الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صحوة الشرق الأوسط... بارود التطلعات الديمقراطية

صحوة الشرق الأوسط... بارود التطلعات الديمقراطية
13 فبراير 2012
أخذت المخاوف من حرب شرق أوسطية جديدة لم تتضح معالمها بعد، تلبد سماءََ منطقة كانت قبل عام فقط تحتفي بسقوط حكام مستبدين، وصعود قوة الشعب، وتأمل في بزوغ عهد ديمقراطي جديد. فالتهديدات الإيرانية بتلغيم مضيق هرمز تزيد من شبح نزاع بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج العربي، وتهديدات إسرائيل بتوجيه ضربة لمنشآت إيران النووية تفتح إمكانية حرب واسعة تشمل المنطقة برمتها. ولعل الأكثر إثارة للقلق، في وقت يتواصل فيه سقوط القذائف على مدينة حمص السورية وتعيد فيه شاشات التلفزيون عبر المنطقة بث صور مروعة لمشاهد الدم والعنف، هو أنه بات من شبه المؤكد اليوم أن سوريا تعيش في المراحل الأولى لحرب أهلية، حرب تثير تداعياتها التوتر والقلق خارج حدودها. ورغم أن حرباً أوسع ليست بكل تأكيد قدراً محتماً لا مناص منها، فإن سنة 2012 بدأت ُتظهر منذ الآن كتتمة قاتمة لآمال 2011، فيما تصطدم مطالبات الشعوب بقدر أكبر من الحرية مع الأجندات المتنافسة والمتعارضة للقوى الكبرى. وفي هذا الإطار، يقول بول سالم، مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت: "هناك مساران مختلفان في الشرق الأوسط"، فبينما "بدأ شمال أفريقيا ينتقل نحو مزيد من الديمقراطية"، فإن منطقة المشرق العربي (فلسطين ولبنان وسوريا والعراق) "بدأت تنتقل نحو المواجهة والنزاع الطائفي، وهو مسار أكثر قتامة وسواداً بكثير". فرغم الفوضى في القاهرة وحالة الارتباك في طرابلس، إلا أن تونس ومصر وليبيا بدأت تتعاطى، وإن بشكل غير منظم، مع المهمة المتمثلة في بناء ديمقراطيات جديدة يمكن أن تنجح بعد سنة تم فيها خلع الزعماء السلطويين في هذه البلدان. غير أنه في المنطقة الممتدة من فلسطين إلى إيران، أثارت صحوة التطلعات الديمقراطية تنافساً قديماً وأحقاداً أحدثت عبر شبكة من خطوط التصدع المتقاطعة التي يمكن أن تنهار وتسحب معها البقية. وفي هذا السياق، تقول "أم هيا"، وهي سورية تعيش في بغداد: "يبدو كما لو أن كل مكان يمكن أن ينفجر في أي وقت، بدون معرفة السبب"، مرددةً شعوراً واسعاً بالقلق بين الكثيرين ممن يعيشون خارج سوريا، قبل أن تضيف: "أن المنطقة برمتها قابلة للاشتعال". ووسط كل ذلك توجد سوريا، التي بدأت ثورتُها كانتفاضة شعبية سلمية ضد حكم الأسد، لكنها اليوم أخذت تتحول إلى صراع أكبر على النفوذ. فخلافاً لليبيا وتونس ومصر، تقع سوريا وسط سلسلة شبكات من التحالفات الاستراتيجية والمصالح الجيوسياسية والحساسيات الدينية. وتعليقاً على ذلك، يقول دبلوماسي مطلع: "لقد انهارت ليبيا من الداخل، أما سوريا فستنفجر... وستنفجر عبر المنطقة بأكملها". والأمر لا يتعلق فقط بحقيقة أن التركيبة الدينية والإثنية لسوريا تعقِّد انتفاضةً شعبيةً ضد عقود من الطغيان والاستبداد، حيث تسيطر أقلية طائفية على معظم المناصب المهمة في القوات الأمنية التي تقود جهود قمع وإخماد الاضطرابات، مضفيةً بذلك بعداً طائفياً على ثورة تقودها الأغلبية السنية للبلاد. فسجل الأسد الخاص، وسجل والده من قبله، كبطل للقضايا المناوئة للغرب، وتحالفاته مع جماعات مثل "حزب الله" و"حماس"، وفوق كل شيء علاقته الوثيقة بإيران... تضع نظامه على الخطوط الأمامية لصراع أكبر بكثير على النفوذ. وفي هذا الإطار، يقول وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، الذي يسعى إلى تحقيق توازن بين التعقيد الطائفي الدقيق للعراق مع الأحداث التي تتكشف تباعاً في سوريا المجاورة: "إن من شأن تغيير النظام في سوريا أن يؤثر على المنطقة كلها، فسوريا لها أهمية جيوسياسية بالنسبة لفلسطين ولبنان والعراق والأردن وكل مكان. ولذلك، فإن لكل بلد مصلحته الخاصة في ما يحدث في سوريا". أو كما تقول كلير سبانسر، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز "تشاتام هاوس" في لندن: "إن مصير سوريا متداخل ومترابط مع مصير الجميع في المنطقة، ومصير الجميع يمر عبر سوريا". ومما يزيد من تعقيد هذه الصورة أكثر هو حقيقة أن الأزمة السورية تتفاقم في الوقت نفسه الذي أخذ فيه نفوذ أميركا