السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة أولاند... الواقعية الجديدة!

17 فبراير 2014 23:28
يبدو الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الذي قام بزيارة دولة إلى الولايات المتحدة، كما لو كان شخصاً مختلفاً عن الرجل الذي انتخبه الفرنسيون قبل 21 شهراً. ففي ذلك الوقت، استخدم أولاند نبرة استعداء ضد عالم المال قائلاً: «إنه عدوي الحقيقي»، وتعهد بالانقلاب على التقشف الاقتصادي في أوروبا، وأعلن بفخر «إنني اشتراكي». واليوم، يعيش أولاند في سلام مع البنوك، ويؤيد خطة جديدة صديقة للشركات تهدف إلى تقليص تكلفة البرامج الاجتماعية عن كاهل أصحاب العمل، وبدلاً من توسيع الاقتصاد، أكد أنه سيواصل خفض الإنفاق العام حتى عام 2017. وخلال الشهر الماضي، أسقط الرئيس الفرنسي أيضاً صفة «اشتراكي» ووصف نفسه بأنه «ديمقراطي اشتراكي». وفي حين استهجن كثيرون في بقية دول العالم الاضطرابات التي عصفت بحياة أولاند الخاصة، جذب تغييره لوصفه الأيديولوجي انتباه كثيرين في فرنسا تحديداً. وللوهلة الأولى، يبدو هذا التحول مجرد تصريحات رنانة، إذ لم يحدث أي تغيير في الحكومة لإقصاء الوزراء اليساريين الذين لا يحبذون النهج الجديد، كما أن الرئيس لم يغير نمط حكمه. وفي غضون ذلك، لم يحاول أولاند فرض إجراءات جديدة، بل آثر التراجع عند أول إشارة على حدوث اضطراب، وحدث ذلك الأسبوع الماضي مرة أخرى، عندما تخلت الحكومة عن خطط لتغيير «قانون إصلاح الأسرة». إذن، ماذا يعني التغير الأيديولوجي لأولاند؟ إن أفضل نموذج معروف للديمقراطية الاشتراكية في أوروبا موجود في الدول الإسكندنافية، حيث تعمل الإدارة والعمال معاً لإيجاد إجماع بشأن السياسات الاجتماعية والاقتصادية. وأما في فرنسا، فهناك تشتت كبير في علاقات العمال، إذ إن 8 في المئة فقط من العمال الفرنسيين ينتمون إلى اتحاد عمالي، وهي نسبة صغيرة مقارنة بالولايات المتحدة. وعلى رغم ذلك، تشتهر فرنسا بين الدول الأوروبية بأن لديها أكبر عدد من أيام العمل التي تضيع جراء الإضرابات العمالية، ومن ثم، فإن توضيح أولاند للأيديولوجية التي يؤيدها لا يغير الأمور، فقد قال إنه «اشتراكي وإصلاحي وواقعي، وفوق كل ذلك، وطني». وفي هذه الأثناء، لا يبدي معظم الفرنسيين أي إعجاب بتوجهاته، لا سيما أن تقييمات شعبية الرئيس ترزح بالفعل عند مستوى منخفض انخفاضاً تاريخياً، وما زالت تواصل التراجع، وقد كشف استطلاع للرأي في السادس من فبراير الجاري أن نحو 19 في المئة فقط من الناخبين لا تزال لديهم ثقة فيه. وعلى رغم ذلك، لم يكن الرئيس هو السياسي الفرنسي الوحيد الذي يُحاط بضبابية أيديولوجية، فخصومه في جناح اليمين أيضاً يقدمون رؤية بعيدة عن التماسك في إطار معركتهم في سبيل الترشح لخوض المنافسة الرئاسية في 2017. وقد أدى التناحر بين زعيم «الاتحاد من أجل حركة شعبية» جان فرانسوا كوبيه، ورئيس الوزراء السابق فرانسوا فييُّون إلى استنزاف تأييدهما، وأثار تكهنات بشأن احتمال ترشح الرئيس السابق ساركوزي، الذي خسر أصلاً في ترشحه لنيل فترة ثانية أمام أولاند