الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«باشيليه»... طفرة في قيادة تشيلي

15 مارس 2010 22:29
ممرضة أو مُدرسة... تلك كانت الإجابة التقليدية لأي فتاة تشيلية يسألها أحد عن الوظيفة التي تتمنى أن تعمل بها عندما تكبر. الوضع تغير الآن بعد السنوات الأربع التي أمضتها "ميشيل باشيليه" في الحكم. فعندما يوجه نفس السؤال لفتاة في تشيلي الآن، فإن الإجابة الوحيدة عليه: أتمنى أن أكون رئيسة جمهورية. هذا مجرد مؤشر رمزي من ضمن العديد من المؤشرات، على التغيير الذي أدخلته "باشيليه" خلال السنوات الأربع الأسطورية، التي قضتها في حكم البلد الذي كانت النزعات المحافظة، والتقاليد الراسخة، وثقافة التفوق الذكوري، تحكم فيه جنباً إلى جنب مع الرؤساء الذين كان من المحتم أن يكونوا من الرجال. هذه الفكرة تغيرت تماما الآن، بعد أن أنهت "باشيليه" فترة ولايتها في الحكم ونسبة تأييدها تبلغ 84 في المئة، وهي نسبة لم يسبق لأي رئيس تشيلي من الرجال أن وصل إليها من قبل. لازلت أذكر حتى الآن، اليوم الأول الذي أصبح فيه ذلك التغير ماثلاً للعيان. كان ذلك اليوم هو الذي تولت فيه "باشيليه" مقاليد السلطة عندما خرجت النساء جميعاً إلى الشارع باسمات، واثقات من أنفسهن، وهن يرتدين الوشاح الرئاسي على صدورهن، فخورات معتبرات أن فوز الرئيسة هو فوز لهن جميعاً. كان هذا هو موقف المرأة التشيلية في ذلك اليوم، أما الرجل التشيلي، وخصوصاً من طبقة النخبة فقد وجد صعوبة في التكيف مع حقيقة تولي امرأة لسدة السلطة في بلاده، كما وجدت هي نفسها صعوبة في كسب احترامهم لها، أكبر بكثير من الصعوبة التي وجدتها في كسب احترام الملايين من الجماهير العريضة التي صوتت من أجلها. في الشهور المبكرة من حكمها، تعرضت"باشيليه" للسخرية بسبب بنيتها الممتلئة التي جعلت البعض من طبقة النخبة يطلق عليها لقب"جوردي" الذي يعني" السيدة البدينة" بالإسبانية، كما تعرضت أيضاً للتهكم بسبب أسلوبها في القيادة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث اعتاد أصحاب النفوذ في تشيلي السخرية من عاطفتها الجياشة، وحديثها الدائم عن الحدس والفطرة السليمة، وشككوا في ذكائها ومهاراتها الإدارية. والكثير من هؤلاء تنبأ بأن أداءها في الحكم سيكون ضعيفاً، لدرجة تجعل الشيليين يفكرون طويلًا بعد ذلك قبل أن ينتخبوا امرأة كرئيسة للبلاد مرة أخرى.. كما سخر آخرون من محاولتها تقديم تشكيلة وزارية متوازنة بين الرجال والنساء، حيث كانوا لا يتوقفون عن التساؤل من أين يمكن لها أن تجد العدد الكافي من النساء اللائي يصلحن لشغل نصف عدد الحقائب الوزارية. ليس الغرض من ذلك الإيحاء بأن أداءها في الحكم كان استثنائياً، فالحقيقة أنه قد تراوح بين الصعود والهبوط كما شهد انتصارات وإخفاقات. من ضمن الصعوبات التي واجهتها في الحكم، تلك التي وجدتها في تطبيق نظام جديد طموح للمواصلات كانت الحكومة السابقة هي التي صممته، وكذلك المظاهرات الضخمة لطلاب المدارس الثانوية عام 2006 للاحتجاج على نوعية النظام التعليمي، والاحتجاجات التي قامت بها نقابات العمال للمطالبة بتحسين أوضاعها، ولكنها أثبتت وهي تواجه تلك الصعوبات والتحديات، وتقف في مرمى النيران المتقاطعة، أنها امرأة صلبة، قوية الإرادة، قادرة على الصمود. وعلى الرغم من بعض المثالب، فإن إرثها الإيجابي سيستمر طويلاً على الأقل بالنسبة للمرأة في تشيلي، حيث بنت عدداً من مراكز الرعاية النهارية لأطفال الأمهات العاملات يفوق كل ما بنته الحكومات السابقة، وطبقت نظاماً للمعاشات والتأمينيات الاجتماعية استفادت منه قطاعات من التشيليين عانت من الإهمال طويلا، وصاغت قانونا يعالج مسألة العنف ضد المرأة، كما تمكنت من مواجهة تداعيات الأزمة العالمية الحالية بفضل السياسات الاقتصادية والمالية الحصيفة التي كانت قد اعتمدتها عندما جاءت إلى الحكم، وظلت متمسكة بها. الشيء الأكثر أهمية من ذلك أن "باشيليه" تمكنت من المحافظة على نمط شخصيتها، ولم تغيرها السلطة فقد ظلت هي نفس المرأة ذات المظهر الأمومي، دمثة الطبع، التي لا تميل إلى المواجهة.. ولم تفعل ما تفعله عادة النساء اللائي يتولين المناصب الكبرى عندما يحاولن أظهار أنهن أكثر خشونة من كافة الرجال الذين يعملن معهم، وأثبتت أن النساء قادرات حقا على الحكم ولكن بوسائل مختلفة عن ذلك. وعلى الرغم من أنها لم تكن خطيبة مفوهة، أو سياسية شعبوية، فإنها نجحت في تكوين شعبية كبيرة بفضل ما كانت تشعه من دفء شخصي، وإحساس بالقرب والمشاركة، والتعاطف الحقيقي مع آلام شعبها وآماله. في الوقت الراهن، تحاول المؤسسات الكبرى في تشيلي إثبات أنها تعمل على توظيف النساء، وأن هناك بالفعل نساء كثيرات يشغلن مكانة مرموقة فيها، وحينما لا يكون هذا هو الوضع، فإنها تكون مضطرة للتفسير وشرح الأسباب. ويبدو هذا واضحاً من أن الرئيس الجديد "سيباستيان بينيريا" الذي سيحل محل "بايشليه" قد تعرض لبعض النقد لأنه قرر تعيين ست نساء فقط ضمن وزارته المكونة من 22 وزيرا. هناك لا شك الكثير مما لا يزال مطلوبا لتحسين حياة النساء في تشيلي، كما لا تزال هناك العديد من الموضوعات التي لم تُحل، إلا أن الشيء المؤكد هو أننا كنساء قد حققنا قفزات هائلة في عهدها وأن تلك القفزات تمثل مصدرا لفخر كل امرأة تشيلية، ويكفي أن الفتيات الصغيرات في هذا البلد الواقع في آخر العالم، يسعين لأن يصبحن رئيسات ولا يتوقفن كثيرا ليسألن ما إذا كان ذلك ممكنا أم لا. باولا إسكوبار شافاريا رئيسة تحرير صحيفة «إلميركوريو» التشيلية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©