السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترقُّب الفجر الجديد

18 أكتوبر 2007 02:07
الأزمة السياسية التي تفجرت بصورة علنية بين الشريكين الحاكمين في السودان، بقرار الحركة الشعبية لتحرير السودان وإعلانها ''استدعاء'' وزرائها المركزيين ومستشاريها الرئاسيين، لم تكن ''مفاجأة'' لمراقبي الشأن السوداني المحليين والدوليين بمن فيهم ''جماعة الإيقاد''، والأمين العام للأمم المتحدة· مؤشرات ومواقف وتصريحات صحفية كثيرة صدرت عن رئيس الحركة ''سيلفاكير'' وأمينها العام ومتحدثين باسمها قبل إعلان الحركة ''استدعاء'' ممثليها في ''حكومة الوحدة الوطنية''، أكدت أن ثمة أزمة حقيقية بين حزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ستقود منطقياً -إن لم تعالج بمثل مستوى عمقها بجدية وصدق سياسي- إلى موقف متفجر كهذا الذي تواجهه السلطة الحاكمة اليوم· يدعم هذا الإعتقاد سلوك حزب المؤتمر الوطني ونظرته حيالها، المتميزة بالاستخفاف والإنكار وتصوير الأمر بأنه مسائل بسيطة يمكن حلها، مما يشير إما إلى أن قيادة الحزب الحاكم لم تكن واعية ومدركة لعمق جذور هذه الأزمة، أو أنها كعادتها دائماً، كانت تعتمد على نظريتها التقليدية في اللعب على عامل الزمن (الذي هو كفيل بحل كل الإشكالات) كما يقولون· إن أي مراقب مدرك لأوضاع السودان يعلم أن اتفاق نيفاشا ومتفرعاته والذي أسس للشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، كان ''اتفاق ضرورة'' أملته ظروف إقليمية وعالمية ومحلية بالغة التعقيد، وأن شقة الاختلاف الفكري بين الحزبين واسعة وكبيرة وتحتاج إلى جهد وعمل شاق حتى يمكن لاتفاق نيفاشا أن ينفذ ويحقق أهدافه المرسومة التي التزم بها الطرفان بشهادة المجتمع الدولي والإقليمي؛ وهو ما يعني بالضرورة استعادة الديمقراطية والعودة إلى الحياة المدنية بمواصفاتها المتفق عليها، وكل التفاصيل الأخرى من قسمة في السلطة والثروة وإعادة انتشار القوات المسلحة··· إلخ، وهي أدوات مقصود بها تحقيق الغاية الأساسية، عودة الديمقراطية والأوضاع المدنية الطبيعية المصاحبة لها، وفي ذلك يختلف الحزبان ''المؤتمر والحركة'' اختلافاً بيناً· صحيح أن الحركة الشعبية في فترة ما بعد غياب د· ''جون قرنق'' قد بدا عليها وكأنها قد أوشكت أن يضل بها الطريق، لكن الحركة وبجهد غير منكور تمكنت تدريجياً من استعادة وعيها وترتيب أوضاعها الداخلية بشكل مكنها من عقد ''مؤتمراتها'' الحزبية بصورة ديمقراطية؛ والحركة الشعبية تبدو اليوم أكثر اطمئناناً وثقة في موقف القوى السياسية الديمقراطية الأخرى نحو اتفاق نيفاشا وأنها قد تحققت من ''المخاوف القديمة'' التي تمثل هاجساً مرهقاً لبعض أعضائها لم يعد لها مبرر، وعندما قررت الحركة نقل مركز قيادتها إلى الخرطوم كان ذلك مؤشراً واضحاً أنها ستسير على الطريق الصحيح وستبني حزبها على أساس قومي، وخلال عملية ترتيب الأوضاع هذه، فإن الحركة سعت إلى تمتين علاقتها بشركائها القدامى (أحزاب وقوى التجمع الوطني الديمقراطي)· ولكن الأزمة السياسية التي تفجرت مؤخراً بين الشريكين بصورة علنية، لن تستمر طويلاً ولن تؤدي إلى نسف اتفاق نيفاشا، فالواضح أن عدة عوامل سترغم الشريكين على إيجاد مخرج لها، بل ربما أدى الموقف المتفجر الآن إلى البحث عن إيجاد مخرج أكبر ليس لعلاقة الشريكين وحدهما وإنما لمجمل قضايا السودان المتفجرة التي لم تعد آثارها قاصرة عليهما ولا على السودانيين وحدهم، فإذا أدركت الحركة والمؤتمر الوطني أنهما وحدهما لن يستطيعا حل مشاكل السودان بمعزل عن بقية أهله، وأن الطريق لحل الأزمة السودانية يبدأ بالاعتراف بـ''قوميتها'' وشموليتها، وبالتالي فإن الخطوة الأولى هي الاتجاه نحو المؤتمر القومي الشامل الذي يجمع كل أهل السودان حول فائدة الحوار والاتفاق الوطني الجاد والصادق الذي يحقق لكل الأطراف السودانية حقوقها في الأمن والاستقرار والتنمية العادلة، ويحفظ للبلد وحدته ووحدة أهله الطوعية، حينئذ سيشرق على السودان فجر جديد برغم مشقة الوصول إليه، فأهل السودان يترقبونه بشوق عظيم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©