس وتدفعهم للشر ثم تتبرأ منهم· ؟ لم أفعل شيئاً سوى أنني قدمت لك بعض الأفكار ولكنك طورتها وتفننت فيها حتى تفوقت عليَّ بظلمك· ؟؟ أنت تكذب· ؟ لا مجال للكذب هنا، سيشهد عليك سمعك وبصرك ويداك ورجلاك· ؟؟ ترى ماذا يقول الناس عني بعد موتي؟ ؟ لا شيء سوى أنهم فرحوا فرحاً شديداً بموتك، وصاروا يدعون ربهم بأن يأتي بعدك مسؤول عادل يخشى الله ويعيد إليهم حقوقهم· ؟ والذين ساعدتهم؟ ؟؟ لم تساعد إلا الذين (يتملقونك)، ولم تعمل إلا لأجل مصلحتك، كنت تكره من يقول لك (لا) وتحاربه بأي طريقة، أبدعت في حبك المؤامرات، وتركت العنان لعقلك باستغلال ضعف الآخرين وحاجتهم للعمل، لم تترك شاردة ولا واردة إلا ووضعت بصماتك الشريرة عليها· ؟ يكفي أيها الشيطان اللعين، يكفي، لا استطيع الاحتمال، لا تحاسبني فلست مؤهلاً لذلك· يا رب·· اغفر لي وسامحني· ؟؟ لا مجال للاستغفار هنا· ؟ يا حسرتي· ؟؟ أتدري ما كان أكثر ما يعجبني فيك؟ إنه اعتزازك بكل أخطائك وعدم تراجعك في أي قرار تتخذه، لا ترحم ضعيفاً، ولا تعذر مخطئاً أو مقصراً، ولا تنصف مظلوماً أبداً، كنت في غاية الروعة· ؟ اسكت لعنك الله· لابد أن أحداً يبكيني الآن ويدعو لي بالرحمة والمغفرة ويتألم لفراقي، آه تذكرت، إنها زوجتي وأولادي وأقاربي· ؟؟ زوجتك؟ أولادك؟ أقاربك؟ ألم تدرك يوماً أيها الغافل مدى تقصيرك مع كل هؤلاء؟ كنت لاهياً عن أسرتك، لا تدري عنها شيئاً، حتى شكوى زوجتك كنت تغلق أذنيك عنها لا تريد سماعها· شغلتك طموحاتك عن حقوق زوجتك وأولادك، فكنت بينهم كالغريب، لم تعطهم فرصة لمحبتك، لم تمنحهم أوقاتاً يتذكرونك خلالها، ولا حتى كلماتك تتردد على مسامعهم إذا افتقدوك، فهل تتوقع أن يحزنوا لفراقك؟ هذا بالنسبة لأسرتك، أما بالنسبة لأقربائك، فأنت تعلم جيداً أنك لم تكن تصل الرحم ولم تحرص على التواصل مع أحدهم إلا إذا كانت لديك مصلحة، فأنسَ أمر أقربائك لأنهم يكرهونك بجدارة· ؟ ليتني أعود فأصلح كل شيء، ليتني أمنح فرصة أخرى، أقسم بأنني سأغير كل مجرى حياتي، ليت ربي يرحمني ويحقق لي هذه الأمنية الأخيرة· ؟؟ انتهى الوقت وحان حسابك أيها الظالم· ضربة قوية وجهت نحو رأسي ففقدت وعيي من جديد، ثم عدت مرة أخرى فوجدت نفسي في مكان آخر، مكان مختلف تماماً، غرفة جميلة، باقات زهور، وجه مبتسم ينظر إليّ بحنان، هل أنا في الجنة؟ ما هذا التناقض؟ - حمداً لله على سلامتك، أخيراً صحوت، كنت في حالة إغماء، وقد اقتربت من الموت ولكن ''الله ستر''· أنا طبيبك، ستستعيد عافيتك إن شاء الله، نجوت بأعجوبة· سعاد جواد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©