الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا وحكماؤها··· في بروتوكولات أبناء موسى

تركيا وحكماؤها··· في بروتوكولات أبناء موسى
20 أكتوبر 2007 01:29
إذا ما طالعت أرفف أي مكتبة في تركيا، فسوف ترى بعضا من أغرب الكتب الأفضل مبيعا، منها على سبيل المثال غلاف كتاب أبناء موسى وهو الكتاب الأول من بين سلسلة يقول مؤلفها إنها تتكون من أربعة كتب، يصور الغلاف رئيس الوزراء التركي الملتزم ''رجب طيب أردوغان'' وسط نجمة داوود السداسية· أما بداخل الكتاب فسوف نقرأ فكرة غريبة قد تستعصي على فهم الكثيرين، مؤداها أن ''أردوغان'' وحلفاءه في الحزب الحاكم ذي الميول الإسلامية هم في الحقيقة يهود متخفيون يرتبطون بروابط سرية مع قوى التآمر التابعة للصهيونية العالمية· يقول ناشر السلسلة إن مبيعات الجزء الأول من هذه السلسلة قد بلغت حتى الآن 520 ألف نسخة، وهو عدد ضخم في دولة لا يزيد عدد سكانها عن 71 مليون نسمة· إن النظريات التي تتحدث عن تآمر اليهود ودورهم في كل ما يحدث في العالم من شرور لا حصر لها، ولكن ما يقوله المؤلف إنهم يخططون لإقامة دولة إسلامية في تركيا على حساب الدولة العلمانية يعد في الحقيقة إغراقا في الخيال· في الحقيقة أن أعضاء حزب العدالة والتنمية، الذي يقود البلاد هم في الحقيقة مسلمون ملتزمون على الرغم مما يقوله ''إرجون بويراز'' الذي كتب هذه السلسلة والذي ينسب نفسه إلى ''الكماليين'' أي المؤمنين بمبادئ وأفكار القائد التاريخي ومؤسس الجمهورية ''مصطفى كمال أتاتورك'' عام ·1923 وليس''بويراز'' وحده هو الذي ينتقد ''أردوغان'' وقيادات حزب العدالة والتنمية، إذ أن الحقيقة هي أنهم يتعرضون للعديد من الانتقادات من جانب النخبة التركية العلمانية التي تشعر بحساسية شديدة تجاه ما يصفونه بتعدي الإسلاميين على الفضاء العام للعلمانية· قد ذهب ''بويزار'' في كتابه للقول: بأن الصهيونية العالمية قد قررت حرف تركيا عن نهجها العلماني وتحويلها إلى جمهورية إسلامية معتدلة، نحن كأتراك يصعب علينا تصور أن الصهيونية العالمية يمكن أن تفضل قيام دولة إسلامية في تركيا على حساب الدولة العلمانية، رغم ما يقوله ''بويزار'' بأنها ستفعل ذلك لأن الدولة الإسلامية يمكن استغلالها بواسطة القوى الخارجية على نحو أسهل بكثير من استغلال دولة علمانية راسخة ذات ميول وطنية قوية· و''بويزار'' لا يقدم في كتابه أدلة تثبت صحة مزاعمه الغريبة: فهو لا يقدم وثائق ولا يشير في الهوامش الجانبية أو السفلية إلى أي بيانات أو معلومات أو حقائق موثوق بها، والنهج الذي يتبعه هو انتقاء بيانات ومعلومات غير ذات صلة ثم بناء تكهناته حولها· تعد هذه السلسلة استكمالا لسلسلة الكتب الشهيرة ''بروتوكولات حكماء صهيون'' وهي السلسلة الكلاسيكية المضادة للسامية التي تم الترويج لها من قبل النظام القيصري في روسيا منذ قرن من الزمان تقريبا· والسؤال هنا هو: ما هو السبب في صدور هذه السلسلة في الوقت الراهن وتوافرها في كل منفذ من منافذ بيع الكتب في تركيا تقريبا؟ وما هو الذي دفع مؤلفها لادعاء أن العلمانيين المتفتحي العقول- وليس المسلمون المعتدلون- هم الذين يعتنقون أفكارا معادية للسامية؟ الإجابة على ذلك تتعلق في الأساس بالمشاعر المعادية لأوروبا التي ظهرت في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية؛ فمنذ صعوده لسدة السلطة في تركيا عام ،2002 كثف حزب العدالة والتنمية من الجهود الرامية لانضمام بلاده لعضوية الاتحاد الأوروبي، وقد لقيت فكرة الانضمام إلى أوروبا قبولا كبيرا في تركيا، وهو ما لم يروق للقطاعات المتشككة في الأجانب، والمناوئة للديمقراطية، والتي تخشى أن تؤدي منظومة الحريات الأوروبية إلى إفساد أخلاق الشعب التركي، وترى أن الوسيلة الوحيدة لحماية تركيا هي الإبقاء عليها كدولة مغلقة وغير ليبرالية· الشيء اللافت للنظر في تركيا هو أن القوى الإسلامية تقف بشكل عام في الجانب الليبرالي المؤيد للغرب في حين يقف العلمانيون على الجانب الآخر النقيض، وهو ما تبدى بشكل واضح في الانتخابات التي جرت في الثاني والعشرين من يوليو، حيث حصل حزب العدالة والتنمية على معظم أصوات الناخبين المؤيدين للانضمام للاتحاد الأوروبي 47 في المئة، في حين أن الحزب الجمهوري المتطرف في علمانيته والمناوئ للغرب لم يحصل سوى على 21 في المائة فقط· قد يساعدنا ذلك على فهم أسباب ظهور سلسلة الكتب الأخيرة، وهو أن نشرها يأتي في إطار حملة تشويه للإسلاميين المحافظين يقودها العلمانيون، الذين يأملون أن يؤدي التشكيك في مصداقية حزب العدالة والتنمية، ووصف قياداته بأنهم عملاء لليهود إلى إقصاء مؤيدي الحزب، إلى عرقلة تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتقليل درجة تعرضها للأفكار الأوروبية التي ستؤدي إلى تآكل الهوية التركية· يذكر أن محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد أدت إلى إعادة ظهور تيارات، كانت قد اختفت في تركيا منذ سنوات طويلة؛ ففي شهر فبراير الماضي، روعت البلاد باكتشاف خلية فاشية تطلق على نفسها ''اتحاد القوى الوطنية'' ويقودها كولونيل متقاعد اسمه'' فكري كاراداج''، وفي يونيو عثرت قوات الشرطة على 27 حقيبة يدوية مليئة بمادة تي· إن· تي في منزل في اسطنبول، تبين أنه مملوك لجماعة فاشية أخرى ذات ارتباطات غامضة بقوى الأمن، وقاد القبض على تلك الخلية إلى الكشف عن خلايا أخرى كان من بين أعضائها'' بويراز'' مؤلف سلسلة الكتب موضوع البحث، والمناوئ للسامية والذي صنع لنفسه اسما في الآونة الأخيرة من خلال مقاضاة عدد من المفكرين الليبراليين الأتراك الأحرار كان من بينهم ''أورهان باموق'' الحائز على جائرة نوبل في الآداب، بتهمة إهانة الروح القومية التركية· في الوقت الراهن تتواصل محاكمه ''بويراز'' ورفاقه كما تتواصل أيضا محاكمة تركيا ذاتها على أيدي القوميين الراديكاليين· ويشعر الكثيرون في واشنطن الآن بالقلق بسبب ما يصفه بوش بالفاشية الإسلامية وهو مصطلح مضلل في الأساس، لأنه يقودنا مباشرة إلى الاعتقاد بأن هناك صلة مباشرة بين الإسلام وبين الفاشية في حين أن التوجس من الأجانب والسلطوية هي مشاعر وممارسات غالبا ما تكون لها جذور ممتدة في المجتمعات القابلة لاستيعابها، ثم يحدث بعد ذلك أن تختلط بأي نسخة من نسخ الدين أو حتى اللادين· وفي تركيا بالذات يمكن القول إن تلك المشاعر والممارسات ترتبط بالعلمانية أكثر من ارتباطها بالإسلام· نائب رئيس تحرير صحيفة ديلي نيوز التركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©