الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان: الشاشة تكافح الإرهاب

12 فبراير 2011 00:02
كارين برويارد إسلام آباد غالباً ما تقدم البرامج التلفزيونية في باكستان صورة سلبية للغاية عن الولايات المتحدة، وتُظهرها وكأنها الطرف الشرير المسؤول عن جميع مشاكل المنطقة، فهي التي تمتلك الطائرات بدون طيار وتقصف الناس، وهي التي تشن حرباً في أفغانستان، فضلاً عن تورط باكستان في مواجهة محتدمة ضد التمرد بسبب التواجد الأميركي في المنطقة، ولكن الأمر اختلف مؤخراً مع مسلسل جديد يعرضه التلفزيون الباكستاني حيث تخلى عن تلك النبرة المعتادة المنتقدة للولايات المتحدة، وراح يبحث عميقاً في الذات الباكستانية عن أسباب الإرهاب وانتشار الخطاب الراديكالي العنيف. وهنا تحول الأشرار من الجنود الأميركيين إلى رجال متطرفين يتسلقون الجبال البعيدة ويغررون بالشباب الفقير واليائس لاعتناق أفكارهم المشوهة عن الإسلام، فيما تظهر قوات الأمن والمدنيون في المسلسل على أنهم أبطال حقيقيون يضحون بحياتهم لإنقاذ البلاد من قبضة الإرهاب. هذا ويمثل المسلسل التلفزيوني المذكور محاولة جدية، ضمن محاولات أخرى عديدة يدعمها الجيش الباكستاني الذي يحظى باحترام كبير لدى الشعب، لتوعية الرأي العام بعدما أصبح بعض أفراده هدفاً لدعاية المتطرفين. ومع أن البرنامج الذي يعرضه التلفزيون الباكستاني موجه للجمهور الداخلي، إلا أن موضوعه الأساسي المتمحور حول قضية التضحية يتردد أيضاً في أحاديث الجيش الباكستاني مع الأميركيين في مسعى على ما يبدو لإبراز الدور الذي تقوم به القوات المسلحة في مكافحة الإرهاب والتضحيات التي تبذلها في هذا الإطار. وبالطبع لا يمكن نسيان الضربات التي تعرض لها الجيش الباكستاني على أيدي المتمردين المتمركزين في المناطق النائية، بحيث سقط ما لا يقل 2700 جندي أثناء المواجهة ضد "طالبان باكستان"، هذا بالإضافة إلى الضحايا المدنيين الذين قُتلوا على أيدي المتشددين. ومع ذلك ظلت ردة فعل الجيش وحتى الرأي العام اتجاه المتطرفين ملتبسة إلى أن تمكنت "طالبان" من السيطرة على إقليم "سوات" في عام 2008 الذي لا يبعد كثيراً عن العاصمة إسلام آباد، وهو ما فرض على الجيش التدخل السريع لمنع تدهور الوضع من جهة ولترميم صورته التي نالت منها تسريبات عن عمليات إعدام زعم أن الجيش نفذها خارج القانون من جهة أخرى، فضلاً عن اتهام الولايات المتحدة لبعض عناصره بالتعاون مع أفراد متشددين. ولكن على رغم موافقة الجيش على المسلسل التلفزيوني ومنحه الضوء الأخضر لعرضه على الشاشة إلا أنه لم يظهر فيه أي من الانتصارات التي يفتخر بها الجيش على "طالبان"، بل لقد أظهرت الحلقتان الأوليان سقوط ضابطين من الجيش في معركة دارت مع متمردين في الجبال، كما أبرزت الحلقة الثالثة استسلام أحد الشباب الذي جندته "طالبان" لتفجير نفسه للشرطة بعدما رفض تفجير نفسه، واللافت أن المسلسل في حلقته الثالثة لا يتحرج من تحميل الدولة نفسها مسؤولية ما يحصل من تطرف وارتماء بعض الشباب في أتون دعاية المتشددين الداعين إلى العنف، بحيث يظهر التحقيق الذي أجراه أحد ضباط الشرطة مع الشاب الذي سلم نفسه للسلطات أن سبب توجهه إلى التطرف الديني كان ضيق العيش وانسداد الأفق، لتخلص الحلقة إلى نتيجة مهمة هي أن باكستان فشلت في تلبية طموحات شبابها وخذلتهم، الأمر الذي يفسر سرعة وقوعهم في شباك وأحابيل الحركات المسلحة. ولتوضيح رؤية المسلسل يقول "كوار أزهر"، المنتج التنفيذي: "لقد حاولنا من خلال هذا العمل الاقتراب أكثر ما يمكن من الواقع دون تجميل أو رتوش". وتبدأ الحلقة الثالثة من المسلسل بتصوير رجل ملتحٍ يجلس إلى جوار الشاب "رحيم جول" أثناء مشاهدته لمباراة "كريكت" لتنطلق رحلة التعارف بين الرجلين إلى أن تنتهي بانضمام الشاب إلى الجماعة المتشددة التي تكلفه بالقيام بعملية انتحارية، وفي أثناء الحوار يبرز الخطاب المتشدد الذي يكفر لعبة "الكريكت" باعتبارها من مخلفات المستعمر البريطاني، فضلاً عن تشجيعه على العنف وقتل غير المسلمين. ويقول "واصي شاه" كاتب الحلقة إنه أمضى إلى جانب طاقم الإخراج ساعات طويلة وهم يشاهدون شرائط فيديو لجلسات تحقيق أجرتها الشرطة الباكستانية مع المعتقلين بتهم الإرهاب، بحيث وصلوا إلى نتيجة مؤداها أن ما يحرك المتطرفين أو الذين قُبض عليهم قبل تفجير أنفسهم هو انعدام الفرص والأفكار الدينية المغلوطة. وعلى رغم التحفظات التي أبداها الجيش في البداية على المسلسل فقد استمات فريق العمل في الدفاع عن وجهة نظره، ويقول "واصي شاه" الذي دخل في نقاش مطول مع السلطات لإجازة المسلسل "لقد حاولنا إقناع إدارة الجيش بعدم دفن رؤوسهم في التراب ومواجهة واقع التطرف في البلاد، وقد كنا صريحين في تحميل الحكومة جزءاً من المسؤولية لأنها تخلت عن مهامها في مراقبة الخطاب المتطرف ومنع تأثيره على الشباب والناشئة". ومع أنه من المبكر الآن تقييم نسبة مشاهدة المسلسل بين الجمهور الباكستاني في ظل طغيان البرامج الحوارية والأخبار على شاشة التلفزيون، إلا أن المسلسل وفقاً للجنرال "سيد عزمت علي"، المتحدث باسم الجيش الباكستاني، استطاع اجتذاب نسبة مهمة من الإعلانات تجاوزت بنحو 50 في المئة النسبة المعتادة، هذا بالإضافة إلى الرسائل الإلكترونية الكثيرة التي تتدفق على مقر الجيش من الجمهور تعبيراً عن تعاطفه مع الجهود التي تبذلها القوات المسلحة الباكستانية في مكافحة الإرهاب. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج ميديا سيرفيس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©