الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخصوصية الثقافية في مواجهة الغزو الناعم

الخصوصية الثقافية في مواجهة الغزو الناعم
25 أكتوبر 2007 02:02
في ثورة الاتصالات و''القرية الكونية الصغيرة'' يتنامى الخوف على الخصوصية الثقافية· وتتراكم التساؤلات حول الهوية ويكون الحوار الحتمي مع الآخر هو الملاذ الآمن من شبح الانعزالية والتقوقع والانكفاء على الذات· منتدى ''الاتحاد'' السنوي، الذي عقد يوم الاثنين الماضي، خصص جلسته الثانية لبحث السجال الدائر حول العولمة والخصوصية الثقافية، ضمن نقاش ساخن وبناء لكوكبة من المفكرين العرب· مصطلحات متداولة استهل الدكتور أحمد عبدالملك الجلسة الثانية بالتأكيد على أن منتدى ''الاتحاد'' السنوي يفتحُ آفاق الحوار وتبادل الرأي في قضايانا المعاصرة، مشيراً إلى أنه بعد الحرب الباردة ظهرت علينا مصطلحاتٌ عديدة، بعضها ما يزال يمارس اغتصاب الحقائق ويقهر الشعوب؛ وبعضها فكك الدول وشطرها، وبعضــها ما يزال خفياً ولم تظــــهر نتائــــجُ استعماله· تغنينا كثيراً بالنظام العالمي الجديـد، والشرق الأوسط الجديد، والجلاسنوست، والبيروسترويكا، والناس الأخيار والناس الأشرار، ومحور الشر ومحور الخير، وفسطاط الخير وفسطاط الشر، واقتصاد السوق، والغزو الفكري، والتيسير العالمي، (كما قال فوكوياما)، حيث يعني تجاوز الدول دون إحضار أو حضور أو استرجاع التاريخ؟! وغيرها· ولأن دول العالم الثالث -ومنها الدول العربية- دولٌ متلقية دائماً، فلقد تلقينا تلك المصطلحات وتداولناها كما تداولنا السيارة الأميركية، والتلفزيون الرقمي، والحواسيب، والدوت كوم! جدلية ''الدخول'' وأكد الدكتور عبدالملك أن العولمة أحد المصطلحات التي دخلت قاموسنا اليومي؛ وبدأت حكوماتنا تعميمه علينا، وتأكيد حتمية التعامل معه· وظهرت بوادر استحسان واستهجان في قضية ذلك الدخول، فهنالك من يقول: إن عدم الدخول في العولمة، يعني بقاء الدولة والمجتمع خارج التفاعل الأممي! من التعريفات الغريبة للعولمة: ''أنها تعني كل شيء، ولا تعني شيئاً بعينه''· ولعلنا نشير هنا أن العولمة -فيما تعنيه- زوالُ الحدود والاندماج وانتهاء الاختلاف، والنحو تجاه محو الخصوصية الثقافية للشعوب! وعملقة الاقتصاد، ما يؤدي إلى الابتعاد أو إهمال الاستراتيجيات وطغيان الاهتمامات الاقتصادية، وأن هذا العالم أصبح ملاذاً لـ''العقلاء'' الذين ينجحون في إدارته لخدمة البشرية، ومن هنا جاءت كلمة )اٌُقفٌى فُّىَُ( لتؤكد هذا المعنى· ويعتقد بعضهم أن العولمة تعني إزالة الحدود والقيود على التجارة، لكنها من زاوية أشمل تعني الاندماج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، أي إزالة الحدود بين الشعوب في كافة الميادين· كثيرون تحدثوا عن ''الخصوصية الثقافية''، وظهر فريق يعادي هذا المنطوق، وينظر إلى العالم نظرة واحدة تتمثل في إزالة الفروق والحدود أمام الإنتاج وما يصاحبه من نتاج فكري أو مظاهر فلكلورية أو تراثية· كما ظهر فريق