في انتخابات 2012. وقد سمح هذا الفراغ لجماعات هامشية بالظهور، لا سيما أن السخط العام نادراً ما كان بهذا الارتفاع، إذ إن 87 في المئة من الناخبين الآن يعتقدون أن التيار الرئيس من السياسيين لا يكترثون بما يفكر فيه المواطنون العاديون، حسب استطلاع للرأي أجراه معهد «سيفيبوف» السياسي. ويعتبر حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبن الذي يروج لإجراءات صارمة في مواجهة الهجرة وانفصال فرنسا عن منطقة اليورو، هو المستفيد الأكبر من هذا الإحساس بالاستياء الشعبي، ويتقدم الحزب في استطلاعات رأي الانتخابات البرلمانية الأوروبية. وقد أفضى هذا الموسم من الاستياء أيضاً إلى ظهور عدد من القوى المنفصلة بشكل كبير التي نزلت إلى الشوارع في مظاهرات، من بينهم الأساقفة المسيحيون والجماعات المعادية للسامية التي ترفع شعارات مثل «إخراج اليهود من فرنسا». وبالطبع، يسهم استمرار تدفق الأخبار الاقتصادية السيئة في حالة التذمر بين الفرنسيين، بينما عجز أولاند عن الوفاء بوعده الخاص بوقف زيادة البطالة بحلول نهاية العام الماضي، إذ يعيش الآن نحو 3,3 مليون فرنسي بلا عمل، بارتفاع 400 ألف عن وقت تولي الرئيس السلطة، بينما يزيد معدل البطالة البالغ 10,8 في المئة عن الضعف مقارنة بألمانيا. وعلاوة على ذلك، لا يزال اقتصاد فرنسا متباطئاً، في حين تظهر الاقتصادات الأخرى في منطقة اليورو دلالات على التعافي الاقتصادي. وعلى الرغم من ذلك، تعتبر الأيديولوجية أمراً بالغ الأهمية أيضاً، لا سيما أن تبني النهج الشعبي لطالما كان جوهرياً في السياسة الفرنسية، فعلى سبيل المثال، كان الحزب الشيوعي حتى سقوط سور برلين يحقق حضوراً قوياً في الحياة السياسية في فرنسا، خصوصاً في البلديات. وعلاوة على ذلك، تتحمل الأيديولوجية بعض اللوم بشأن الضعف الاقتصادي الحالي، فلطالما كانت فرنسا واحدة من الدول الأساسية المستفيدة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي أوجدت مليوني فرصة عمل، لكن التدفقات الاستثمارية تراجعت العام الماضي بانخفاض 77 في المئة إلى أقل من 5,7 مليار دولار. وتلقي الشركات الدولية باللوم على أولاند بسبب تصريحاته «المعادية» للشركات، والضريبة الشهيرة البالغة 75 في المئة على الدخل الذي يتجاوز مليون يورو (1,36 مليون دولار). ويعتقد 13 في المئة فقط من مديري الشركات الأميركية التي يوجد لها مقر في فرنسا أن شركاتهم لديها رؤية إيجابية بشأن القيام بأعمال في تلك البلاد، مقارنة بـ 56 في المئة في عام 2011 قبل انتخاب أولاند. وأياً كان ما يعنيه أولاند بوصفه السياسي الجديد، يزعم المفكرون الفرنسيون أن الديمقراطية الاشتراكية باتت مفهوماً قديماً بسبب العولمة التي بدلت العلاقات بين الشركات والموظفين. وربما كانت رحلة أولاند إلى الولايات المتحدة فترة استراحة قصيرة، ولكن عليه، بعد عودته إلى فرنسا أن يواجه مرة أخرى المنتقدين، وأن يوضح لمواطنيه المتشككين أنه لديه حقاً خطة، وأن تحوله الأخير ليس مجرد تشوش. ‎بيتر جومبيل كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©