ظل ميناء ''الجيسير اس'' على الطرف الجنوبي للساحل الاسباني في واجهة مضيق جبل طارق يحتشد بالسفن التجارية من كل نوع، إلا أن هذا الميناء أصبح الآن يواجه تهديداً سافراً من على الجانب الآخر من المضيق الذي يقع بالقرب من تقاطع الطرق الخاص ببعض أكثر المسارات التجارية البحرية أهمية في العالم• فبعد أن أصبحت شركة ''إيه بي ام تيرمينالز'' المشغلة للميناء الاسباني تشكو من قلة وتدهور السعة سرعان ما عمدت إلى تطوير ميناء جديد في مدينة تانجير المغربية والتي بدأت تبرهن على كفاءة منقطعة النظير في عمليات مناولة السفن بحيث تفوقت مؤخراً على ميناء الجيسيراس• وعلى الرغم من أن الإداريين في كلا الميناءين رفضوا الكشف عن تكاليف العمليات إلا أن من الواضح أن الأعمال في ميناء تانجير أرخص ثمناً بكثير• ولكن أكثر ما فاقم من حجم التحدي ذلك الانخفاض الكبير في إعداد الحاويات التي يتم تداولها في جميع أنحاء العالم كنتيجة طبيعية للأزمة المالية حيث ذكرت شركة ميرسك السنغافورية للخطوط البحرية المستخدم الرئيسي للميناءين أن أحجام الحاويات التي قامت بنقلها في شهر مارس الماضي جاءت أقل بنسبة 20 في المئة مقارنة بنفس الشهر في العام الماضي• ويشير اندرياس كيلدسن المدير الإداري لشركة ''إيه بي ام تيرمينالز'' في الجيسير اس الاسبانية إلى أن انخفاض اعداد الحاويات أصبح يجبر شركات الشحن البحري من أمثال شركة ميرسك وغيرها على تحويل أعمالها وبسرعة إلى الميناء المغربي بحثاً عن مزايا انخفاض التكلفة وهرباً من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أخذت تمسك بخناق الأعمال التجارية في الجيسير اس بعد أن أصبح يتعين على شركة ايه بي ام تيرمينالز والنقابات العمالية والسلطة الحكومية التي تملك الميناء العمل معاً من أجل تحسين الكفاءة والجودة حتى تتمكن من التنافس مع الميناء المغربي• وعلى الرغم من أن شركة ''إيه بي ام تيرمينالز'' رفضت الكشف عن المبالغ التي تدفعها كأجور للعمال والمستخدمين في كلا طرفي المضيق إلا أن من المفهوم أن متوسط الأجور في المغرب حوالي 4 آلاف دولار في العام في حين يرتفع هذا الرقم إلى 14,5 ألف دولار في اسبانيا• وفيما يبدو فإن مثل هذه المواجهة التي أصبحت شائعة ما بين المستخدمين في العالم المتقدم والنامي باتت توعد بالمزيد من الانتشار في ظل توجه الشركات المتعددة الجنسيات لتوفير التكاليف والحد من الانفاق في مواجهة التباطؤ العالمي• ولربما أن أكثر ما زاد من حدة المواجهة في هذه الحالة هو قرب الميناءين من بعضهما البعض وبشكل غير اعتيادي، إذ يعتبر المضيق المكان الأول الذي تعمد فيه شركة ''إيه بي ام تيرمينالز'' إلى إنشاء ميناءين متنافسين وبهذا القرب من بعضهما البعض• ويقول كلاوس سيجلينج نائب رئيس شركة ايه بي ام لتطوير الأعمال التجارية العالمية إن الشركة كانت في حاجة ماسة إلى سعة جديدة في منطقة مضيق جبل طارق ووقع اختيارها على المغرب نسبة لأن العرض الذي تقدمت به لم يكن من الممكن مقاومته• وأضاف قائلاً إن المغرب تمتاز بمرونة فائقة في القوة العاملة بالإضافة إلي التكلفة العالية التنافسية، وأعتقد أن من المفيد للطرفين الدخول في هذا السباق التنافسي''، والآن فقد أصبحت المميزات التي يتمتع بها ميناء تانجير تتجلى في الرافعات البيضاء ومعدات المناولة التي تتسم جميعها بالحداثة والتقدم إلى جانب الحماسة والحرص الذي تبديه العمالة في سرعة مناولة الحاويات• وأصبح الآن بامكان الرافعات التي تقف على جانب أرصفة الميناء، والتي تعمل بكامل طاقتها منذ أغسطس الماضي، نقل 33 حاوية في الساعة الواحدة مقابل 29 حاوية فقط في ميناء الجيسر اس• ولكن النبأ السار الوحيد بالنسبة للعمالة في ميناء الجيسر اس بات يكمن في أن ميناء تانجير الحالي الذي يقع في حوض طبيعي بين الجبال لديه سعة محدودة وربما لن يتمكن من مناولة أكثر من 1,8 مليون حاوية في كل عام، مقارنة بعدد 3,6 مليون حاوية تمت مناولتها في ميناء الجيسير اس في عام •2008 لذا وكما يشير الفونسو جارنيشيا منسق العمليات في نقابة عمال ميناء الجيسير اس في منطقة الاندلس فإن ميناء تانجير ينطوي على العديد من المخاطر المستقبلية، ومضى يقول ''في الوقت الحالي لن يصبح باستطاعتنا منافسة تانجيير في التكلفة ولكننا سوف نستمر في منافسته مما نمتلكه من الكفاءة والجوده والاحترافية، إننا نحتاج فقط لبعض الوقت والمرونة لمواجهة تهديد التنافسية''• عن فاينانشيال تايمز
عدد اليوم