آخر يُعادي هذا الانفتاح -حتى في ظل تبادل أو تلاقي الثقافات، ويرى أهمية معاداة الفريق الأول ''القوي''، وإن اشتمل ذاك العداء على توظيف العنف والإرهاب في تلك المعاداة! صمام الأمان الورقة الرئيسية للجلسة كانت للدكتور طيب تيزيني أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق، فهو يرى أن ثمة حالة أخذت تتفشى في أوساط الباحثين والمثقفين والكتاب في مناطق واسعة من العالم، ومن ضمنها البلدان العربية، وهي التناول الواسع والمعمّق في أحوال معينة، والتناول السريع واليومي الصحفي في أحوال أخرى، لثنائية العولمة والثقافة· ولعل اتساع الاهتمام بالظاهرة المذكورة على النحو المذكور يعود إلى أنها ظهرت وبرزت تحت تأثير الحدث الأعظم، نعني نشأة النظام العالمي الجديد على أنقاض العوامل الثلاثة الشهيرة: تفكك الاتحاد السوفييتي ونتائج حرب الخليج الثانية وثورتا الاتصالات والمواصلات· وكما يلاحظ، فإن ذلك كان له وما يزال وقع ذو دويّ عالمي عمومي تشترك فيه القارات الكونية كلها· لكن على طرف آخر من ذلك الاتساع للظاهرة المعنية، تعود أهمية هذا الاتساع لسبب له خصوصية عربية وبالضبط تحديداً في إطار المثقفين العرب، نعني بها انتشار المقولة أو الفرضية أو الأطروحة التالية، وهي أن ''الثقافة والجبهة الثقافية'' هما صمّام الأمان الأخير في ''معركة الوجود'' العربية· فمع الإخفاق في المشاريع الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، ومع السقوط في الحقل السياسي والآخر التنموي والثالث القضائي والرابع المتعلق بالتعليم العالي···إلخ، برزت المقولة المذكورة بوصف كونها الرهان الأخير في أيدي العرب· مرحلة سقوط الرهانات هكذا راحت معالم حالة جديدة تطرح نفسها لدى فئات من ممثلي الفكر العربي الراهن، إنها الحالة التي تتحدد في سقوط الرهانات، إلا واحداً: الثقافة· ومن شأن هذا أن يعني أن الثقافة ''العربية'' ظلت بمنأى عن السقوط الكبير، الذي تعرض له ويتعرض له الواقع العربي· وفي هذه الحال، تظهر مقولة ''الحطام العربي المفتوح''، التي نستخدمها في رؤيتنا المنهجية للواقع العربي الراهن، بمثابتها تعبيراً دقيقاً عن واقع الحال· فحالة الحُطام العربي هذه هي، ليست مطلقة، بل نسبية· أما هذه ''النسبية'' فنعبّر عنها، هنا، في كون الحطام المذكور مفتوحاً، غير مغلق· وبصيغة أخرى أقرب إلى الخطاب الثقافي العمومي، يقال إن الآمال في ''التغيير الإيجابي'' ما زالت قائمة، وتحديداً من موقع الثقافة· والآن، فإن المخاوف من أن تُطبق ''العولمة'' على الثقافة العربية وتفكّكها، لم تعد ذات بال· ولكن، لماذا ذلك؟ هل الثقافة العربية حال تتوضّع خارج التاريخ وفوقه؟ فهي، من ثم، بنية متعالية على الزمان والمكان، مِما يحتفظ بها بوصفها رهاناً حيّاً وفاعلاً، وواعداً أبداً وبالطبع، يترتب على ذلك إقرارٌ، بقدر ما، بأن خصوصية هذه الثقافة تكمن في أنها ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان· ونحن إنْ وضعنا ذلك مُنمْذجاً، وليكنْ بصيغة ما كتبه محمد عابد الجابري، مثلاً، فإننا نجد أنفسنا أمام مجرى الأفكار التالي:''الهوية الثقافية هي حجر الزاوية في تكوين الأمم''· وإن ''الهوية العربية هوية مكتملة وثابتة، ولكن التجارب والتحديات تجعل من الضروري بين حين وآخر إعادة ترتيب عناصر هذه الهوية''· وعلى هذا، فـ''الثقافة العربية بوصفها الإطار المرجعي للعقل العربي، نعتبرها ذات زمن واحد منذ أن تشكلت إلى اليوم، زمن راكد يعيشه الإنسان العربي اليوم مثلما عاشه أجداده في القرون الماضية''· إشكالية مفتوحة في ضوء ذلك كله، نتبيّن أن المقولة، التي أتينا عليها حول كون الثقافة العربية (ومن ثم الهوية العربية) هي صمام الأمان الأخير في الواقع العربي الحُطامي للخروج به من المأزق الذي دخلت فيه أو ستدخل فيه تحت قبضة النظام العولمي الجديد، نقول، إن تلك المقولة، تدلّل على بطلانها، لأن الثقافة المذكورة، سينظر إليها حالئذ وفي أساسها الإبيستيمولوجي العربي، خارج السياق التغييري التاريخي، حتى قبل أن ينشأ ذلك النظام الجديد· وبهذا يجري تجاوز ما يعتبره فريق من الباحثين العرب ''إشكالية مفتوحة''، على صعيد العلاقة بين الخصوصية الثقافية (العربية تحديداً) والعولمة· مفاهيم غير صارمة وفي تعقيبه على ورقة د· طيب، يرى الدكتور برهان غليون أن الورقة تفتقر إلى الصرامة والوضوح· للصرامة لأنها لم تعن كثيرا بتحديد المفاهيم التي تستخدمها، وفي مقدمها مفهوم العولمة· وللوضوح لأنها حفلت بالتعميمات سواء في ما يتعلق باستعراض أفكار الباحثين الذين تشير إليهم، أو في ما يتعلق بأسلوب عرض تأكيدات وأفكار تحتاج إلى حجج وبراهين لا تظهر في النص· ولذلك غلبت على الورقة الرؤية الذاتية والايديولوجية· وتستحق العولمة والثقافة مناقشة أكثر رصانة وعلمية وبرودة أعصاب في المنتديات العربية اليوم بعد أن كتبت باللغة العربية حول العولمة والثقافة محاولات عديدة يتحلى كثير منها بدرجة كبيرة من الجدية والعمق· على سبيل المثال، لم أفهم انتقادات الكاتب بالفعل لمحمد عابد الجابري ولا لمكلوهان ولا لما كتبته أنا نفسي· وهو في كل مرة لا يبين للقارئ الفرق بين مستوى التحليل الوصفي لظاهرة العولمة كما أشار إليها الباحثون ومستوى الموقف منها وتقدير آثارها على الثقافة العربية· فوصف الواقع ليس تبريرا له ولا تأكيدا على أحقيته أو صلاحه· ومن الممكن انطلاقا من وصف موضوعي لواقع العولمة تبني مواقف مختلفة منها أو من ظاهرتها، حسب منظومة القيم التي توجه الباحث أو الغايات التي يهدف إليها· فوصفي مثلا للعولمة بأنها تمثل ديناميكية تنزع إلى توحيد المكان والزمان، أي إلى خلق فضاء عالمي واحد، بسبب ثورة الاتصالات، لا يعني بالضرورة ما استنتجه الكاتب من أنني أعتقد أن توحيد الفضاء الثقافي العالمي أو فتح أجزائه واحدها على الآخر، يعني الاعتقاد بأن هذا التوحيد هو حالة ايجابية أو سلبية· بل أكثر من ذلك لا يعني كما تشير الورقة أنني مع توحيد الثقافة العالمية· ولا بالتأكيد