الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لاجارد: على أوروبا أن تشمر أكمامها

لاجارد: على أوروبا أن تشمر أكمامها
23 أكتوبر 2007 01:45
''كريستين لاجارد'' وزيرة المالية الفرنسية، ليست مستعدة للتخلي عن لغتها القومية فحسب، ولكنها مستعدة لأن تفعل ذلك لصالح اللغة الإنجليزية التي تقول إنها تفضل الحديث بها· وعندما يبدي أحد تعجبه من ذلك، فإنها غالبا ما ترد عليه بلكنة أنجلو ساكسونية سليمة المخارج بقولها: ''نحن في الحقيقة نحاول أن نغير مفهوم الشعب الفرنسي للعمل''· قد يقول بعضهم إن تلك مهمة يائسة، أو محكوم عليها بالفشل، لأن العمل كما يفهمه ''الغاليون'' -نسبة إلى أرض ''غالة'' وهي المساحة التي قامت عليها فرنسا- لا يعني سوى الاستغلال، كما أنه خدعة ابتكرها رجال أعمال أميركيون لصوص، وأفضل طريقة للتغلب عليه أو معادلته وتنظيمه وتقليله إلى الحد الأدنى، هو إتاحة الفرصة للتمتع بأطول وقت ممكن من ساعات الفراغ· وهذا الميل موجود في صلب الثقافة الغالية، وربما يكون قد تعزز أيضا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتحول فرنسا كي تصبح هي المدرسة الفكرية الغربية الرئيسية المناوئة للرأسمالية الأميركية· ولكن ''لاجارد'' البالغة من العمر 51 والمعروفة بأناقتها اللافتة للأنظار، لم يطلق عليها لقب ''الأميركية'' دونما سبب، حيث يعتبرها الكثيرون ممثلة لوجه فرنسا الجديدة، والساعية للتخلي عن تقاليدها البالية أثناء الحرب الباردة· والحقيقة أن لقب الأميركية يعكس مدى براعتها في اللغة الإنجليزية، وخلفيتها كموظفة تنفيذية كبيرة في مؤسسة ''بيكر آند ماكينزي'' القانونية، كما يعكس كذلك الصراحة التي اكتسبتها من حياتها في شيكاغو· وفي مقابلة أجريت معها قالت ''لاجارد'' إن فترة العشرين عاما ونيف التي قضتها في خدمة تلك المؤسسة الأميركية، علمتني ثقافة العمل الأميركية وهي أنك كلما عملت أكثر، كلما ازداد المال الذي تكسبه، وكلما زادت أرباح شركتك فذلك هو شعار العمل في الولايات المتحدة''· أما الشعار المقابل لذلك في فرنسا فهو: إنك كلما عملت ساعات أقل، كلما حصلت على اجازات أكثر، وكلما توافر لديك وقت أطول للتشكي من أحوال الكون، وهو ما يمنحك إحساسا بأنك أكثر ذكاء من الغير، وخصوصا عندما تتم مقارنتك بهؤلاء الأغبياء المدمنين على العمل في الجانب الآخر من الأطلسي، الذين يضيعون وقتهم كله في العمل، ولا يتبقى لديهم منه شيء يمكن لهم استغلاله في ممارسة هواياتهم· و''لاجارد'' التي تم تعيينها من قبل الرئيس الفرنسي الجديد ''نيكولا ساركوزي'' منذ 4 شهور فقط، تعرف أنها تواجه تحديا كبيرا تعّرفه هي بقولها: ''الشيء الذي أثار دهشتي عندما عدت من شيكاغو عام 2005 هو أن القانون الخاص بتحديد ساعات العمل الأسبوعية بخمس وثلاثين ساعة كان قد تم تمريره في الجمعية الوطنية الفرنسية ــ البرلمان ــ وتم تعميمه بالفعل وهو ما أدى إلى نتائج كارثية''، إن الناس لم يعودوا يتكلمون عن عملهم وإنما أصبح جل حديثهم يدور حول عطلة نهاية الأسبوع الطويلة· وهدف ''لاجارد'' كما تقول هو تخفيض نسبة البطالة العالية في فرنسا التي تبلغ 8 في المائة في الوقت الراهن إلى 5 في المائة فقط بحلول 2012 مع زيادة نسبة العمالة إلى 70 في المائة من إجمالي عدد السكان ارتفاعا من الرقم الحالي وهو 63 في المائة، وتأهيل المزيد من الفرنسيين للعمل يعد من الأسس الجوهرية التي تقوم عليها خطتها الطموحة في هذا المجال· ومن ضمن أهدافها كذلك تخفيض الضرائب، وتخفيض إعانة البطالة، لأي شخص يرفض عرضين ملائمين من عروض العمل التي تقدم له، وتأجيل سن التقاعد، ومنح حوافز للموظفين الذين يعملون أكثر من 35 ساعة في الأسبوع، وتخفيض الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بالبحث عن الوظائف، وتحسين التدريب المهني· وتعلق ''لاجارد'' على القانون بقولها:'' يجب علينا الالتفاف على هذا القانون، وإظهار أنه لا يمثل مبدأً مقدسا، وأنه قابل للتعديل، والتغيير، والتحوير، والتخفيف، بل وللإلغاء إذا ما لزم الأمر''· على الرغم من أن ''لاجارد'' تعرف جيدا أن الكثيرين يتوقعون أن يخرج العمال الفرنسيون احتجاجا على ذلك القانون الإصلاحي، وأن الحكومة الفرنسية كانت تتراجع في كل مرة يلوح فيها في الأفق شبح اقتحام ''الباستيل'' إلا أنها تصر على أن ذلك لن يحدث هذه المرة، وأنها مصممة على متابعة هذه الإصلاحات حتى النهاية، خصوصا وأن هناك أغلبية كبيرة قد صوتت لصالح البرنامج الإصلاحي الذي حظي بقدر كبير من الإشادة والدعاية، وأن فرنسا تمر بمرحلة من التغيير بعد أن تولاها رئيس يتبنى رؤية مؤداها أن بلاده يجب ألا تكون مقيدة بأي قواعد، أو مبادئ أو بروتوكولات تحول دون حرية حركتها''، وهي تصر على أن فرنسا التي ظلت لفترة طويلة تتبنى آراء مضادة للعولمة، تريد الآن أن تتبنى موقفا أكثر إيجابية ''تستفيد فيه من العالم المعولم بدلا من تبني موقف دفاعي ضد العولمة''· هذا وضع يُحمد لفرنسا في الحقيقة لأنه من المعروف أنه سيكون من الصعب إعادة الحيوية لأوروبا إذا ما ظلت ديناميكية فرنسا غائبة عنها، وفي نفس الوقت فإن أوروبا إذا ما ظلت تتوجس من فرنسا، فإن ذلك لن يكون في صالح أي أحد كما أنه إذا ما كانت أميركا المتعجرفة تمثل مشكلة، فإن أوروبا المقصّرة سوف تكون استكمالا لتلك المشكلة أو ملحقا لها· ومعالجة هذا القصور في الأداء الأوروبي في نظر ''لاجارد'' ترتبط بأسعار الصرف، فهي تقول حول هذه النقطة: ''هناك عيب تنافسي عندما يكون لدينا يورو قوي، في مواجهة ين ضعيف نسبيا، ويوان يراد له أن يكون ضعيفا، ودولار منخفض''، وتصر ''لاجارد'' على أن هذه المشكلة وغيرها من المشاكل لها حلول، وأن الدول الأوروبية تعرف الحلول، وما عليها سوى أن تشمر أكمامها، وتشرع في العمل من أجل حلها· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©