في المنطقة يتقلص. ذلك أن انسحاب القوات الأميركية من العراق في ديسمبر الماضي وقدوم إكراهات العام الانتخابي، يبعثان بإشارة واضحة إلى المنطقة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتدخل. ويقول زيباري في هذا الصدد: "لقد كان الوجود الأميركي يمثل شكلاً من أشكال الردع... أما اليوم، فإن الناس يشعرون بأن ثمة نوعاً من الفراغ، وهم يتنافسون على سده". ومن بين تلك القوى المتنافسة روسيا، التي تعتقد أنها خُدعت من قبل الغرب في ليبيا وتتدخل اليوم بقوة للدفاع عن الأسد، معلنةً أنها لن تقف موقف المتفرج بينما يعمل تحالف مدعوم من الولايات المتحدة على خلع حليفها الأول في الشرق الأوسط. وقد أثار استعمال روسيا والصين لحق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار أممي يندد بسوريا، والمحاولات الروسية لرعاية النتيجة التي تريدها للأزمة السورية، ذكريات تعود إلى زمن الحرب الباردة وتنافس قديم على النفوذ في المنطقة بدا أنه انتهى مع انهيار الاتحاد السوفييتي وتحرير الكويت من قبل تحالف تقوده الولايات المتحدة عام 1991. غير أن ما يؤجج الصراع على سوريا هو تنافس قديم على الهيمنة بين إيران والغرب، السنة والشيعة، العرب والفرس، معركة بدا أنها خفت جراء المطالبات الشعبية بالتغيير، والتي ظهرت عبر العالم العربي العام الماضي، لكنها طفت على السطح من جديد كعامل مهم يحرك التنافس على السلطة. فتحالف سوريا الاستراتيجي الذي بدأ قبل ثلاثة عقود مع إيران، يضعها في صميم ما سماه العاهل الأردني عام 2006 "الهلال الشيعي"، منطقة على شكل قوس تمتد من طهران إلى بيروت، عبر بغداد ودمشق، ويحكمها زعماء شيعة متعاطفون مع إيران. أما في حال حُكمت سوريا من قبل أغلبيتها السنية، فإن دمشق سترسخ ما يسميه البعض منذ الآن هلالاً سنياً يمتد من السعودية إلى تركيا، ويقطع شريان الحياة بالنسبة لإيران والممتد إلى البحر الأبيض المتوسط. ويرى بعض المحللين أن الاضطرابات في سوريا تمثل بالنسبة لبلدان الخليج السنية، فرصة جديدة للتصدي للنفوذ الإيراني الذي توسع بشكل مهم في لبنان والعراق عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ورغم أنه لا يوجد دليل حتى الآن يدعم ادعاءات الحكومة السورية من أن دولاً خليجية تقوم بتسليح المعارضة السورية، فإن ذلك يمكن أن يتغير اليوم في وقت بات يبدو فيه من المستبعد حدوث تحرك دولي منسق لحل الأزمة السورية، كما يقول إميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين، والذي يضيف: "إن إيران مازالت أكبر لاعب في المنطقة، وسوريا هي الميدان المناسب للعب... إنه مكان حيث يمكن القيام فيه بأشياء ضد إيران، لكن إيران تظل أكبر جائزة". وبالنظر إلى قيام روسيا منذ بعض الوقت بمد الحكومة السورية بالسلاح وإيران بتوفير المساعدة التقنية والنصائح العسكرية، حسب بعض المسؤولين الأميركيين، فإن الساحة باتت مهيأة كي تتحول سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة يمكن أن تمتد إلى لبنان والعراق وربما أبعد من ذلك. غير أن الأمر الذي كثيراً ما يغيب عن الأذهان وسط هذا الوضع المضطرب والمعقد الذي يتميز بتعارض الأجندات، هو هوية الأشخاص الذين أطلقوا الانتفاضة، أولئك الأشخاص العاديون الذين استجمعوا شجاعتهم للخروج إلى الشوارع والدعوة إلى حريات أكبر وحكامة أفضل. وبينما تتعرض حمص، التي تعتبر قلب الثورة السورية، لقصف المدفعية لليوم الثامن، يقول السكان إنهم بدأوا يفقدون الأمل. وفي هذا السياق، يقول عمر شكير، وهو ناشط من منطقة باب عمرو في هذه المدينة: "إننا لا نستطيع أن ننجح بدون دعم دولي"، مضيفاً: "لا أستطيع أن أصدق أن العالم يتفرج في صمت على ما يحدث هنا". لكن رغم أنه من شبه المؤكد أن مزيداً من إراقة الدماء تلوح في الأفق، إلا أنه لا يمكن استبعاد احتمال مستقبل أكثر إشراقاً، كما يرى حكيم إذ يقول: "إن الأشياء ستزداد قتامة، لكن هذه الانتفاضات والثورات تمثل في الوقت نفسه عمليات يمكن أن تستغرق سنوات"، مضيفاً: "إن العامل الجيوسياسي يؤثر فيها، والطائفية تؤثر فيها... لكن ثمة مع ذلك شيئاً جيداً وحقيقياً بشأن مطالب كل هذه الشعوب عبر المنطقة". ليز سلاي - بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©