السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلاوي الإعلام وتوقعاته

12 فبراير 2011 20:29
بُلي قطاع الإعلام بكتاب صحفيين يتوقعون المستقبل القريب بتحليلات ينظرّون لها وكأنها رؤى لا بد حاصلة ، ثم يلحقونها بتحليلات أخرى ليبرروا سبب عدم حصولها، وبين هذه وتلك يدفع كثيرون ثمناً باهظاً أحيانا، وأكثرها أسفاً ما يلحق بالمؤسسات الإعلامية العريقة من أضرار لا يمكن تعويضها غالباً، خاصة عندما يكون مثل هؤلاء الكتاب نافذين بفضل هذه المؤسسات ومن ورائها. والأشد بلاء على الإعلام من بين هذه الفئة أولئك الذين يزايدون على مراكز القرار ويبالغون في استخدام سلطة الإعلام لدرجة الاستبداد الحقيقي الذي يساهم في التعمية على الأزمات وحقيقتها حتى بعد انفجارها. فبعض هذه الفئة تأخذه العزة بهذه السلطة وما كان قد حققه عبرها من شهرة فيعتقد أن التصرف به حقاً من حقوقه المكتسبة. قبل أن تتحول الحركية المطلبية «الإصلاحية» إلى ثورة تغييرية، توعّد بعض الصحفيين «اللامعين» تظاهرات الشباب المصري في 25 يناير الماضي بشرّ العقاب ونعتها بأبشع الصفات وطالب بمحاكمة المحركين و»المحرضين» عليها بتهم الخيانة والعمالة وتخريب النظام العام، وكان بوعيده وتهديده غداة اليوم الأول من التظاهرات وكأنّه يمارس وظائف الشرطة والسلطان والقضاء مجتمعين، في مقابل تجاهل مطبق لكل أدوار الإعلام الأخرى، وأولها محاولة معرفة حقيقة ما يجري وأسبابه، ولو على سبيل خدمة مراكز القرار ونصحها، قبل أن يكون حرصا على الموضوعية نفسها. إن المميزات التي يتمتع بها الإعلام الرسمي أو المقرب حكومياً، تعتبر ميزات خارقة أحيانا بجميع المقاييس: التمويل ولانتشار والإعلانات والوصول إلى مصادر المعلومات. في المقابل، يتحمّل هذا الإعلام أعباءًَ ثقيلة من الناحية المهنية منها إقناع الرأي العام بالسياسات الحكومية، وإنارة مراكز القرار والمؤسسات الحكومية بمشاكل تتعلق بوظائفها الروتينية. وما يميز إعلاماً حكومياً عن آخر هو قيامه أو عدمه قيامه بوظيفة بالغة الحساسية تنطلق من مميزات موقعه ومن أعبائه في آن واحد. فلأنه الأكثر قدرة من بين جميع المؤسسات والقطاعات والسلطات على الوصول (اليومي) إلى كافة شرائح وبنى المجتمع والدولة، ورصد أحوالها ومتغيراتها ومساراتها، والأكثر قدرة وسرعة على الاستعانة بكافة المتخصصين وصولاً إلى التشخيص السليم والبحث المتعدد الزوايا، فإن مسؤوليته تصبح الأكثر خطورة وأهمية وفاعلية لناحية كشف مواقع الخلل وردود الفعل حيالها والحراك الذي يمكن أن تؤدي إليه ومدى اتساعه. إنه بطريقة ما حلقة وصل وربط وحل دائمة يفترض بها ألا تنام. وهو بالتالي آخر من يجب أن تباغته المستجدات والتطورات الدرامية. هذا الدور تقوم به شبكات إعلامية امبراطورية حول العالم، أسستها منذ عقود، وبعضها منذ أكثر من قرن، دول عظمى ليبرالية تغطي أدواتها الإعلامية – الحكومية قبل الخاصة- مناطق من العالم تتسع بمقدار اتساع تلك الدول. مثل هذه الشبكات ساهمت هذه في عدم حصول ثورات فجائية حقيقية في تلك الدول بقدر انتشارها وإدراكها لحقيقة دورها. في مناطق أخرى من العالم، وبسبب العجز عن القيام بذلك الدور، حدث أن كان الإعلام الحكومي أول من فوجئ بالمجريات على الرغم من ضخامتها، بل ساهم أكثر وأكثر في سرعة تفاقهما من خلال توقعاته القمعية وأحكامه النمطية. وعندما أفاق على وقائع جديدة على الأرض، كان الوقت قد تأخر جداً على استدراك ما غفل عنه طويلا. د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©