الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اكسترا ميديا للخروج من التخاطب البغيض

13 فبراير 2012
ليس من الغريب أن تكون هناك ثقافات مؤهلة أكثر من غيرها على التخاطب والتواصل الفعال أو الإيجابي أو البناء. وليس غريباً أن خطاب التواصل والتفاعل يتغير ويتطور من زمن إلى زمن ومن عصر إلى آخر ومن بلد إلى آخر. كثيرة العوامل التي تتدخل في بلورة الملامح الرئيسة لكل خطاب. واحد منها قد يكفي أحياناً لإضفاء اختلاف. خذ مثلا كيف للمؤثرات الجغرافية والمناخية أن تنعكس على اللهجة. أتذكر كيف استمتع أستاذ اللغة العربية مرة وهو يحاضر لنا عن ذلك، بقليل من السخرية أحيانا، والمبالغة غالباً، مقلدا لهجاتنا واختلافها بين أهل الساحل والجبل، أو المدينة والريف، ومن يومها وهذا الدرس في الاختلاف بقي في خاطري لايفارقني أبداً. ليس الشكل هنا مسألة هامشية، بل إنه جوهري في أي عملية اتصال وخاصة مع زحف «عولمة» المعايير المشتركة جدا للشكل، مثل الجمال، الذي هو أبرز تجليات الشكل. أنت لا تواظب مثلا – كمستهلك نمطي - على مشاهدة صورة أو فيلم أو محطة فضائية أو غيرها ما لم يتوافر شرط أساسي فيها : التقديم والعرض (الجذب). ولايمكن أن تدخل إلى أي محتوى، مهما كان رائعا وإبداعيا وخارقا إن لم يكن «التغليف» مغرياً بمعنى ما. لكن إن كان وجه اختلاف واحد على الشكل في أي اتصال، قد يكون جوهرياً إلى هذا الحد فلا شك أن من شأن اختلاف المعنى - المضمون- أن يولّد كماً هائلاً من الخلافات أو اختلاف الفهم (أو سوء التفاهم) وربما يشعل نزاعات وحروبا حقيقية ولو عن غير تعمّد أو سابق تصميم. هذا يصح عندنا على مستوى الفرد والأسرة والجماعات (وربما الدول أحيانا). ولا شك في أنه عندما تتزايد فجوات الشكل والمبنى معاً يقل احتمال نجاح عملية التخاطب والتواصل إن لم نقل يصبح قابلا جدا لتفجير العلاقات بين أطراف الاتصال. وهذا يشكل برأيي مدخلاً لفهم الواقع الفعلي الذي تشهده الكثير من مجتمعاتنا على عدة نطاقات ومستويات. أي أنه تعبير عن أزمة. وبمعنى ما فإنها أزمة مزمنة لدرجة أن الانتشار الواسع للمدرسة والتربية ووسائل الإعلام منذ النصف الثاني من القرن العشرين، لم تستطع المساعدة في العثور عن ضوابط أو حلول. ربما يعتقد البعض أن مرحلة التواصل الاجتماعي الافتراضي قد تسهم في تطويع عناصر التفجير في تخاطبنا وتواصلنا، لكن من المستحيل معالجتها برأيي ما لم نستطع إرساء بدائل تأسيسية تتناول على سبيل المثال: إن الغاية من الخطاب وكل عملية تواصل يجب أن تكون في إطار احترام الكائن الفرد أياً كان؛ وأن الاختلاف بذاته حق طالما التزمنا بالضابط الأول، وأن التنوع في ظل الضابطين السابقين غنى وثروة، وأن كل عملية تواصل ناجحة هي التي تسفر عن تطور في فهم أطراف العلاقة كل منهم للآخر..الخ. مثل هذه الأمور لا تشكل ميثاقا فقط، بل هي مسألة ثقافة وفكرية ولكنها ملحة. وبغيرها سوف تستمر ظواهر التواصل السلبي – والقبيح أحياناً – المجرد من الفوائد حاملة معها أشكالا بغيضة من التخاطب ونتائج تمليها الغرائز الرافض للعقل والوعي الإنساني. د . إلياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©