الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرآة الداخل

مرآة الداخل
13 ابريل 2016 21:42
سعود السنعوسي تسبقني مكتبتي إلى كل غرفة جديدة أسكنها، قبل أي شيء آخر. ذلك عندما كانت الغُرف تتسع لمكتبة! قبل سنوات لم تعد غرفتي الصغيرة تحتمل رفاً جديداً. عزمتُ على غزو غرفة المخزن في الطابق الأول بعدما عاينتُ جدرانها وزواياها، غرفة تخزِّن فيها والدتي أدوات الغسيل وأواني المطبخ وأشياءها الأخرى. رغم صعوبة القرار، فصل المكتبة عن غرفة النوم، فإنه كان الخيار الوحيد. ولأنه خيار لا ثاني له، أبقيت مكتبتي في غرفة نومي بعد رفض والدتي إخلاء غرفة المخزن، ومع رفض والدي القاطع لفكرة توسع مكتبة يرتابُ في شأنها، خشية أن تحمل كُتُبها ما يلوِّث عقلي. لم يكن والدي مؤمناً بأن القراءة، وبالتالي الكتابة، بالنسبة لي مشروع حياة. لم ير في اعتكافي داخل الغرفة غير ما يعطلني عن التحصيل العلمي وما يؤثر على دراستي. جائزة على الجائزة أبقيت عيناً مفتوحة على مكتبتي في غرفة النوم والكتب في رفوفها وعلى الأرض من حولها، وعيناً أخرى مفتوحة على غرفة المخزن لعلَّهما يغيِّران رأيهما. بعد سنوات قليلة عدت إلى البيت أحمل لهما خبراً: «فازت روايتي بجائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب». المفاجأة الأولى أن لي رواية. المفاجأة الثانية فوزها بجائزة. لمحتُ الفرح في وجهيهما. التفت والدي إلى والدتي: «فلنفرغ له غرفة المخزن!». وصارت لي مكتبة. قد يبدو الحديث عن علاقتي بالمكتبة عاطفياً. حسناً، هو كذلك، إذا ما تأملت عدد الرفوف التي أضيفها بين حين وآخر مذ كنت طفلاً. كلانا يكبر مع الآخر. لا أحد يعرفها كما أفعل، بطريقة تصنيف اعتمدتها منذ مراهقتي، أعرف موقع كل كتاب من موقع مؤلفه على خريطة العالم. الكتب الآسيوية شرقاً، الكتب العربية في الوسط، الأوروبية في الرفوف العلوية غرباً، الأميركية أقصى الغرب، وفي الرفوف أسفلها الكتب اللاتينية. المكتبة مرآة أخرى، أكثر عُمقاً. فإذا كانت محطتي الصباحية الأولى أمام مرآة أحلق أمامها ذقني وأتأكد من سلامة ثيابي، فإن المكتبة مرآة على الداخل. هو الشعور الذي ينتابني إذا ما وقفت أمامها أنقِّلُ بصري بين رفوفها وعناوين الكتب، بدءاً من قصص الأطفال، مروراً بكتب الأساطير والتاريخ والسير الذاتية، ثم دواوين الشعر وكتب الفلسفة، استقراراً في عالم الرواية. وإذا كانت مرآة الصباح تعرِّفني إليّ شكلاً، فإن المكتبة تعرِّفني إليّ مضموناً. أنا خليط من كل هذه الكتب. وعلى كل ما تمنحني إياه مكتبتي من معنى وجود، شكاً ويقيناً وأجوبة تُفضي إلى أسئلة تبتلعُ أخرى، فإنها تشكِّل هماً كبيراً إذا ما سلَّمتُ بأني إنسان كثير السفر. ولأنني لست ممن يقرؤون إلكترونياً أكثر من مقال متوسط الحجم، فإنني أحنُّ إلى مكتبتي كثيراً، ولا يعوضني الجديد، في كثرة الأسفار، عن ساعات حميمة أقضيها صامتاً في مكتبتي. كلُّ غرف الفنادق خرساء باردة وجدرانها عارية من الكتب. ليس من شأن كائن أن يُبدِّد الشعور بالوحدة مثل المكتبة. حتى وإنْ لم أكن في مزاج يصلح للقراءة، أكتفي بالجلوس أمامها. أقرأ عناوين الكتب. أستعيد صوتاً من هنا، وحدثاً من هناك.. صورة.. شخصية.. جملة من حوار. لا يلبثُ الأمر طويلاً حتى أتماهى مع رفوفي، أكمل حكايات ناقصة. أغير أخرى. مملكة حيّة مكتبتي هي المكان الأنسب للتأمل، وبالتالي للجنون الذي يدفع للكتابة والحياة. لا أشعر بالصمت، ولا خلو المكان من الآخرين، وكل ما في مكتبتي يضجُّ بالصور والأصوات والروائح. تمنحني شعوراً بأنها كائن متكامل. مملكة حيَّة تغصُّ بالبشر والحكايات، حتى أن إطباق أغلفتها لا يعني توقف الحياة في داخلها. أتابع تسلل زوربا من كتاب في الرَّف العلوي، يمضي غرباً، يختفي في صفحات كتاب آخر، يلتقي أوليفر تويست، يخرجان معاً في رحلة إلى الجنوب، يقطعان بلاد الخبز الحافي، يتوهان في مجاهل أفريقيا بحثاً عن مصطفى سعيد، يصلان في وقت لم يعد فيه هناك، وقد حلَّ موسم هجرته شمالاً، يلتقيان الجبلاوي في مصر، يمضيان معاً، إلى اليونان في الرفوف العليا، وإذ بها خالية من زوربا! ما يزعجني في غرفة المكتب هو أنني خصصت رفوفاً للكتب التي لم أقرأها بعد، ولأن اقتناء الكتب أسهل من قراءتها وأسرع، فإن الكتب التي لم تُقرأ باتت تنافس ما قرأته من الكتب عدداً، وأنا على يقين بأن أقصى ما تبقى لي من عمر لن يمنحني سعة وقت لقراءتها كلِّها. وما يزعج الآخرين هو أنني لا أعير كتاباً مهماً كان السبب وأياً كان الشخص، وإنْ كان الأمر ضرورياً، أشتري كتاباً وأهديه عِوضاً عن الإعارة. مكتبة الملك آشور بانيبال بعد توالي السنين وتطور الحياة، تطورت أوسع وأهم مكتبة في بلاد الشرق الأوسط القديم، تلك المكتبة الضخمة الشهيرة التي أسسها بعناية فائقة الملك الآشوري آشور بانيبال الذي تولى الحُكم عام 669-627 قبل الميلاد. وقد عُثر عليها مُصادفة في بداية التنقيبات الأثرية في العراق، فخلال العام 1845-1851م كان الدبلوماسي الإنجليزي الشاب أ. هـ. لايرد كونجيك بالقرب من مدينة نينوى، الموصل، شمال العراق حيث تمّ اكتشاف العاصمة الآشورية نينوى. وقد اكتشف لايرد البلاط الملكي للملك الآشوري سنحاريب«705- 681 قبل الميلاد»، ووجد ما سمّاه«غرفة السجلات». وقد تابع عمله بعد ذلك هـ. راسم خلال الأعوام 1852-1854م، وفي الأعوام 1877-1881م، الذي اكتشف بقايا قصر الملك آشور بانيبال ومكتبته الضخمة التي تحتوي على أكثر من«20000» رقم طيني!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©