السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوبيون لبنانيون يبدأون موسم الحصاد «المر»

جنوبيون لبنانيون يبدأون موسم الحصاد «المر»
25 ابريل 2009 00:13
منذ خيوط الفجر الأولى يفيقون، يحاربون النعاس الذي أثقل أجفانهم، سعياً وراء لقمة العيش المرة. تدنو إليهم ورائحة الأرض لا تزال تعبق في ملابسهم وهم فرحون ولا يتذمرون، فشتلة التبغ مصدر رزقهم واستمرارهم. إنه موسم قطاف الدخان الذي يهم في تحضيره قسم كبير من اللبنانيين عموماً، والجنوبيين على الخصوص. فللقطاف عندهم معنى آخر ودلالة أخرى. فشتلة التبغ تزهو معهم، يتآلف الجميع في مشهد واحد، لا يكاد ينتهي مع قطاف الموسم، حتى تبدأ الحكاية من جديد مع بداية زراعة الموسم الجديد وتستمر الحكاية. دم ودموع شكلت زراعة التبغ منذ زمن طويل، المورد الرئيسي لحياة الجنوبيين، واعتبرت اللقمة المغمسة بالدم والدموع، مرة تتحكم فيها القوانين الروتينية والمحتكرون لاستغلال تعب الناس وجهدهم، ومن جهة أخرى، كان العدو الإسرائيلي يتلف المحاصيل، فتسقط وريقات التبغ محترقة. ففي غياب اي وسيلة اخرى للعيش ما عدا الاغتراب، فإن هذه الزراعة هي البديل الطبيعي لاي رهان اقتصادي ومعيشي للأهالي، لأنها مصدر وحيد للدخل، خصوصاً في المناطق التي لم تصل اليها مشاريع الري. تتركز زراعة التبغ في النبطية وضواحيها، وفي بلدات عيترون وصريفا، وصديقين وقانا وعلما الشعب وعيتا الشعب، ويارين والضهيرة والجبين، ومروحين وطيرحرفا وغيرها من بلدات منطقة صور. وأنت تتنقل في البلدات الجنوبية، ترى مشاهد وفيرة من الأراضي التي حصدت للتو، وكلما تقدمت في المناطق تستوقفك خضرة شتلات التبغ المتماوجة على مد النظر. فحوالي 16.500 عائلة تستفيد وتعتاش بنسب مختلفة من مردود زراعة التبغ. وتقول فاطمة عواضة إن «زراعة الدخان جزء مهم من حياة الجنوبيين، لأنها حفرت تجاعيدها على كفوفهم وأياديهم، وإن كان ثمن الكيلوجرام الذي نحصل عليه، عند تسليم المحصول لا يساوي تعبه، لأنه يخضع لمزاج الخبير من ادارة حصر التبغ». بداية الحكاية وتضيف: «تبدأ الحكاية ببذرة صغيرة تتم رعايتها حتى تنمو، وهذا العمل يتطلب جهداً، يبدأ من الصباح الباكر وحتى الظهر، وفي شهر يونيو حين تنمو البذرة لتصبح شتلة، تقلع من المشتل وتغرس في الارض، وبعد ان تنضج الاوراق، تقطف ثم تشك في سلك معدني رقيق ثم تفرغ في خيط من القنب، وتنشر في الشمس لتجف وتحفظ بعدئذ معلقة على الجدران في احدى زوايا المنزل، وفي الخريف تفرط الاوراق وتدك بعضها فوق بعض، ثم تعبأ في طرود بحسب جودتها وتتابع مسيرتها». زراعة الدخان بحسب أم محمد هي «زراعة الفقراء» الذين لا عمل عندهم، وتضيف:»آخر السنة نطلع نحن ومدخول المحصول متعادلين بالتعب والمصاريف». محفورة على كفي ولزهرة علوية، التي بلغت العقد السادس من العمر، حكاية حميمة مع زراعة الدخان، حيث عملت بها منذ أن كانت في سن الصبا، وأهل بلدتها يتندرون بالصلة العميقة بينها وبين شتلة التبغ، ومن أجل ذلك ونتيجة للخبرة التي اكتسبتها في شك الدخان وتوضيبه، فهي حازت جائزة من إدارة الريجي اكثر من مرة، لإتقانها عملها ولجودة إنتاجها. تقول علوية: «ربما قدري أن اعيش عمري كله مع هذه الشتلة، فهي اصبحت كل حياتي، حتى انها حفرت على كفي شقوقا سوداء، فهي مورد رزقي أنا وعائلتي». وتتابع: «أيام القطاف هي الأشد مشقة، فيها تصحو العائلة كلها عند منتصف الليل، على أساس أن القطاف لا يكون الا وقت الندى. نذهب الى الحقل والنعاس يغلب جفوننا حاملين المشاعل حتى تظهر الحقول في الظلام الدامس».من جهته، يتحسر محمد خريس على أيام زمان حيث كان المردود جيدا، اما اليوم فالكلفة مرتفعة، والمزارع يستدين على امتداد السنة، حتى يسد مصاريفه في نهاية الموسم. ضيق الرزق يعرف ابو احمد دبوق بالمزارع العتيق والعريق، وهو علّم أولاده الثمانية من شتلة التبغ، حتى حصّلوا شهاداتهم العليا. يقول: «كنت أزرع أكثر من 30 دونماً وكان مردودها ممتازاً، فهي وفرت لعائلتي حياة كريمة، خصوصاً حين كان اطفالي يشاركونني العمل ايام العطل.. اليوم تبدل الوقت، المردود بات غير كاف، خصوصاً لصاحب العائلة الكبيرة، فالكلف مرتفعة حتى أصبح المزارع يستدين على امتداد العام». في السياق ذاته، يوضح المدير العام لإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية ناصيف سقلاوي، أن إدارة حصر التبغ والتنباك ليست هي التي تحدد الأسعار، بل وزارة المالية التي حددت الأسعار منذ العام 1996، بشراء الكيلو من التبغ بسعر يتراوح بين الألف والـ14 ألف ليرة، حسب جودة المحصول، مع العلم أن ادارة التبغ تدعم هذا القطاع بحوالي 50 مليار ليرة. أما عن دعم المزارع، فيقول: إن «الإدارة تقدم كل المعونات الممكنة لتحسين نوعية الإنتاج لكي يكون الافضل، فيستفيد من مدخول جيد، فهي تقيم دورات ارشادية زراعية، وتقدم موتورات رش للمزارعين ومبيدات زراعية لمقاومة الأوبئة والأمراض»
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©