السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصومال بين الإرهاب والأزمة الإنسانية

الصومال بين الإرهاب والأزمة الإنسانية
31 مارس 2008 02:52
كان الوقت يشير إلى 3,25 صباحاً في مدينة ''دولبي'' الصومالية عندما ضربها في الثالث من الشهر الحالي صاروخ أميركي تناثرت شظاياه في محيط دائرة واسعة مخترقة الجدران الخشبية الرقيقة لمنزل ''محمد نوري سلاد''، وبسبب تلك الشظايا أصيبت ''أمينة'' -الابنة الكبرى ''لسلاد'' البالغة من العمر 15 سنة- فشقت جلدها من الأذن إلى الفم، ولم تتمكن ''أمينة'' من الحصول على العلاج المناسب طيلة أيام حتى هُربت عبر الحدود إلى كينيا، لكن الصاروخين اللذين أطلقتهما الولايات المتحدة على مدينة ''دولبي'' الصومالية لم يكونا الأخيرين، بل كانا ضمن أربعة صواريخ استهدفت أفراداً مرتبطين بتنظيم ''القاعدة'' في الصومال· فقد أعلن المسؤولون الأميركيون أن الضربات الأخيرة كانت موجهة إلى ''صالح علي صالح نبهان'' وهو مواطن كيني مشتبه فيه بتفجير أحد المنتجعات الكينية عام ،2002 فضلا عن السفارة الأميركية عام ·1998 يضاف إلى ذلك أن الضربة استهدفت ''حسن تركي'' -زعيم صومالي للجماعة الإسلامية المتطرفة المعروفة باسم ''اتحاد الإسلامية'' والمدرجة على قائمة الولايات المتحدة والأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية- لكن بعد أربعة أيام على إطلاق الصواريخ شوهد ''تركي'' في أحد مساجد ''دولبي'' بعد صلاة الفجر، وقد استغل الهجمات الصاروخية الفاشلة للتنديد بأميركا، محذراً من أن أي شخص أبيض يعمل في المنطقة سيتم التعامل معه كجاسوس، حتى لو كان ضمن عمال الإغاثة، وفي مطلع ذلك الأسبوع نزل المئات من سكان ''دولبي'' إلى الشوارع في احتجاجات تلقائية ضد الضربات الصاروخية مرددين شعارات مناهضة لأميركا، ولتبرير ضرباتها الصاروخية تتذرع الإدارة الأميركية بالحرب على الإرهاب واستهدافها لتنظيم ''القاعدة''، معتبرة أنها مخولة قانوناً بالقضاء على أفراد ''القاعدة'' المزعومين وملاحقتهم أينما وجدوا في العالم، ومع أن الولايات المتحدة لا تدعي استهدافها للعناصر الإرهابية في شوارع لندن، أو في أي منطقة تكون فيها الحكومة مستعدة وقادرة على اعتقال واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الإرهابيين، إلا أنه في أماكن مثل الصومال، حيث تغيب سلطة الدولة وتنعدم القوات الأميركية تصبح الصواريخ الأسلوب الوحيد لضرب ''القاعدة''· لكن بأي ثمن؟ فسواء كانت الصواريخ موجهة ضد ''نبهان''، أو ''تركي'' فهي لم تصب سوى المدنيين، وهو النموذج الذي بدأ منذ العام 2007 في الصومال عندما أوقعت هجمة أميركية بالصواريخ عددا كبيرا من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين بينما تمكن الهدف الحقيقي من الهرب، وحتى لو كانت الضربات الصاروخية مبررة قانوناً، وهو ما نشك في صحته، فإن الضحايا المدنيين الذين يسقطون في مثل هذه الهجمات يؤجج مشاعر العداء ضد أميركا، وهو ما تستفيد منه الجماعات المسلحة لحشد المزيد من الدعم وتعزيز حضورها، وفي الوقت نفسه لا ينتبه أحد لمشاكل حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية المستفحلة التي تفاقمها السياسات الأميركية، فقبل خمسة عشر شهراً ساندت الولايات المتحدة تدخلا عسكرياً إثيوبياً واسعاً في الصومال تكلل بطرد الحكومة الإسلامية من العاصمة مقديشو وتنصيب حكومة ضعيفة وإن كانت تحظى بدعم دولي، وقد أدى هذا التدخل -كما كان متوقعاً- إلى اندلاع تمرد عنيف تقوده الجماعات الإسلامية والصوماليون العاديون الذين ينظرون إلى إثيوبيا باعتبارها عدوهم التاريخي· وهكذا انخرطت القوات الإثيوبية والصومالية في قتال مرير ضد تحالف من المتمردين يطالب بانسحاب إثيوبيا من الصومال أسفر عنه سقوط الآلاف من الصوماليين المدنيين، واضطرار 700 ألف منهم - 60 بالمائة من سكان مقديشو- إلى مغادرة المدينة هرباً من العنف، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن كلا من المتمردين والقوات الإثيوبية والصومالية ارتكبوا جرائم خطيرة مثل تشويه الأسرى من الجنود، وقصف المناطق السكنية والمستشفيات، ونهب المنازل، والنتيجة هي تنامي متوقع للمشاعر المناهضة للغرب وأميركا لدى الصوماليين الذين لم يُعرف عنهم في السابق مساندتهم للحركات الإسلامية الراديكالية، وبعد خمسة عشر شهراً على الغزو الإثيوبي بدأ المتمردون يكسبون مواقع جديدة في العاصمة ومناطق أخرى من البلاد، مستفيدين من الغضب والاستياء الناتجين عن الفظائع المرتكبة، وفي هذا السياق تشير التقارير إلى انضمام أعداد متزايدة من الشباب الصومالي إلى صفوف المتمردين، معقداً بذلك الجهود الأميركية المبذولة لمحاربة الإرهاب· والواقع أن القضاء على بضعة إرهابيين هنا، أو هناك لن يسهم في حل مشاكل الإرهاب العالقة، بل يتعين على كل سياسة تتوخى الفعالية في محاربة الإرهاب التصدي للتداعيات الإنسانية الخطيرة والتي تقود إلى تأجيج الأزمة بدل حلها، ويعني ذلك إنهاء التفويض المفتوح الذي تتمتع به إثيوبيا ورهن استمرار الدعم للحكومة الصومالية الانتقالية بوقف استهداف المدنيين، وإنشاء لجنة تقصي مستقلة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتلبية احتياجات الآلاف من الصوماليين الذين نزحوا إلى مناطق أخرى داخل الصومال فالاعتراف بالأزمة الإنسانية في الصومال والسعي إلى حلها سيساعد على إحلال الاستقرار في البلاد أكثر من إطلاق الصواريخ وقتل المدنيين· جينفير داسكال مستشارة في محاربة الإرهاب بمنظمة هيومان رايتس ووتش ليزلي ليفكو باحثة متخصصة في شؤون القرن الأفريقي بنفس المنظمة ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©