السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلى جدتي: وداعا ًحبيبتي

20 أكتوبر 2007 03:29
قضيت معها سنتين من أروع سنوات عمري، عشت معها لأتمكن من الذهاب الى المدرسة حيث كان والداي يسكنان في منطقة جديدة لم يكن بها مدارس·· لذا اهتمت بي، فقد كانت تصحو مبكراً وتصطحبني الى مكان التجمع لمرور ''باص'' المدرسة، بعد وصول الباص تغادر المكان ملوحة لي بيديها ثم تعيد الكرة في وقت عودتي· فرحت فرحاً شديداً عندما انتقلت للعيش بجوارها انا وزوجي وابني·· عند زيارتي لها كانت تهم بالسؤال عن والدي الذي هو أكبر اخوانه حتى ولو كان قد زارها يوم أمس والذي كان يدفعها للسؤال هو شوق الأم ورغبتها في التمتع بالنظر الى ابنائها دائماً وأبداً، يفصل بين بيتي وحجرتها جدار، وتعودت كلما دخلت البيت أن أقوم بالطرق عليه كعادة شبه يومية وكنت متأكدة ان تلك العادة تشعرها بالسعادة· حينما أتصل بها أناديها بأسماء مختلفة فترد ضاحكة بأي اسم كان ''نعم'' ترد بسعادةالظمآن الذي كان ينتظر الماء ليروي ظمأه فتقول: ''هلااا مرحبا حي الله بنتي'' أسألها اذا كان ينقصها شيء من حاجات المنزل على الرغم من انني متأكدة ان ابنتها التي تعيش معها لا تدعها بحاجة الى أي شيء من أي شخص كان، ولكن كان سؤالي مثلما يقال ''طيبة خاطر'' فالإنسان الكبير في السن يفرح باهتمام من حوله به فكانت ترد ''لا يا أمي مشكورة مو محتاجة شي ربي خلاكم وهناكم الله يعطيكم الصحة والعافية وطول العمر''· كانت تؤنبني عندما اصرخ على طفلي أو أقوم بضربه وتقول ''لا تضربينه يكبر بيتعلم بعدين بينفعج'' ها هو ولدي يكبر ويتعلم ولكن أين هي؟ سافرت سفرها الطويل بلا عودة وغاب صوتها عن الدنيا بلا رجعة· يوم العيد كان ثقيلاً جداً نقص ركن مهم من أركانه كان جدول العيد يبدأ عند ارتدائنا ملابس العيد ثم الذهاب الى المصلى ومن ثم مباشرة الى بيتها حيث كانت المحطة الأولى لدى الجميع في كل المناسبات بسبب عجزها عن المجيء وصعوبة حركتها، كانت أول شخص نفكر في زيارته ثاني يوم بعد زواجنا او بعد ولادتنا نذهب اليها لترى المولود لنخفف عنها عناء المجيء إلينا، فكانت تريح قلوبنا بدعواتها الطيبة·· ذهبنا يوم العيد الى بيتها فكان موحشاً شبه خالٍ على الرغم من تجمع أبنائها وبناتها وأحفادها وبعض الجيران، الجميع كان موجوداً ولكن لم يستطيعوا ان يعوضوا مكانها· انها جدتي·· حبيبتي، غادرت هذه الحياة وأغمضت عينيها ورحلت الى دنيا غير دنيانا، جمعت أمتعتها في أول يومين من رمضان وشدت الرحال في يومه الثالث، ماتت وتركت ذكرى في كل مكان·· موقفا في كل زمان·· كلمات سكنت في الآذان·· ما زلت أتخيل انني سأسمع صوتها عند اتصالي بها، وما زلت أتخيل انني سأراها عند دخولي بيتها· لم تعد بحاجة الى دموع المتصنعين ولا بكاء النادمين، فهنيئا لمن برها وسامح الله الآخرين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©