الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهاجرون...مقاربة بريطانية خاطئة

المهاجرون...مقاربة بريطانية خاطئة
12 فبراير 2011 00:02
إدوارد شوماخر ماتوس محلل سياسي أميركي تدفع الهجرة الأمم أحياناً إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، حتى لا نقول انتحارية. فالفرنسيون، على سبيل المثال، حظروا البرقع في تحد لتقاليدهم الليبرالية؛ والسويسريون حظروا بناء مآذن جديدة رغم اعتمادهم على الودائع المصرفية العربية؛ واليابانيون أغلقوا معظم الهجرة رغم أنهم يزدادون شيخوخة. ولعل أكبر خطوة خاطئة هي تلك التي تحدث في بريطانيا. فخلال الصيف الماضي، فرضت حكومة كاميرون "المحافظة" سقفاً مؤقتاً بخصوص أعداد المهاجرين من أصحاب المهارات العالية القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي؛ ما يعني مثلاً رفض العمال الهنود والصينيين الذين يمتلكون أحدث مهارات البرمجة الحاسوبية. وقد أبطلت المحكمة العليا البريطانية هذه الخطوة في ديسمبر الماضي على اعتبار أنها لم تحصل على موافقة البرلمان، ولكن لا يهم- فقد خططت حكومة كاميرون منذ بعض الوقت لعرض مشروع قانون يحدد سقفاً دائماً وأكثر صرامة على أنظار البرلمان. ولأنها تحظى بشعبية بين الجمهور، فالأرجح أن هذا القانون سيمرر. بيد أن الناخبين، وبغض النظر عن مصالحهم الحقيقية، يشبهون السياسيين، إذ أنهم كثيرا ما ينظرون إلى العالم من منظور "نحن مقابل هم". والحال أن مثل هذا التفكير يمكن أن يفضي إلى قرارات مبالغ فيها؛ وهذا أمر يجدر بالرئيس الأميركي وقطاع الشركات أن يأخذوه في عين الاعتبار أثناء سعيهما للتصالح ونسيان خلافات الأمس عقب زيارة الرئيس هذا الأسبوع إلى غرفة التجارة. ويمكن القول إن بريطانيا تقدم لنا درساً سياسياً لما يمكن أن يحدث لأهدافهما المشتركة المتمثلة في تحفيز الابتكار وتنشيط الاقتصاد، إذا لم يعملا معا. سيقول الاقتصاديون إن العمال ذوي المهارات العالية هم المصدر الرئيسي للنمو في دخل الفرد في بلد ما. فالمهاجرون الذين يمتلكون مثل هذه المهارات مهمون لصعود كل الامبراطوريات الكبيرة تقريباً في التاريخ، مثل الامبراطورية البريطانية وأميركا. ثم إن ألمانيا وكندا وأستراليا وآخرين تتنافس اليوم على هؤلاء المهاجرين، في وقت تسعى فيه الهند والصين إلى استمالتهم وجذبهم للعودة. والحال أنه في العديد من البلدان، انكفأت الأحزاب السياسية "المحافظة" مثل "المحافظين" في بريطانيا و"الجمهوريين" في أميركا، والتي تشدد عادة على النمو الاقتصادي، على نفسها؛ وأخذ معظمها يحمي صفوفه من حركة "يمينية" متطرفة تؤجج المخاوف الشعبية، وأحيانا المشاعر المعادية للأجانب. ولعل أبرز مثال هنا هو حركة "حفلة الشاي". والواقع أن تلك المخاوف ليست من دون أساس تماماً. ذلك أن ثمة حداً لعدد المهاجرين الذين يستطيع بلد ما استيعابهم دون أن يشعر أبناؤه بأنهم لم يعودوا آمنين ثقافياً، أو أن تتعرض مؤسساته لضغط شديد، أو أن يتم إضعاف أجور بعض عماله. ولكن هذه المخاوف إنما تجادل بضرورة تبني سياسات عقلانية لإحداث توازن بخصوص المصالح الاقتصادية المتنافسة وتعليم الجمهور والمهاجرين على حد سواء. والواقع أن الحالة البريطانية مفيدة بشكل خاص بشأن ما لا ينبغي القيام به. فمن بين عمالة بلغ تعدادها 28.7 مليون شخص العام الماضي، كان 2.25 مليون منهم، أو 7.8 في المئة، من المولودين في الخارج، وذلك حسب مكتب الإحصائيات الوطني. والحصة المقابلة في الولايات المتحدة هي 16 في المئة. ويأتي حوالي نصف الأجانب في بريطانيا من منطقة الاتحاد الأوروبي، وهم لا يمكن منعهم بمقتضى اتفاقية. ومن بين البقية، تأتي البلدان الأصلية الأربعة الأولى وفق الترتيب التالي: جنوب أفريقيا، والهند، وأستراليا/نيوزيلندا، والولايات المتحدة (بـ 81 ألفاً). وعلى الرغم من أن مستوى الهجرة الصافية في بريطانيا ارتفع إلى أوجه في 2004 (حوالي 350 ألف مهاجر) ثم انخفض بـ40 في المئة تقريبا منذ ذلك الوقت، فإن الركود الكبير غذى مطالبات الجمهور بمزيد من الخفض؛ حيث وجد استطلاع للرأي هذا الشهر أن 59 في المئة من البريطانيين يعتقدون أن هناك "عدداً أكبر مما ينبغي من المهاجرين"، مقارنة مع 37 في المئة من الأميركيين ونسبة أقل من ذلك بكثير في البلدان الستة الأخرى التابعة للاتحاد الأوروبي التي شملها الاستطلاع. وقد تعهد رئيس الوزراء البريطاني خلال حملته الانتخابية العام الماضي بخفض العدد السنوي الذي يأتي من خارج الاتحاد الأوروبي- 196 ألفا - إلى "عشرات الآلاف"؛ غير أن العديد من المهاجرين الذين يأتون إلى هنا هم أقارب لمواطنين بريطانيين؛ والعمال غير المهرة لا يحصلون على أي تأشيرة. وهو ما يجعل من العمال المهرة فقط هدفاً سهلًا؛ حيث حدد كامرون سقفا لأعدادهم هو 24 ألفا هذا العام، بل ويعتزم خفضه إلى 22 ألفا لاحقاً، أي خمسة أقل مقارنة مع 2008. وقد جر "كاميرون" معه في ذلك شريكه المتردد في الائتلاف، أي حزب "الديمقراطيون الأحرار"، وشركات كبيرة متعددة الجنسيات عبر السماح لهذه الشركات بنقل الموظفين المهرة من الخارج. ولكن ذلك يتجاهل الشركات الأصغر حجما التي تخلق معظم الوظائف في أي اقتصاد. بعبارة أخرى، إن السياسة يتم رسمها على نحو أعمى نتيجة للإحباط، وليس التفكير العقلاني. فالجمهور يريد خفضا؛ ولما كان العمال ذوو المهارات العالية هم الهدف الأسهل الذي يمكن استهدافه، فإن السياسيين يختارون الفوز السهل – على حساب الاقتصاد. لقد أخذت الولايات المتحدة تداعب فكرة القيام بالشيء نفسه؛ حيث أجبر دعاةُ تقييد الهجرة "الجمهوريينَ" في الكونجرس على معارضة رفع سقف المهاجرين المهرة، بل ويريدون خفضه، على غرار ما حدث في بريطانيا. والحال أنه إذا لم يتعاون أوباما وجناح الشركات في الحزب "الجمهوري" على الدفع في اتجاه العقلانية والمنطق، فمما لا شك فيه أن الاقتصاد الأميركي سيعاني أكثر نتيجة لذلك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©