الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين··· وعد آسيا ووعيدها

الصين··· وعد آسيا ووعيدها
18 أكتوبر 2007 02:04
المقولة المأثورة التي تتردد دوما هذه الأيام هي أن الصين في حالة صعود، وأن أميركا تمضي تدريجيا على طريق الانحدار، وهذا معناه أن التحدي الذي سيواجه أميركا خلال القرن الحادي والعشرين يتلخص في اتخاذ التدابير اللازمة لجعل ذلك الانحدار سلسا بقدر الإمكان!!· إن المقــــولات المأثـــورة غالبــا مـــا تبدو ذكية، ولكنهـــا أيضــا غالبــا ما تكون خاطئة؛ فالولايات المتحدة -بالنسبة لحالتنا هذه- ليست في حاجة لاحتواء الصين، كما أنها ليست بحاجة للدخول في حرب معها؛ فالحقيقة أن صعود الصين هو جزء من قصة أكبر وهي صعود آسيا كلها· فالصين لا تصعد في فراغ، كما أنه ليس من المحتم أن تتمكن من الهيمنة على منطقتها بالطريقة التي تهيمن بها الولايات المتحدة في الوقت الراهن على نصف الكرة الغربي، خاصة أن ذلك يتزامن مع العديد من قصص الصعود الأخرى في قارة آسيا، وهي قصص دول ينظر إليها الأميركيون أنها ستتعاون معها في احتواء الصين، وهو خطأ فادح في الحقيقة لأنه ليس من مصلحة تلك الدول إقامة علاقات عدائية مع دولة قوية وغنية مثل الصين، كما أن الولايات المتحدة نفسها يجب ألا تفكر في احتواء الصين من الأساس·· لماذا؟ لأن آسيا التي تتشكل في الوقت الراهن هي آسيا متنوعة للغاية، ومستقلة للغاية، وغنية للغاية، بصورة تفوق قدرة أي أمة على حكمها أو السيطرة عليها بمفردها؛ هناك نوع من التوازن التقريبي بين القوى الثلاث الكبرى في آسيا وهي اليابان والصين والهند، بحيث يمكن لأي اثنتين منها أن تتحالفا معا من أجل الحيلولة دون قيام الثالثة بالهيمنة على المنطقة؛ فالهند واليابان يمكنهما معا أن يوازنا قوة الصين، والصين واليابان معا يمكن أن يوازنا الهند· ونظرا لأن جميع تلك القوى الآسيوية تعرف جيدا أن الولايات المتحدة مستعــدة للدفاع عن التــوازن القائم في القارة، فإن أيا منها ليس لديه الاستعداد لإضاعة الوقت والأموال في محاولة قلب هذا التوازن؛ وبالتالي يمكن القول إن القوى العالمية في المستقبل سوف تتكون من خمسة فاعلين كبار هم: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الآسيوية الثلاث الكبرى، ومــن بين هــذه القوى سـوف تظل الولايات المتحدة هي القوة التي تلعب دورا فريدا، لأنها ستكون جزءا حيويا من توازن القوى في آسيا وتوازن القوى في أوروبا أيضا· وإذا ما أردنا النظر إلى مستقبل آسيا، فإنه من المهم أن ندرك أن العدد ليس هو كل شيء؛ ففي عام 1700 كان عدد سكان الصين والهند وفرنسا أكبر من عدد سكان بريطانيا، كما كان اقتصاد كل دولة منها أقوى من الاقتصاد البريطاني، ومع ذلك فإن بريطانيا نجحت في أن تصبح أكبر قوة في العالم في تلك الفترة، والولايات المتحدة اليوم أكبر وأقوى وأغنى مما كانت عليه بريطانيا في تلك السنة، كما أن نصيبها من الناتج العالمي الإجمالي يزيد ثلاث مرات عما كان عليه نصيب بريطانيا في قمة مجدها· حسب الإحصائيات السكانية، فإن عدد سكان الصين عام 2050 وبفضل سياسة إنجاب طفل واحد لن يزيد عن 1,4 مليار نسمة (يبلغ حاليا 1,3 مليار نسمة) في حين سيصل عدد سكان الولايات