الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفاصيل

26 ابريل 2009 00:51
تعلمنَّا أنَّّه لا يجدر بنا الإصغاء إلى الصغائر، وقيل لنا مراراً إنَّ قدرة المرء على تجاوز العقبات الصغيرة هي التي تمنحه موقعاً بين الكبار، كما انفرجت الكتب السميكة أمامنا عن الكثير الكثير من الحكم والعبر الداعية إلى تحصين النفوس إزاء مغويات الانقياد نحو سواطح الأشياء والأمور.. المسألة كانت من الإلحاح بحيث دفعت «الأستاذ»، كما كان يطيب للطيب صالح أن يكني أبو الطيب المتنبي، لأن يطلق بيته الأثير من الشعر النقي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكريم المكارم. قبل أن يردفه بآخر لا يقل عنه إيحاءاً: وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم. هكذا تعين على من طلب العلى ليس أن يسهر الليالي فقط، وإنَّما أن يمضي سهراته المضنية ناظراً نحو البعيد البعيد، متخطياً أعباء القرب وإرباكاته اللامتناهية. إنحاز أبناء هذه المدرسة التجاوزية نحو مفردات موحية ومثرية انطوى عليها القاموس التعظيمي: التسامي، التسامح، التغاضي، التعالي.. وقد بلغت المبالغة لدى بعضهم حدَّ إثارة الالتباس بين الارتقاء والضعف، إذ لم يكن متاحاً دوماً الركون إلى أنَّ ما يمارسونه من إغفال للإساءة، وحمل الآخرين على الأحسن دوماً، إنَّما يجد تفسيره في مقولة الكِبر الذي ينأى بأصحابه عن مقارعة الصغار. في المقابل: بدا لوهلة أنَّ الامتثال لنصائح الناصحين ممكن، بقدر ما هو مجاني لا ينشد سوى إدراك ذرى مكارم الأخلاق، حتى جاء زمن ساطع بلغ من حدة شفافيته أنَّه لم يعد ممكناً معه التستر على المثالب أو العيوب، زمن فضَّاح جعل كثيرين من أبناء الرؤية المتغاضية عاجزين عن الاستمرار في تلقي انعكاساتها المكلفة، وصار عليهم أن يأخذوا أماكنهم في لعبة «ردَّ الحجر من حيث أتى».. في حين أمكن لقلة نادرة أن تسير في الدروب الوعرة إلى نهايتها، أو إلى ما حسبته كذلك، مبدية من الصبر ما يتخطى مرتبة المألوف.. كان لتعقيدات الزمن الجديد أن شرَّعت طرح الأسئلة حول مصداقية النقاء الذي يغلف سلوك القلة تلك، هواجس كثيرة أثيرت متسائلة ما إذا كانت الغاية أبعد من مجرد سلوك مناقبي محايد، ولم تأت الأجوبة دوماً مساعدة على إخماد نار الشك في أذهان المشككين، كما لم يكن صعباً تبيان أنَّ كثيراً من تلك السلوكيات المتساهلة يخفي خلفه قدراً من التكبر المضمر، وهو حتماً غير الكِبر المنشود. كان للزمن الكاشف أن أعاد خلط الأوراق مجدداً، وأفرز ما يمكن تصنيفه كإعادة اعتبار للتفاصيل الصغيرة التي وُصفت يوماً بأنَّها مأوى الشياطين، تذكر الإنسان أنَّّّه وإن لم يكن شيطاناً فهو ليس بالملاك كذلك، ولن يكون لمحاولاته الالتحاق بجنس الملائكة نصيباً من النجاح يتجاوز ما يحظى به سعيه لتصنيف سواه في مرتبة الشياطين. ثمة مزيج عجيب من تفاصيل صغيرة هو الذي يصنع مفاهيمنا ويشكل رؤانا وقيمنا، ولن يسعنا تغيير هذا التفصيل البسيط مهما أوغلنا في الانحياز لما نحسبه جوهراً
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©