أن العولمة تمثل كما تقول الورقة ''المرحلة العليا النهائية للبشرية، بحيث إن ما يراه بعضهم من أن الظاهرة المذكورة ذات طابع انتقالي فقط، يأتي ما يأتي بعدها، ليس إلا راسباً وهمياً من رواسب ما سبق العولمة· وبكيفية أخرى، يغدو القول وارداً بأن الثنائية، التي تحدثنا عنها في مفتتح هذا البحث، ستأخذ المنحى التالي: إن العولمة التي تعني إدخال العالم في نمط واحد من التاريخية الواحدة وضمن مكانية ثقافية واجتماعية وسياسية موحدة أو في طريقها للتوحيد، تقود -ضمن ما تقود إليه- إلى تفكيك العموميات المتعددة وإلى تذويبها لصالح ما اعتبره غليون ''تاريخية واحدة''· سراب الثقافة الموحدة فلا يمكن أن نستنتج من التأكيد على وجود نزوع تاريخي لتوحيد الفضاء الثقافي أن هناك ثقافة موحدة أو الدعوة إلى قيام ثقافة بشرية واحدة تنفي الثقافات الأخرى والخصوصيات· فما بالك بأن تكون هذه الثقافة الموحدة هي ثقافة الأمبريالية· ففي فضاء ثقافي عالمي موحد يمكن أن تحضر ثقافات عديدة، وهذا هو الواقع، تتنافس في ما بينها على السيطرة وعلى احتلال مركز أو موقع الثقافية المرجعية· ولا يمكن كذلك أن نستنتج من مجرد الحديث على أن العولمة تعني اختصار المسافة وتسريع وتيرة الزمن، وهذا معنى توحيد الفضاء أو المكان، أن العولمة هي المرحلة العليا للإنسانية· ثم لم أفهم بالفعل ماذا تعني المرحلة العليا للإنسانية؟ يمكن للرأسمالية، أو لنظام ما، أن يشهد مرحلة عليا، كما ذكر لينين عندما وصف الإمبريالية بأنها أعلى مراحل الرأسمالية، لكن لا أفهم ما هو المقصود من أعلى مراحل الإنسانية· ربما نقول إن عبارة مكانية تاريخية واحدة قد أشكلت على تيزيني ففهمها خطأ على أنها ثقافة واحدة، وربما فهم من وصفي للظاهرة على أنه تبن لها ولنتائجها وتبشير بالخلاص عبر وحدة الثقافات· د· برهان غليون يرى أن المشكلة الرئيسية في تحديد المفاهيم، فهل العولمة هي الهيمنة؟ هناك مصطلحات مربوطة نسبياً أي أنه لابد من الضبط العلمي للمفهوم· كلنا نتفق على أن الخصوصية مهمة، فلا وجود لجماعة مستقلة من دون أمة مستقلة، وكيف ندافع عن الخصوصية في أجواء العولمة؟ الماركسيون يتحدثون عن ''تسليع الثقافة''، لكن عصر العولمة دفع إلى الخصوصية، فعلى سبيل المثال، سيطرت الثقافة الإسلامية على الساحة، ومجتمعاتنا ارتدت إلى الخصوصية أكثر مما كانت عليه في الخمسينيات، أي أن هناك موجة هائلة من الخصوصية· مشروع للمواجهة أما عبدالله عبيد حسن، فقد نوّه إلى ضرورة الخروج بمشروع لمواجهة تحديات العولمة على المستوى الثقافي، ذلك لأن الثقافة العربية وحدها لا يمكنها مواجهة العولمة، بل إن العالم العربي يستطيع بقدراته القيام بذلك· ما هو العدو؟ في تعقيبه على د· طيب تيزيني يرى د· بهجت قرني أن الورقة لم تتعرض لبعض التفاصيل الرئيسية مثلاً: ما هو العدو الذي تواجهه الأمة العربية والذي تحاول منعه من النيل من ثقافتها؟ هل هي العولمة كعملية تاريخية متشعبة ومتصلة الحلقات؟ أم هي الأمركة التي تُجسّدها الولايات المتحدة كدولة مهيمنة في نظام القطب الواحد أو الأوحد؟ هناك بالطبع اتصال وثيق بين شخصية وهوية القطب المهيمن وهوية المنظومة العالمية الحالية، ولكن هل يمكن اختزال عملية تاريخية معقدة ومتشعبة مثل العولمة في دولة واحدة مهما كانت قوتها؟ هل اختزال العولمة في الأمركة يُهّون من خطر العدو ويٌقلل من خطورته نسبياً، وقد يقودنا بالتالي إلى حسابات أكثر تفاؤلاً مما يسمح به واقع العولمة؟ هيمنة المال والإعلام قال الدكتور أحمد عبدالملك أثناء افتتاحه فعاليات الجلسة الثانية إن التجاربُ دللت على أن مَن يمتلك المال القوي والإعلام القوي لقادر على فرض ''هيمنة'' أو سبق داخل مفهوم العولمة، وهو سيفرض مادة مصانعه ونتاج فكر علمائه، إلى جانب أيديولوجيته الثقافية على الآخرين· (إن 12% من سكان العالم يمتلكون أدوات المعرفة والتكنولوجيا؛ وهذه النسبة أيضاً تسيطر على أكثر من 90% من حجم التجارة العالمية، كما أن تكنولوجيا الإعلام والمعلومات تخدم 20% من سكان العالم وأن 80% يعيشون خارج نعيم هذه الخدمة)· وإذا ما كانت هذه الأرقام قبل ظهور مصطلح العولمة، فما بالكم بعد تطبيق المبدأ أو المصطلح؟! العولمة لا تعني تذويب الخصوصية أشار د· برهان غليون إلى أن العولمة الثقافية تعني تنامي كثافة الاتصالات والتفاعلات والاحتكاك بين الشعوب، وبالتالي بين الثقافات التي تحملها· وتفاقم هذه الكثافة التواصلية من التنافس بين الثقافات، وتعومها جميعا، وتوجه تحديات للخصوصيات الوطنية والقومية· لكن هذا التفاعل المتزايد لا يعني بالضرورة تذويب الخصوصيات ولا إزالتها من الوجود· فمن جهة أولى تستطيع الثقافات الوطنية التي تنجح في الارتفاع إلى مستوى العالمية، أي التي تتمثل قيما إنسانية كونية تمثلا فعليا، أن تحافظ على نفسها وتصبح طرفاً فاعلاً في الثقافة العالمية· ومن جهة ثانية تقدم التفاعلات المكثفة والمستمرة فرصا أكبر للتجديد الثقافي وللتمايز داخل الثقافة العولمية والثقافات الخاصة نفسها· أما الثقافات الوطنية التي تخفق في استيعاب القيم الكونية فتتحول إلى ثقافات هامشية، أي معزلية، متقوقعة على نفسها ومتكلسة في جوهرها، لكنها ليست ميتة ولا زائلة· إنها تستمر لكن على مستويات أخرى غير تلك المستويات الثقافية الفعالة السائدة التي تحتل مستوى الثقافة العالمة والمبدعة· ويقود هذا الوضع إلى تصدع أو ازدواجية ثقافية داخل هذه المجتمعات يفقدها الانسجام والاتساق في الهوية وربما يدفع بها حقيقة إلى أزمة هوية حادة وسريرية· الرد على هذا التحدي الكبير الذي يجرد الشعوب من إمكانية استيعاب الحداثة العولمية على أسس تجديد ثقافتها الوطنية ويدينها بالسير بساقين مختلفي التكوين والتصميم، لا يكمن في إدانة العولمة ورفض الانفتاح أو في التقوقع داخل الفضاء الثقافي العالمي· وإنما بتعزيز قدرة الثقافات الوطنية على الارتقاء إلى مستوى العالمية في الميادين اللغوية والإبداعية والإنتاجية في المجالات الدينية والأخلاقية