الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفيلم الغائب !

18 أكتوبر 2007 03:22
يذهب بعض المهتمين بشؤون السينما العربية إلى أن أقوى أفلامها حضوراً على الساحة الدولية، حتى الآن، هي الأفلام التاريخية الكبرى، وتحديداً فيلما ''الرسالة'' و''عمر المختار''· وليس من قبيل الصدفة، ولا المفارقة، أن ثمة مشتركات عديدة بين الفيلمين، ليس أقلها أهمية كون الراحل المبدع مصطفى العقاد هو من أخرجهما، ولا كون استدعاء لحظات الماضي المضيء هو الخيط الناظم لكل منهما، وبحيث تجسدت من خلالهما، بهذه الطريقة أو تلك، محاولة الذات العربية القبض على لحظات قُوَّتها، للعصف بها في وجه لحظة الانكسار العربي في النصف الثاني من القرن العشرين· وبهذا المعنى، استُدعي الزمن الماضي حصراً في الفيلمين، وقد أصبحا بمثابة إيقونة للذات العربية في مخيال مئات الملايين عبر العالم، ليكرسا قطيعة مع الحاضر، أو ''إدانة'' له وتبرؤاً منه، لا فرق· ولتتكرس بذلك أيضاً فكرة لدى كثيرين مؤداها أنه ليس لدى العرب ما يقولونه أو يسجلونه عن زمنهم الحاضر، ومن باب أوْلى زمنهم الآتي· والحقيقة أن لحظة الوعي في الإبداع السينمائي، تتجاذبها عادة عيانية الصور واللقطات الحية التي قد تربطها تلقائياً في الأذهان بالزمن ''الحاضر''، كما أن الجانب السردي كحامل لرسالة الفيلم السينمائي قد يُدخل معه من الباب الواسع الكثير من دواعي الاشتغال على الذاكرة، لزوم تمديد الزمن، أو للمناورة السردية والتشويق· هذا إضافة إلى أن الزمن نفسه، بعبارة أندريه تاركوفسكي: ''هو شرط لوجود الأنا لدى كل إنسان، إنه أشبه بالوسيط الثقافي الذي يتعرض للتدمير حين لا تعود هناك حاجة إليه، وحالما تكون الروابط صارمة بين الهوية الفردية وشروط الوجود''· ولهذا السبب يُقال، والكلام ما زال لتاركوفسكي: ''إن الزمن غير قابل للإلغاء· وهذا صحيح تماماً إذا كان يتصل بالماضي، بمعنى أنك لا تستطيع أن تعيد الماضي''· و''لكن ما هو هذا الماضي، بالضبط ؟ هل هو ما قد مضى؟ وما الذي تعنيه (مضى) للشخص حين يكون الماضي، بالنسبة لكل واحد منا، هو الحامل لكل ما هو مستمر في واقع الحاضر، لكل لحظة جارية ؟ وبهذا المعنى، فإن الماضي أكثر حقيقة، أكثر رسوخاً واستقراراً، أكثر مرونة من الحاضر''، يقول تاركوفسكي· كل هذا قد يكون صحيحاً، ومُتفهَّماً في الحالة العربية، وقد يكون كل مكتوب، إجمالاً، عودة للمكبوت، أو نوستالجيا تستعيده· ولكنَّ من حق متلقي العمل السينمائي العربي الآن أيضاً ألا يبقى الخطاب الإبداعي الموجه إليه رهيناً بسرد ''ما كان'' فقط، هذا على رغم كل المُنفِّرات من تسجيل ''ما هو كائن''، وعلى رغم كل العثرات المتراكمة على طريق استشراف ''ما ينبغي أن يكون''· والحاصل أن ضحية هذا الفصام النكد القائم في السينما العربية بين أبعاد الزمن الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، هو القدرة الإبداعية على الوقوف في شرفة المستقبل، وفرص المتلقين في تلقي رسالة إبداعية تمدهم باستراتيجية متماسكة في تسمية العالم، وفي فهمه· ولذا فإن ''الفيلم الغائب'' في السينما العربية حتى الآن، هو فيلم الخيال والاستشراف، وهو ما ينبغي استطراداً العمل على تبيئته ضمن تقاليد الشاشة الكبيرة العربية· وعلى طريقة ناظم حكمت، فلعل أروع الأفلام العربية تكون في الطريق·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©