الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إغودار أقدم البنوك التي عرفها التاريخ البشري

إغودار أقدم البنوك التي عرفها التاريخ البشري
26 أكتوبر 2007 01:52
على بعد بضعة كيلومترات من مدينة أكادير في الجنوب المغربي، وفي منطقة أشتوكة أيت باها، تطالعك بنايات تقف شامخة تصارع الزمن، لا تعبأ بتقلبات الدهر وصروف الزمن، هذه البنايات التي بقي منها القليل يصارع الموت بفعل الإهمال تسمى ''إغودار'' وهي جمع لكلمة ''أغادير'' بالأمازيغية التي تعني باللغة العربية ''الحصن'' أو ''التل'' وهي مخازن جماعية عرفتها هذه المنطقة ومناطق أخرى بالأطلس الكبير· يذكر التاريخ أنها عرفت منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وكان التجار القرطاجيون يعقدون صفقات تجارية في هذه الأمكنة مع السكان الأصليون لمقايضة سلعهم بالسلع المحلية التي تتوزَّع بين الثمور والحبوب والعسل والزيوت وجلود الماعز وغير ذلك· ويعتبر المؤرخون أن هذه البنايات ''إغودار'' كانت أول وأقدم نظام بنكي عرفه التاريخ البشري، وتمكن هذه البنايات التي شيدت بجهد جماعي بالأحجار والطوب من طرف سكان القرية من تخزين الحبوب والمحاصيل الفلاحية وحفظ الزيوت والعسل ،وكذلك الحلي والكتب وأدوات التطبيب والأسلحة وغير ذلك· ويتولى تسيير هذه المخازن التي غالباً ما تحتوي على غرف كثيرة يبنى سقفها بألواح الأشجار وجريد النخل يكون نصيب كل عائلة من عائلات القرى التي تتواجد بها هذه المخازن أكثر من غرفة واحدة يصل طولها في الغالب إلى 8 أمتار، ويضم خزانات للماء وأبراج للمراقبة وغرفة لأمين المخزن الذي يتولى حراسته· أمين المخازن يشرف على تسيير هذه المخازن الجماعية العريقة رجل يختاره سكان القرية بالتشاور وغالبا ما يكون هذا المسير أو الأمين من سكانها ومن أبنائها، ويقوم أمين المخازن بحفظ وجرد ما أودعه أهل القرية في غرفهم الخاصة التى تتواجد بهذه المخازن مع تطبيق الأحكام الصارمة والطريفة التي كتبت على ألواح خشبية قديمة وتتناقلها الأجيال شفاهيا· هي دستور وقوانين خاصة بتسيير شؤون هذه المخازن· ومن أطرف ما جاء في هذه القوانين قانون يحفظ حقوق الطفل حيث لا يمكن محاكمة أو معاقبة أي طفل صغير إذا تم ضبطه متلبسا بسرقة شيء من هذه المخازن، في حين تنزل أحكام قد تكون في بعض الأحيان قاسية على راشد أو عابر سبيل يسرق من هذه المخازن· ومن هنا نلاحظ أن حقوق الطفل عرفها سكان هذه المنطقة قبل قرون خلت· كما تصون قوانين هذه المخازن حقوق الحيوان ومن أغرب ما جاء في ''دستور'' هذه المخازن أن هناك ضريبة خاصة يستخلصها أمين المخازن من سكان القرية وتدعى هذه الضريبة بـ ''نصيب القط''، وتسمى بالأمازيغية ''أغنجا أموش'' كون هذا الحيوان الطريف يسهر على قتل الجرذان التي تتلف الحبوب التي تخزن في هذه المخازن· وأمين المخزن يسهر على إطعام هذه القطط من الضريبة التي يستخلصها من السكان والتي غالبا ما تكون من الزبدة واللحم والخبز، كما تذكر الألواح أن أمين المخزن وحده من يستفيد من الحبوب التي تتساقط من غرف المخزن أثناء تخزين المحاصيل الزراعية ووحدها الدجاجات التي يملكها أمين المخزن تستفيد من حق التقاط الحبات المتساقطة من غرف المخزن، وتذكر ''قوانين'' هذه المخازن أنه إذا تم ضبط دجاجة تلتقط الحب المتساقط من غرف المخازن ولم تكن من دجاجات أمين المخزن، فإن لهذا الأخير كامل الحق في مصادرتها· حقوق الجار ومن بين الأعراف التي تضبط التعامل في هذه المخازن القانون الذي يحفظ حقوق الجار في غرف المخازن، وتنص هذه القوانين على المحافظة على غرف المخزن وصونها من التلف، كما تؤكِّد هذه القوانين على أن صاحب الغرفة العليا مسؤول تلقائياً عن الغرفة السفلى وصاحب الغرفة السفلى مسؤول بدوره عن الغرفة الأسفل، ويجب على أصحاب هذه الغرف حفظها من التلف لكي تحفظ ما بداخلها من حبوب ومحاصيل زراعية وغيرها· وقد بدأت هذه المخازن تعرف تدهورا منذ السبعينيات من القرن الماضي حيث بدأ سكان القرى التى تتواجد بها هذه المخازن الجكاعية اعتماد المعمار الحديث وتشييد مخازن عصيرية من الحديد والإسمنت والاستفادة منها بدل المخازن التى خلفها الأجداد والتى بقيت وحدها تقف شامخة بين السهول والجبال تصارع وحدها ظروف الطبيعة القاسية التى تعرفها المناطق الجبلية بالأطلس الصغير والمتوسط · وقد كتب عن هذه المخازن وأشاد بقيمتها الجمالية والمعمارية الكثير من الباحثين الأوروبيين ويأتي على رأسهم الباحث الفرنسي الشهير جاك مونيي والذي نشر كتاباً مهماً عن هذه المخازن سنة ·1951
المصدر: المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©