والقيم المدنية والسياسية والتجديدات العلمية والتقنية· من دون ذلك لن يفيد خطاب الشكوى والتذمر والشجب والتحريض على الانسحاب من العولمة أو الخوف الكبير منها في شيء سوى تعظيم فرص أن تكون العولمة مناسبة لتهميش الثقافة الوطنية وتحويلها إلى ثقافة عازلة ومعزلية، وبالتالي على دفع جمهورها نفسه إلى الخروج منها والارتداد عليها· وهو ما نعيشه اليوم في العديد من بلداننا العربية التي بدأت تغزوها، بعد حقبة الاعتزاز القومي المبالغ فيه، ثقافة الالتحاق اللغوي والعلمي والتقني بالغرب، وبالتالي تخصيص الجزء الأكبر من الموارد المتوفرة لتطوير ثقافة الالتحاق، باسم اللحاق بالحضارة، على حساب الاستثمار في تطوير الثقافة العربية· غزو سرطاني يرى بهجت قرني أن ما يميز ورقة د· تيزيني أنها تتعرض للوقت العالمي الحاضر، والذي نعبر عنه باختصار شديد بالعولمة، أي اختزال الزمان والمكان بما يمس الحياة اليومية للأفراد سواء في صحراء الربع الخالي أو في مجاهل أفريقيا· هناك إذن للجميع تقريباً هذا التلاشي المتزايد بين الواقع الآني أو المعاش والواقع الافتراضي ليكونا في الطريق- أرادوا أم لا- إلى نمط واحد ''كالفئران في الظلام''، أي مجرد أشياء، أو كما أحسن التعبير بعض الماركسيين: تشييء المجتمع Commodification of Society.· معالجة هذا الموضوع الخلافي والمهم بهذا الأسلوب وفي هذه الورقة القصيرة فعلاً طريقة ناجحة لتوصيل الرسالة ومغزاها عن الثقافة في لحظة العولمة، تشخيص واقعي لحالة التنميط التي نعيشها بل ونواجهها، وهي فعلاً مواجهه رغم أن أسلحتها الرئيسية ليست المدافع ولا الطائرات، ولكن ما نستطيع أن نسميه ''الغزو الناعم'' الذي قد لا يقل فتكاً وشراسة في نتائجه عن الغزو الخشن أو المسلح، لأن الغزو الناعم يتناسب مع زمن العولمة حيث يختار أهدافه بدقة وإتقان على أساس معلومات محددة ويهاجم المجتمع من الأساس نفسه أي المكون الثقافي، لكي يتمكن من تقويضه وحتى يحل مكانه شيئاً آخرا يتمشى مع منظومته هو، وبالتالي يكون هذا الغزو الناعم مثل السرطان أكثر خطورة وأكثر فاعلية من الغزو المرئي بالمدافع والطائرات· وضمن هذا الاطار نجح الالمان واليابانيون في الصعود وإعادة البناء لأنهم احتفظوا بعناصرهم الثقافية الاسياسية· بين الوحي والفقه مداخلة الدكتور خليفة علي السويدي، وضعت اليد على مشكلة التفاعل العربي مع العولمة، فهو يرى أن إشكالية العولمة والثقافة تكمن في آلية تعامل العقل العربي مع العولمة والثقافة، ويقول: كمسلم أنا مؤمن بالوحي، لكن لتحويل ما قاله الوحي إلى واقع، فإن الأمر يستلزم فقهاً· المشكلة في السياق العربي تتمثل في نسيان الوحي وتثبيت الفقه· فمن غير المبرر قبول اجتهادات فقيه ما ليصبح كلامه هو الأصل، وهذا أحد أسباب تخلفنا، حيث ثبتنا أشياء في الماضي، لكن آن الأوان أن تتغير· مطلوب منا إعادة برمجة العقل العربي بحيث تجعله قادراً على تثبيت أمور وتغيير أمور· الشباب والهيمنة الثقافية الدكتور علي محمد فخرو، لفت الانتباه إلى اهتمام الشباب العربي بالأفلام الأميركية والصحف الأميركية، فمنهم من يقرأ ''نيوزويك'' ومعظمهم لا يعرفون كتب مفكرين كمحمد عابد الجابري، فما هو الحل؟ هؤلاء الشباب لن يكونوا قادرين في المستقبل على تقديم شيء بسبب الهيمنة الكاملة للعولمة الثقافية، وهذه مشكلة بحاجة إلى حل· فرصة للتنوع مداخلة الأستاذ محمد حلمي شعراوي على الورقة الرئيسية في الجلسة كانت مناشدة طالب خلالها المثقفين العرب بضرورة استثمار أجواء العولمة في الاقتراب أكثر من مفهوم التنوع، وفي هذا السياق يجب الاهتمام بالثقافات الأفريقية والآسيوية واللاتينية· في مرمى التُهم الماركسية تساءل الدكتور عبدالله المدني في تعقيبه على ورقة الدكتور تيزيني: كيف نرفض نظام العولمة ونقبل بنتائجه؟ العولمة قللت من قيم الإنسان، حسب د· طيب تيزيني، لكن العولمة وقيمها تدعو للتسامح والانفتاح واحترام المرأة، على عكس ما يحدث في السياق العربي، ويجب ألا نرمي العولمة بكل هذه التهم، ويبدو العولمة لدى بعضهم تنطلق من مواقف ماركسية معادية للولايات المتحدة· وبناء على ما يدور في أميركا اللاتينية، هناك من يبشر بعودة الماركسية انطلاقاً مما يجري في فنزويلا، رغم أن ما يجري في أميركا اللاتينية كالبرازيل وتشيلي يتماشى مع العولم- دول آسيا تساير العولمة ولا تبالغ في مسألة الهوية والخصوصية· أين مقعدنا في القطار ؟ زينب حفني أعجبتها مقولة الدكتور طيب تيزيني عن ''تسونامي ثقافي جديد''· لكنها وجدت أن هذه المقولة تأخذ الحابل بالنابل· صحيح أنه لابد أن نحافظ على هويتنا الثقافية، لكن هل يمكننا الحصول على مقعد في قطار العولمة؟ أعتقد لا، أقلامنا مسيسة وإعلامنا مسيس وتاريخنا يشوبه التزوير· لابد من بناء أجيال جديدة· كيف نثق في المثقف الذي تعينه السلطة كثيراً؟ أكبر مناهض للعولمة أشار د· أحمد جميل عزم، في مداخلته على ورقة الدكتور طيب تيزيني، إلى أن تعريف الخصوصية الثقافية غير واضح، لكن ثمة تساؤلا يطرح نفسه هو: هل يجب الحفاظ على هذه الخصوصية؟ الإشكالية الآن هي الربط بين العولمة والأمركة، ومن يتابع تطورات العولمة يجد أن ردة الفعل التي أثيرت على الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة تشير إلى أن أكبر مناهض للعولمة الآن هو الكونجرس الأميركي· وبالإضافة إلى ذلك، فإن أغلب الباحثين الأوروبيين يرون أن العولمة كظاهرة لم تكتمل وليست باتجاه واحد· إيجابيات منسية الدكتور خالد الحروب يرى أن تعريف العولمة عند د· طيب تيزيني تعريف جبروتي إلى حد ما، فهل نحن داخل نظام العولمة أم خارجه؟ نقطة الانطلاق عند طيب جامدة وصلبة· ويرى الحروب أن هناك عولمة قيم حقوق الإنسان، عولمة إعلامية··· وكل نوع من العولمة له انعكاسات مختلفة على العالم العربي· بسبب العولمة، كل العرب في المهجر يتابعون قضايا أوطانهم عبر الفضائيات، المشكلة ليست في العولمة بل في الهوية الثقافية العربية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©