المتحدة 400 مليون نسمة أي 100 مليون أزيد مما هو عليه الآن· أما من ناحية قوة العمل، فإننا سنجد أن المقارنة أكثر دراماتيكية، فعدد سكان الصين ممن هم في سن العمل الآن يبلغ 948 مليون نسمة، في حين يبلغ هذا العدد في الولايات المتحدة 202 مليون، ولكننا نجد أنه وبسبب سياسة إنجاب طفل واحد فقط، فإن سكان الصين سيشيخون أسرع من سكان الولايات المتحدة· وهكذا فإن الإحصائيــات تشير إلى أن عدد الأميركيين ممن هم في سن العمل سيصل إلى 248 مليونا أي أكثر من الآن بمقدار 46 مليونا، في حين سيتناقص عدد سكــان الصين ممن هم في سن العمل ليصل إلى 860 مليون نسمة أي أكثر من العدد الحالي بمقدار اثني عشر مليونا فقط· نظرا لأن الأميركيين مشغولون على الدوام بشواغلهم ومشكلاتهم، فإنه يغيب عنهم عادة مدى خطورة المشكلات التي تعاني منها الدول الأخرى؛ فأزمة الصين السكانية تعني أنها ستواجه أزمة أكبر حجما في العناية بالسكان المسنين، وفي مواجهة حقيقة تضاؤل قوة العمل لديها، وهناك مشكلات أخرى هائلة ستواجهها الصين وتكفي لشغل بال هذه الدولة لعقود طويلة، منها على سبيل المثال لا الحصر، المشكلات المتعلقة بتنظيف بيئتها، وتطوير النظام المالي لمواكبة اقتصادها السائر بسرعة وقوة على طريق التحديث، وكذلك العمل على خلق نظام صحي فعال· وهناك أيضا المشكلة المتعلقة باستنباط نظام حكومي يتمتع بالقوة التي تمكنه من إدارة شؤون دولة في حجم الصين، ويكون من ناحية أخرى مرنا بدرجة تمكنه من الوفاء باحتياجاتها المحلية، والسماح بالاختلاف والمنافسة السياسية من دون أن يؤدي ذلك إلى تمزق البلاد· هناك أيضا عامل آخر، وهو أن الولايات المتحدة ومنذ أن تحركت لإعادة بناء العلاقات مع الصين أيام ''نيكسون''، وهي تحاول إقناعها بالانخراط في المنظومة الدولية، وأن تتصرف كدولة'' طبيعية''· وقد حققت هذه السياسة بمرور الوقت نجاحا باهرا· فعلى الرغم من أن التحول الصيني نحو ذلك لا يعد كاملا إلا أنه ليس هناك من شك في أن الصين قد غدت الآن مقتنعة بأن أفضل طريقة يمكنها بها حماية مصالحها تتمثل في المشاركة في المنظمات الإقليمية، ومؤتمرات القمة والالتحاق بالمنظمــات والمؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية على سبيل المثال لا الحصر· والاعتزاز الذي تبديه الصين باستضافتها لأولمبياد ،2008 ليس سوى دليل على المدى الذي وصل إليه تحولها، فمنذ 40 عاما كان مجرد دعوة فريق أميركي للعب مباراة تنس الطاولة حدثا جديرا باحتلال الصفحات الأولى من الصحف، أما الآن فإن الصين قد أصبحت قادرة وراغبة في استضافة أقوى وأكبر وأضخم حدث رياضي عالمي· لذا يمكن القول إن تعزيز التنمية السلمية في آسيا، وضمان أن الدول الصغرى في تلك القارة لن تتعرض للتهديد من جيرانها الأكبر، ومساعدة القوى الكبرى في آسيا على إقامة مجموعة العلاقات الأمنية والاقتصادية مع الدول الأخرى، يمكــن أن يحافــظ على الســلام في القارة أثناء أكبر عمليـــة تحول اقتصادي واجتماعي تمر بها في تاريخها، وهذه هي باختصار القضايا التي يجب أن تتمحور حولها أهداف أميركا في تلك القارة لبناء عالم أفضل للبشريــة جمعــاء· زميل أول بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©